فحص DNA لكشف الخيانة... مديرات في محنة التشكيك

2011-06-01 - 1:38 م



مرآة البحرين(خاص): "بعد أكثر من ثلاثين عاماً من عمري، قضيتها في خدمة التربية والتعليم. أتهم اليوم بخيانة وطني. أنا التي كرست مفاهيم الوطن والانتماء عند طالباتي، وعلمتهن أن الوطن قبل كل شيء وفوق كل شيء. اليوم أواجه بتهم كيدية ممن خلا من ضميرهن الصدق. أدفع ثمن الكذب لا ثمن الفعل: تحقيق في العمل. تحقيق في الداخلية. توقيف عن العمل. وقف راتبي لشهرين. التحقيق معي لم يكن لدحض التهم بل لإقرارها. لكنني دحضت الكذب بقوة الصدق ولم أخش الترويع. أنا التي لم أغب يوماً واحداً إبان ذروة الأحداث صرت خائنة. بأي هيبة أعود لمعلماتي وطالباتي بعد هذا الإذلال المتعمّد لي من وزارة أفنيت فيها سنوات عمري؟".

مديرة مدرسة موقوفة عن العمل.

بالجُملة

حافلة خاصة بوزارة الداخلية، تتنقل بين عدد من مدارس البحرين، تلملم مديري ومديرات هذه المدارس. بالجُملة، يتم أخذهم نحو أحد مراكز الشرطة للتحقيق. يُستلون من وسط مدارسهم أمام معلميهم وطلابهم. المعلمون في ارتباكة الموقف، يتحسسون مقاعدهم، فدورهم ليس ببعيد. الطلاب يتهامسون بينهم "اعتقل مدير المدرسة قبل قليل". وفي المكان ذاته، ثمة أعين تتربص بفرح لعين، وأيد تحتك ببعضها البعض: "نجحنا في الإيقاع به". تهانينا، فقد اُنجرت المهمة القذرة.

لا يختلف الحال كثيراً من مدرسة لأخرى. الاحداث الملتهبة التي عاشتها البحرين منذ فبراير، كانت مفاجئة  بالنسبة للجميع. المدرسة بطبيعتها واحدة من التجمعات الكبيرة التي تحوي تنوعات اجتماعية متباينة. الطلاب أبناء بيئاتهم التي يعيشون فيها. لا يمكن فصل داخل المدرسة عما يدور خارجها. التعامل مع احتجاجات المعلمين والطلاب لم يكن أمراً هيناً، فالتجربة استثنائية وغير مسبوقة. المديرون صاروا في فوهة مدفع المعلمين والطلاب وأولياء الأمور أيضاً. وزارة التربية وعدت المديرين خلال اجتماع مع وكيلها عبدالله المطوع، بأن يتم رفد إدارات المدارس بتعليمات حول التعاطي مع انسحاب المعلمين من المدارس خلال فترة الاحتجاجات. لكن التعليمات لم تأت، ولم تعط تعليمات فيما يخص التعامل مع مسيرات الطلبة التي خرجت من عدد كبير من المدارس. لكنها بعد إقرار قانون السلامة الوطنية، راحت تقتص من المديرين سريعاً.

لجان تحقيق شكلت على الفور في وزارة التربية. بدأت بلجان لتقصى الحقائق، ثم توسعت إلى لجان تحقيق، ثم قرارات بالتوقيف عن العمل لحين الانتهاء من التحقيق، ثم أخيراً مجالس تأديبية. ملفات التحقيق ترسل بدورها إلى الداخلية التي تقوم باستدعاء أصحابها للتحقيق معهم حول الاتهامات نفسها مجدداً.

سلام ملكي

والمديرات حكاية أخرى، ربما لأن الوسط النسائي مكان ملائم للوشايات أكثر من الوسط الذكوري. يكفي أن تكون مديرة المدرسة شيعية أو صاحبة موقف سياسي في الخارج، لتتكثف حولها عيون الاتهام، ولتحسب عليها حركاتها وما يصدر عنها، ولتركبها لعنة التخوين. 

 بتاريخ ٢٠ فبراير، اعتصمت مدرسات مدرسة صفية الابتدائية الاعدادية للبنات عند بوابة المدرسة. المدرسة تقع في مدينة حمد وتتكون من توليفة من الطالبات الشيعة والسنة والمجنسين. المعلمات الشيعيات يمثلن ٩٠٪ من عدد المعلمات. من البيوت المجاورة للمدرسة خرجت إحدى أولياء الأمور وقامت بشتم المعلمات بكلمات غير لائقة، واتهمتهن في وطنيتهن وولائهن حسبما ينقلن. دخلت المعلمات إلى المدرسة، لكنها لاحقتهن واستمرت في شتمهن. هنا تدخلت مديرة المدرسة وطلبت منها احترام المعلمات لكن الأخيرة واصلت الصراخ بصوت عال. المديرة هددتها باستدعاء الأمن. فلم تكترث وقالت: أنا لا أخاف الأمن أنا نفسي من الأمن. وفي حضور الأمن  اعتذرت ولية الأمر، وقالت إنها كانت منفعلة وانتهى الأمر ظاهرياً.

في ٢٢ فبراير خرجت إحدى المعلمات إلى ساحة المدرسة وجعلت إحدى الطالبات تقوم بالهتاف: عاش الملك عاش الملك. ووسط استفزاز الطالبات المحتجات واستنفارهن، وخوفاً من تأجيج الوضع المؤجج أصلاً، والتزاماً بلوائح الوزارة التي تمنع الهتافات داخل المدرسة، تدخلت المديرة ومنعت المعلمة من الاستمرار. قالت لها: الملك على رؤوسنا لكن أي هتافات الآن ستسبب لنا تأزيماً داخل المدرسة. قالت المعلمة: تقصدين ان تمنعي السلام الملكي بحجة أنه يسبب تأزيم؟ أجابت المديرة: لا.. أقصد الهتافات فقط.

تقول إحدى المعلمات: "عصر اليوم نفسه، كانت الرسائل عبر الهواتف النقالة تحمل اسم مديرة المدرسة وتتهمها بأنها قد منعت السلام الوطني. وفي اليوم الثاني حملت الرسائل أن المديرة قد مزقت صور القيادة". هذه الأحداث كانت بداية مسلسل من التحقيقات مع مديرة المدرسة لتوقيفها عن العمل بعد إقرار قانون السلامة الوطنية.

تحريض

في اليوم الذي كانت طالبات مدرسة الوفاء الثانوية للبنات ينظمن للخروج في مسيرة احتجاجية بتاريخ ٣مارس، ووسط تحذيرات المعلمات ومديرة المدرسة والمديرة المساعدة اللآتي حاولن ثنيهن عن الخروج، وضعت إحدى الطالبات عصر اليوم نفسه على البلاك بيري (برودكاست) يقول إن المديرة المساعدة (الشيعية) تحرض الطالبات  وتشجعهن على الخروج في مسيرة ضد النظام، وأنها تنوي القيام بتكسير سيارة مديرة المدرسة (السنية). البرودكاست تنوقل سريعاً بين طالبات المدرسة. المسيرة خرجت والطالبات عدن إلى المدرسة بعد انتهاء مسيرتهن. انتهى كل شيء سريعاً. الطالبات انتظمن في دراستهن في الأيام التالية دون مشاكل. لكن التهمة التي ألصقت بالمديرة المساعدة بقت تنتظر قانون السلامة الوطنية، جاء قانون السلامة وجاءت معه عدته: الاتهام والتحقيق والتوقيف. تقول إحدى الطالبات اللآتي شاركن في مسيرة ذلك اليوم " المديرة المساعدة كانت تحاول ثنينا عن الخروج، ونحن كنا مصرين على الخروج مثل باقي المدارس، لم نعبأ بالأمر حين قرأنا الرسالة التي وضعتها تلك الطالبة في ذلك اليوم، ظننا أنها تصرفات طائشة لا أحد سيهتم لها، لكن لم نتوقع أن تتم محاسبة المديرة المساعدة ومعاقبتها استجابة لمسج كيدي مثل هذا".

DNA

مسلسل التحقيقات، يتم عبر لجان تتضمن أعضاء من الوزارة ومحققين قانونيين. التهم  تتراوح بين المشاركة في اعتصامات ومسيرات غير مصرح بها ترفع شعارات معادية للنظام، وبين تهم يتم تسريبها من خلال معلمات داخل المدرسة نفسها. فترة السلامة الوطنية كانت الأخصب لاستثمارها من قبل المعلمات اللاتي يحملن موقفاً شخصياً من إدارة المدرسة أو واحدة من المعلمات. الطريقة في غاية السهولة، برودكاست واحد ينتشر بسرعة البرق يحتوي اسم المديرة وتهمة لها بأنها طائفية وتحرض على النظام وتطالب باسقاطه أو أي شيء مشابه. أيام وتستدعى للتحقيق ثم التوقيف.

إحدى المتطوعات الجامعيات من الطائفة السنية ترفض ذكر اسمها خوفاً، تقول "كنت متطوعة في إحدى المدارس التي تم توقيف المديرة فيها، وفي الحقيقة لم أر المديرة تقوم بأي شيء مخالف بل على العكس، كانت المديرة ملتزمة وحذرة وكل ما تقوم به تتأكد من قانونيته. أيام قليلة وانتشر في (البلاك بيري) أن المديرة تتعامل مع معلماتها على أساس طائفي وأنها تقوم بالتحريض وتدعو لإسقاط النظام". 

في بعض لجان التحقيق، تتعرض المديرات لما يمس هيبتهن واحترامهن: "أحد المحققين مارس معي دور الشرطي الشرس، واتهمني بأنني أسأت للعملية التعليمية، وحين طلبت ما يثبت قوله، لم يكن عنده غير مجموعة من الأقاويل غير المستندة على دليل" تقول إحدى المديرات.

هذه التحقيقات لم تقف عند باب وزارة التربية فقط بل تعدته إلى مراكز الشرطة، هناك يتم أخذ بصمات المديرات وتصويرهن من أربع جهات مع لوحة مكتوب عليها اسمهن ورقمهن الشخصي وأخذ عينة من لعابهن من أجل تحليل ال DNA. لا أحد يعرف ما سبب هذا التحليل الأخير، وعند سؤال من كانت تقوم بهذه المهمة عنه قالت: إنها الأوامر.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus