ملف الجهاديين البحرينيين

البحرين: تعاضديّة الحكم والدين صبغت الدّولة بأيديولوجيا القاعدة «3 - 3»

عبد الرحمن الحمد
عبد الرحمن الحمد

2013-07-10 - 11:27 م

مرآة البحرين (خاص): النشاط اللوجستيّ البارز للسلفيّين البحرينيين في سوريا مفاجيء وغير مسبوق. لكن يصعب الاقتناع أنه يجري خارج أجهزة تحكّم الدّولة البحرينيّة. في الحقيقة، إنّ هذا مستحيل. لقد طوّر الملك حمد بن عيسى آل خليفة في خلال السنوات التي أعقبت وصوله إلى الحكم (1999)، «حلف فضول» مع جماعات الإسلام السياسي السني، وبينها السلفيّة. استفاد منها في محاصرة التطلعات الديمقراطيّة القديمة وإثارة الشقاق الطائفي المستمرّ مع المعارضة.

فيما مكّن في المقابل الجماعات الإسلامية السنية من التغلغل في أجهزة الدّولة، والتمتّع بمزايا الموارد. ولم يكن صعباً استشعار حالات التذمّر والحنق لدى الفئات الليبراليّة الموالية للحكم التي تشكل عموم الطبقة الوسطى، من الحظوة التي أصبحت تتمتع بها التيارات الإسلاميّة. وقاموا بإنشاء تجمّع «لنا حق» (2006) و«جمعيّة المنتدى» (2005) كنوع من الرّد لضيق هذه الفئات ذرعاً من سياسة استبعادهم وإحلال الإسلاميين مكانهم.

واحدة من آليات التحكم التي استخدمها الملك الحالي تمثلت في استبدال نخبة الحكم الليبرالية القديمة التي أدار بها عمه رئيس الوزراء الهرم، المرحلة التي سبقته منذ حل برلمان 1975، بنخبة جديدة من الإسلاميّين السنة. ورغم محاولته تقديم صورة للبحرين أنها واحة للانفتاح في المنطقة، إلا أنه سهّل خلال العشر سنوات السابقة تعريضها لأكبر عمليّة صباغة «دينيّة» في تاريخها.

 

معالم على «الحلف المقدس»

شهدت الأعوام من 2004 إلى 2013 اتخاذ حزمة من الإجراءات التي أظهرت قوة «الحلف المقدّس» مع السلف والإخوان.

ولأول مرّة منذ 70 عاماً سمحت السلطات بقرار من «المشير» خليفة بن أحمد آل خليفة (2008) للمنتسبين العسكريين في قوة الدفاع البحرينية بـ«إطلاق لحاهم دون أن تمنعهم وتعاقبهم كما كان يجري سابقاً».
وأسوة بذلك، قامت وزارة الداخلية برفع الحظر هي الأخرى بموجب قرار من الوزير راشد بن عبدالله آل خليفة «سمح لمنتسبي الوزارة بإطلاق اللحى وفق ضوابط معينة لتنظيم عملية إطلاقها مثل تحديد طولها».
وتدخل الملك (2006) إثر ضغوط من السلف ليأمر بإيقاف المخالفات المرورية التي تحرر ضد النساء المنقبات أثناء سياقتهن للمركبات. قبل أن يوافق مجلس الوزراء على مقترح مكّن «المرأة المنقبة من قيادة السيارة دون تحرير أي مخالفة مرورية بحقها».

وبدءاً من العام 2007 تزايدت شكوى متعهدي المنشآت السياحية بعد أن اعتمدت وزارة الإعلام البحرينية آليّة تسمح بشن غارات دورية على الفنادق طالت بإجراءاتها العقابيّة حوالي 90 فندقا. 
كما أصدرت الوزارة حزمة من القرارات ألغت «رخص صالات العروض الفنية العربية والأجنبية، والسماح بجلب الفنانين أو الفرق الفنية، وتراخيص الحانات والمراقص وتقديم المشروبات الكحولية في جميع الفنادق والمطاعم السياحية ذات النجمة والنجمتين والثلاث والأربع».

ومع مطلع العام 2009 طوّرت وزيرة الإعلام مي آل خليفة منظومة من القرارات تسمح بحجب المواقع الإلكترونية في مملكة البحرين. وحددت نوعين من المواقع، أحدها «المواقع الإلكترونية الإباحية والمخلة بالآداب العامة». 
واستجابة لاعتراضات من نوّاب سلفيين وإخوان، ألغت السلطات البحرينية (2004) ترخيصاً لقناة «إم بي سي» يمنحها تصوير نسخة من أحد برامج تلفزيون الواقع «الأخ الأكبر» في إحدى الجزر الجديدة المشيّدة «أمواج»، شرقي العاصمة المنامة.

فيما تدخلت أخت الملك (2006) لتوظيب إقامة للداعية التكفيري وجدي غنيم على كفالتها بعد طرده من الولايات المتحدة إثر خطابات حافلة بالتطرّف. وكاد أن يحصل على الجنسية البحرينيّة، حيث صرّح أن «سلفيي البحرين وضعوني أول اسم على قائمة تجنيس الدعاة». قبل أن يجري ترحيله العام 2007 على خلفية إلقائه خطاباً هاجم فيه الأسرة الحاكمة في الكويت.


ومنذ العام 2010 استنّ الملك البحريني لنفسه تقليداً على المسرح الديني بالظهور في إطلالة سنوية خلال شهر رمضان، تحت عنوان «خطاب العشر الأواخر». 

نجل وزير الديوان ناصر بن خالد (وسط) في مجلس للعائلة الحاكمة   

 نجل وزير الديوان ناصر بن خالد (وسط) في مجلس للعائلة الحاكمة

وخلال الحملة الأمنيّة التي رافقت قانون فرض «السلامة الوطنيّة» مارس/ آذار 2011، أعطت السلطات إذناً بإقامة «الأذان» وفقاً للشريعة الإسلامية في مستشفى السلمانية الطبيّ، أكبر المنشآت الطبيّة الحكوميّة. إلا أن أسوأ عمليّات «الصباغة» الدينية أو الأسلمة، هي التي طالت مؤسسة الجيش.

 

«الشيطان» في الجيش

تشير دراسة حديثة (2013) عن تحوّلات المؤسسة العسكرية البحرينية بعد حوادث 14 فبراير/ شباط 2011 إلى «تغذية العقيدة القتالية لدى الجيش البحريني بمفاهيم دينية أحادية، يغلب عليها الطابع الديني السلفي بشكل واضح». 
ويظهر هذا الاتجاه جليا في الرعاية المستمرة لمسابقات حفظ القرآن وتجويده لمنتسبي قوة دفاع البحرين وفي سيطرة السلفيين على مديرية الإرشاد الديني التابعة لها، وقيامها بطبع إصدارات سلفية تمجد طاعة ولي الأمر وحرمة الخروج عليه، والأحكام الفقهية في شأن التظاهرات والاحتجاجات. وهي نفسها الفتاوى التي تصدرها مؤسسة الإفتاء الديني في السعوديّة.
وتوفر الآراء التي يدلي بها الناطق باسم الجيش البحريني خالد البوعينين على حسابه في «تويتر» @Al_Bu3inain نموذجاً فاقعاً للعقيدة العسكرية المليئة بالتطرّف. كما تكشف عن استعارة مطابقة لكامل المعجم السلفي «التكفيري» في موقفه من الغرب والولايات المتحدة والشيعة والمسيح واليهود والنصيريّة.
ويقول في اعتراض على منح الحكومة ترخيصاً (أغسطس/ آب 2012) لإنشاء كنيسة كاثوليكية «كيف ينصرنا الله ونحن نشيد معابد الشرك والمشركين، كيف ينصرنا والشرك بالله يدعم من الدولة، خوفا من أن يقال عنا أننا ضد حقوق الإنسان».

ويضيف في سياق آخر «لم نعِ ماذا تخطط له أمريكا إلا بعد رحيل صدام، فسلمنا العراق للمجوس وأرادت أمريكا أن تسلمنا لهم» على حد تعبيره.
وتعطي تعليقات نجل وزير الديوان الملكي ناصر بن خالد بن أحمد آل خليفة الذي يعمل ضابطاً في الجيش البحريني كما يشغل منصب رئيس مجلس إدارة نادي الرفاع الشرقي، نموذجاً آخر يبيّن حجم الاختراق السلفيّ في قلب العائلة الحاكمة. ويمتليء حسابه على «تويتر» nasser_khalid@ بمفردات لغة أصوليّة مرعبة حيال الآخر، تنهل من ذات المعين المرجعي للأيديولوجيا الأممية المتبنّاة من «السلفية الجهادية».

يقول في أحد التعليقات «البحرين ليست للجميع فهي بلد مسلم عربي بنص الدستور»، موضحاً «لا نُكره المجوس (الشيعة) على التوحيد ولكن البراء من شركهم واجب وإعانتهم على الشرك بالله ظلمٌ عظيم». ويضيف في إطار متصل «دعوة لا سني ولا شيعي، بس بحريني.. دعوة جاهلية أطلقها دعاة الشرك».

وتمثل صفحته أحد المنافذ الإشهاريّة لحملة «تجهيز غازي» التي تهدف إلى إعداد المقاتلين للجهاد في سوريا. ويقول في هذا السياق «لا زال الباب مفتوحاً لتسليح المجاهدين في سوريا فلا تبخلوا على أنفسكم»، معتبراً أنه «لا خير في ثروات المسلمين ولا سوادهم إن لم ينصروا إخوانهم في الدين بمشارق الأرض ومغاربها» وفق تعبيره.

 

بيادق «المشير» وشقيقه

يتشارك قائد الجيش البحريني خليفة بن أحمد آل خليفة، وشقيقه وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة، في إدارة ملف الإسلام السياسي السني. وقد طوّرا بدءاً من انتخابات 2002 «تعاضدية» بين مؤسسة الحكم والجمعيّات السنية تقوم على «المنفعة المتبادلة». ويمتلك السلفيون اليوم نفوذاً مهمّاً يصل أحياناً إلى الاستحواذ على أكثر من جهاز في الدولة، كالشئون الخارجية والجمارك وديوان الخدمة المدنية والأوقاف السنية ووزارة التربية والإسكان وجهاز الإرشاد الديني التابع إلى الجيش البحريني. فيما تشكل وزارات التربية والتنمية وحقوق الإنسان مراكزاً لنفوذ الإخوان.

لكنّ هذا ليس وجه «الشراكة» الوحيد. وتظهر التصريحات المتكرّرة لقائد الجيش خليفة بن أحمد، تطابقاً تامّاً مع الرّاديكاليّة السنية حيال كثير من الملفات، كالشيعة والدور الأميركي والموقف من الثورة السوريّة. ومنذ اندلاع انتفاضة 2011، صاغ المشير مقاربة «سريالية» للأحداث تفترض وجود مؤامرة تشترك فيها إيران والولايات المتحدة، سرعان ما تلقفتها منه التيارات السنية، وأصبحت جزءاً من أدبيّاتها. 

ففي حوار (8 أغسطس/ آب 2011) قال «إن أحداث البحرين كانت مؤامرة بكل المقاييس، اشتركت فيها إيران بدعم أمريكي». وأضاف في حوار آخر «هم يدفعون لهم (المعارضين) الأموال ويقومون بتدريبهم منذ أيام كونداليزا رايس».

كما أشار في تصريح (14 فبراير/ شباط 2012) إلى «وجود 22 منظمة غير حكومية تعمل ضد مملكة البحرين 19 منها تتواجد فى الولايات المتحدة الأمريكية، و3 أخرى فى إحدى الدول الخليجية»، موضحاً بأن «جميعها تُموّل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدولة الخليجية». 

وزعم أنه «عندما واجهت البحرين الولايات المتحدة بالمعلومات والحقائق تم التنصل منها بحجة أنها منظمات غير حكومية» على حد تعبيره.
وتعتبر صحيفة «الوطن» الحكوميّة التي تتلقّى دعماً من شقيقه وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد، أكبر الأجهزة الإعلاميّة في البحرين التي تدير سياسة هجوم مبرمجة اليوم ضدّ الولايات المتحدة والسفير الأميركي في المنامة، بطريقة لايضاهيها أي طرف شعبيّ.

وكشفت دراسة لمعهد «كارنيغي» عن أن «المشير خالد بن أحمد رفض خلال شهر مارس/ آذار 2011 منح إذن للولايات المتحدة بوضع طائرات حربية على الأراضي البحرينية؛ فاضطرت لنقل الطائرات إلى دولة خليجية أخرى».
وخلال حوار (16 يونيو/ حزيران 2013) عبّر المشير عن اعتقاده أن «الثورة السوريّة، هي الوحيدة التي يمكن تسميتها ثورة شعب». ورأى أن «ما حصل في البلدان العربيّة الأخرى - كتونس، مصر، ليبيا، اليمن والبحرين - لم يكن سوى مؤامرة غربيّة».
وتتقاطع هذه التصريحات مع جزء مهم من الأدبيّات الصادرة عن التيارات السلفيّة البحرينية.

عبدالعزيز العثمان

عبدالعزيز العثمان 


«التورط» في سوريا

في 21 مارس/ آذار 2013 أعلن عضو تجمع الوحدة الوطنية المقرّب من السلطة لافي الظفيري، وهو سوري حامل للجنسية البحرينية، أن ابن أخته أحمد شباط الظفيري الذي وصفه بـ«الجهادي» قتل في معارك بسوريا. وأشار في تعليقات بثها على حسابه @LAFI_ALDHAFEER2 في «تويتر» أنه «زار البحرين لبضعة أيّام، حيث التقاه، رغم أنه مطلوب من السلطات السعودية».
ويصعب تصوّر إمكانيّة دخول أحد الجهاديين المطلوبين من السعودية عبر جهاز المنافذ والجمارك البحرينية من دون «تواطؤ» من أحد. وتعد الجمارك واحداً من الأجهزة التي تقع تحت هيمنة التيار السلفي منذ سنوات. وسبق أن أدانت المحاكم البحرينيّة (مارس/ آذار 2010) متهمين، أحدهما أردني يحمل الجنسية البحرينية، والآخر بحريني يعمل موظفا في الجمارك، بعد أن اتهمتهما بـتهريب سلاحين أوتوماتيكيين من طريق جسر الملك فهد لأغراض «استهداف القاعدة الأميركية في الجفير».

في الواقع، منذ اتضاح الصورة الفاقعة لتدخل الجهاديين البحرينيين في سوريا لم يصدر عن الدولة أي إجراء ينفي شبهة «التواطؤ». فيما لم تتعدّ ردة فعلها أسلوب توجيه «النصائح» السديدة.
وتنصلت وزارة التنمية البحرينية من مسئوليتها عن قيام وفد جمعية «الأصالة» باختراق الحدود السورية وتسليم التبرعات إلى جهاديين (أغسطس/ آب 2012). وقالت إن «الأصالة جمعية سياسية مسجلة لدى وزارة العدل، وبالتالي تحصل على التراخيص اللازمة لأنشطتها من الوزارة التي رخصت منها».

ولم يصدر تعليق من وزارة العدل. لكنّ مسئولاً رفيعاً في الوزارة، وهو ناصر عبدالله الذي يشغل منصب رئيس شئون الحج والعمرة بإدارة الشئون الدينية التابعة لها، تحدث عن «ضرورة تقديم الأموال من أجل دعم الجهاد في الشام».

وقال في حسابه على «تويتر» @anaser71d «ليكن شعورنا ونحن نقدم أموالنا لدعم الجهاد في الشام أننا نعتذر بذلك إلى الله، خوفا من أن نكتب مع القاعدين المخالفين».

وفي الوقت الذي يحظر قانون الجمعيات السياسية البحريني بنصّ صريح الاتصال بالتنظيمات الأجنبية التي تهدف إلى «إقامة تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية أو إجراء تدريبات عنيفة تهدف إلى الإعداد القتالي» أو «يكون من شأن الاتصال تدخل الجمعية السياسية في الشئون الداخلية للدول الأخرى»، اكتفت وزارة الخارجية البحرينية بإسداء نصيحة إلى المواطنين تحثهم على «تحاشي دخول مناطق الصراعات والنزاعات المسلحة ضمانا لسلامتهم الشخصية».

وتعقيباً على مقتل مواطن بحريني في صفوف جبهة النصرة (28 مايو/ أيار 2013)، جدّد وزير الداخلية البحريني راشد بن عبدالله آل خليفة نصحه إلى «الشباب البحريني بالابتعاد عن الدخول في الصراعات الإقليمية والدولية». فيما نأت السلطة عن التعليق على مقتل الشاب عبدالعزيز العثمان وأخيه عبدالرحمن العثمان اللذين بيّنت تقارير انتسابهما إلى قوة الدفاع البحرينية.

وقد أظهرت صور نشرت للأوّل بعد مقتله وجوده إلى جانب مقاتلين خلال المعارك في سوريا بزيّ الجيش البحريني. وفي 4 مارس/ آذار 2013 ظهر الداعية السوري المتشدد عدنان العرعور في إعلان إشهاري ثمّن فيه على وجه الخصوص «دولة البحرين، حكومة وملكا وشعباً، على ما قدموه للشعب السوري وللثورة السورية من أمور عظيمة، معنوية ومادية». كما زار المنامة في 29 مايو/ أيار للمشاركة في حملة لجمع التبرّعات أطلقها سلفيّون بحرينيّون لدعم الجهاد في سوريا. وأفيد أن العرعور باع عباءته «البشت» في مزاد للتبرّعات على ثريّ بحريني بمبلغ 15 ألف دينار (حوالى 40 ألف دولار أميركي).
خلف الصمت الرسمي إزاء تواتر حوادث من هذا النوع تكمن تماماً عقدة «التورط» البحريني في سوريا!

 


 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus