مدرسة العهد الزاهر: الأيام التي لم نعشها بعد

2011-06-01 - 1:13 م


مرآة البحرين (خاص): كثيرة الاضطرابات التي شهدتها مدارس البحرين خلال الأشهر القليلة الماضية، أي منذ اندلاع الاحتجاجات في 14 فبراير وحتى ماقبل  انتهاء فترة السلامة الوطنية في 1 يونيو. المدارس الثانوية والإعدادية كان لها النصيب الأكبر من هذه الاضطرابات. الاشتباكات حدثت بين الطلاب الموالين للحكم والمعارضين. انعكس ذلك على الهيئات التعليمية والإدارية بشكل مباشر. شدة الاضطرابات اختلفت من مدرسة لأخرى ومن منطقة لأخرى، لكنها تصاعدت طردياً مع اشتداد وتيرة الأحداث. وزارة التربية أعلنت تعطيل الدراسة مدة شهر كامل، بعد نزول قوات الجيش ودرع الجزيرة إلى الشوارع في 16 مارس.

مدرسة العهد الزاهر الثانوية للبنات الواقعة في الدوار العشرين بمدينة حمد، كانت واحدة من المدارس التي حفلت بأحداث واضطرابات متواصلة لم تنته مع اقتراب انتهاء فترة السلامة الوطنية. كذلك مدرسة القيروان الإعدادية للبنات الملاصقة لها. المدرستان نموذج  للتوتر الذي أربك العملية التعليمة داخل الميدان التربي، وأربك شعور كل من الطالبات والمعلمات، ففقدن الأمن والاستقرار النفسين فضلا عن السلامة الوطنية.

اضراب 

الحكاية بدأت بعد إضراب المعلمين احتجاجاً على الهجوم المباغت الذي شنته قوات الأمن على المعتصمين السلميين في دوار اللؤلؤة فجر ١٧ فبراير، وخلف عدد من القتلى والجرحى. الإضراب دعت إليه نقابة العمال وشاركت فيه جمعية المعلمين. في خطوة تصعيدية للرد، أعلنت وزارة التربية والتعليم فتح الباب لمن يرغب في التطوع، لسد النقص الحاصل من غياب المعلمين المضربين. تم قبول كل من تقدم من المتطوعين والمتطوعات دون النظر إلى مؤهلاتهم العلمية والأكاديمية، ودون اجتياز اختبارات الكفاءة في المادة العلمية والنواحي الفنية. بعد أقل من أسبوع، عادت المعلمات بعد تعليق الإضراب، لكن المتطوعات لم يرحلن. صدر قرار من وزارة التربية بتاريخ (24 فبراير/ شباط 2011م) باعتبار المتطوعين معلمي احتياط، ونُص على أن تقوم المدرسة بتجهيز مكان مناسب لإقامتهم.


متطوعات

الغالبية الشيعية من الطالبات في مدرسة العهد الزاهر، رفضن دخول المتطوعات حصص الاحتياط، ورفضن قيام الأخيرات بالتدريس، قابلنهن بتشنج وتجاهل. بعض الطالبات يُخبرن أن السبب في عدم قبولهن هو أنهن غير مؤهلات وغير جامعيات ولا متخصصات، وأنهن يستخدمن التلقين والأساليب التقليدية القديمة التي كادت تنتفي من مدارس البحرين. أخريات يُخبرن، أنهن لن يقبلن المتطوعات، لأنهن بقدومهن كبديلات عن معلماتهن، يشككن في انتماء معلماتهن المضربات، واللاتي يعتقدن أن اضرابهن كان من أجل هذا الوطن.
مدرسة العهد الزاهر ذات غالبية شيعية من المعلمات أيضاً. ما تسبب في غياب عدد كبير من المعلمات إبان فترة الإضراب، وبالتالي استقبال المدرسة لعدد أكبر من المتطوعات البديلات.

الموقف السياسي في الخارج، اقتحم المدرسة سريعاً، الطالبات عشن حدث الخارج وتفاعلن معه وتلبسن بمواقفه المتباينة. قبول المتطوعات أو رفضهن كان لا شك متأثراً بالموقف السياسي. فخلافاً لموقف الطالبات الشيعيات، كانت طالبات المذهب السني غير مكترثات بالمستوى المهني للمتطوعات، بقدر ما كن يقدرن تطوعهن ويعتبرنه عملا وطنيا.
الاحتقان السياسي بين الطرفين، تسبب في خناقات كلامية. لكن هذه الخناقات تطورت إلى اشتباكات بالأيدي بعدما قامت اختصاصية مصادر التعلم بالمدرسة، بتحريض الطالبات المؤيدات، للتظاهر بالمدرسة للدفاع عن القيادة، وذلك وفق ما تروي عدد من الطالبات والمعلمات.

اشتباكات

مديرة المدرسة، منعت قوات الأمن من التدخل لفض الاشتباكات بين الطالبات، لكنها سمحت لـولي أمر من الطائفة السنية، وهو مدير الأمن لدى وزارة التربية والتعليم بالدخول، كان يحمل في يده عصا غليظة ضرب بها الطالبات المحتجات. لم يقف الأمر عند هذا الحد، تجاوز إلى دخول ولي أمر طالبة شيعية تعرضت للضرب على يد الأول، ليدخل الأخير معه في اشتباك بالأيدي.

المعلمات قمن بكتابة عريضة لاستنكار ما جرى في المدرسة مما أسمينه تحريض اختصاصية مصادر التعلم، وطالبن بنقلها إلى مدرسة أخرى. لكن الموقعات سرعان ما تم استدعائهن من قبل وزارة التربية، والتحقيق معهن.
مع اشتداد حدة الاحداث، أخذت المعلمات في الاعتصام عند باب المدرسة، أو الذهاب إلى الاعتصام في الدوار بعد التوقيع في المدرسة، تلاحقت الاحداث سريعا، فتعطلت المدارس.

تغييرات

بعد عودة المعلمين إلى المدارس، تم توقيف مديرة المدرسة (سنية). كبر حجم المدرسة وعدد طالباتها لزم أن توضع لها إدارتين من أجل الضبط. تم تقسيم المدرسة إلى قسمين على أن تقوم كل واحدة بإدارة قسم منهما. أيضاً أوقفت عن العمل المشرفة الاجتماعية و3 أخريات من الإشراف الإداري و20 من الهيئة التعليمية.
مع قرار عودة طلاب المرحلة الثانوية في 30 مارس، كانت إجراءات أمنية مشددة قد اتخذت وزارياً. الأمن صار متواجداً داخل المدارس. عدد من شرطة المجتمع تم نشرهم داخل المدارس. وخارج بوابات المدارس كانت تتواجد دوريات أمن مستعدة للدخول عند أي حدث.

الخلافات والتوترات بين طالبات العهد الزاهر، لم تلبث أن عادت للظهور في المسرح المدرسي من جديد. اشتباكات جديدة بين الطرفين المختلفين مرة أخرى. هذه المرة، استدعت المديرة الأمن للتدخل سريعاً. لكن لم يستتب الأمن. رجال الأمن قاموا بإلقاء مسيّلات الدموع داخل المدرسة، واعتقال عدد من طالبات الطائفة الشيعية بعد ضربهن، بقت الطالبات في مركز الشرطة حتى إخلاء سبيلهن مساءً. هكذا تغير النظام المعمول به في المدرسة. وبدأ مسلسل طويل لاقتحام رجال الامن للمدرسة.

اعتقالات

مع بداية حالة السلامة الوطنية، والبدء في اعتقال والتحقيق مع كل من شارك في الاحتجاجات. تم الاستدلال على المعلمات المشاركات من خلال الصور التي التقطت لمسيرات المعلمين واعتصامهن، ثم الإبلاغ عن الأسماء. ذات صباح يوم دراسي فوجئت المعلمات داخل المدرسة بمداهمة رجال الأمن، واستدعاء أسماء محددة عبر جهاز الاذاعة المدرسي، ثم أخذهن لمركز مدينة حمد وتم التحقيق معهن، واخلاء سبيلهن مساء.

بعدها بأيام قامت إدارة المدرسة بتنظيم حفل باسم (حفل الولاء للقيادة)،كان سببا لعودة المواجهات بين الطالبات واستدعاء الأمن من جديد. ومع حضور الأمن فإن ورقة فيها اسم 15 طالبة من الطائفة الشيعية تم القاء القبض عليهن وأخذهن لمركز مدينة حمد، ومنع أهاليهن من دخول المدرسة أو اللحاق بهن. ساعات طويلة قضتها الطالبات في مركز الشرطة قبل إخلاء سبيلهن مساء.

قبل انتهاء السلامة

في الخامس والعشرين من مايو الجاري، أي قبل خمسة أيام من انتهاء فترة السلامة الوطنية، فوجئت المعلمات مرة أخرى بدخول رجال الأمن إلى المدرسة واستدعاء معلمتين من مدرسة العهد الزاهر، و25 معلمة من مدرسة القيروان الإعدادية الملاصقة لها. في الخارج كان ينتظرهن باص يتسع ل16 راكبا فقط. كان على هذا العدد من المعلمات أن يتكدسن فوق بعضهن كما وصفت إحداهن. وكالعادة تم أخذهن إلى مركز شرطة مدينة حمد. وهناك تعرضت المعلمات للضرب بعنف ووحشية من قبل الشرطة النسائية حسب ما يروين وتعرضهن للإهانات.

في الباص، وقبل الوصول إلى مركز الشرطة، باشرت الشرطة النسائية بإلقاء الأسئلة عليهن. هي ذاتها المعتادة حول عدد مرات الذهاب إلي الدوار، مع وجبة دسمة من الكلمات البذيئة والشتائم والضرب الشديد والإهانة حسب المعلمات. تروي إحدى المعلمات " كنا لا نزال في الباص حين أمرونا بترديد النشيد الوطني، والهتاف ب:يعيش خليفة بن سلمان، ثم كدسونا فوق بعضنا البعض وضربونا دون اكتراث. كانت إحدانا حاملاً ومع ذلك تم ضربها بعنف شديد على وجهها، سبب لها ألما كبيرا في الفك".

بعد الوصول إلى مركز الشرطة، تم إدخال المعلمات إلى غرفة، وأمروهن بتوجيه وجوههن إلى الحائط. إحدى الشرطيات قامت بضربهن على رؤوسهن بـ "علبة كلينكس". ثم قامت برش ثيابهن بمعطر أو مزيل للعرق وهي تقول بسخرية "ريحتكم خايسة، وراح نعلمكم من هم البلطجية يا بنات الدوّار".

فُتشت الحقائب اليدوية وهواتفهن. كل مُدرسة على حدة وضعت عليها لافتة تحمل اسمها ورقمها الشخصي وتم تصويرها من أربع جهات. التحقيق الانفرادي كان هو المحطة الأخيرة، لكنه جاء مطعماً بتعصيب العينين والضرب والإهانة والتنكيل. تروي إحداهن: " تم إخلاء سبيلنا حوالي الساعة التاسعة مساءً بعد يوم طويل ومرير ومثقل بالإهانة والاذلال، لم يسمح لنا طوال وقت تواجدنا داخل مركز الشرطة بالجلوس على كرسي أو شرب ماء أو تناول الطعام، غادرنا بعد إجهاد يوم طويل، وكان علينا أن نواصل عملنا ونذهب إلى مدارسنا في اليوم التالي بنفسيات  سيئة وقدر كبير من الخوف والهلع، وكانت آثار الأمس تنعكس على وجوهنا المتعبة والمرهقة".
 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus