14 أغسطس بعد غياب طويل يعود بقوة متمردًا في 2013
يوسف مكي - 2013-08-03 - 8:29 ص
يوسف مكي*
ربما كان من الممكن ان يكون يوم 14 أغسطس يومًا عاديًا، كسائر الأيام في حياة الشعب البحريني، لولا أنه ارتبط مصادفة بإعلان استقلال البحرين في سنة 1971. لذلك، ونتيجةً لهذا الارتباط، اكتسب هذا اليوم أهمية خاصة في تاريخ البحرين الحديث والمعاصر، كما اكتسب أهمية في نفوس الشعب البحريني، وأصبح مناسبةً عزيزة على كل شعب البحرين. لا أظن أن هناك من ينكر هذه المناسبة، مهما كانت مواقفه.
أما أهميته بالنسبة لشعب البحرين فهو دلالته الرمزية؛ المتمثلة في تكلل نضالات وتضحيات الشعب، من أجل الاستقلال والحرية والديمقراطية، بالنجاح، واعتباره نقطة انطلاق نحو المستقبل المنشود، وبعيدًا عن هيمنة المستعمر البريطاني، من جهة، واستحواذ النظام الخليفي على مقدرات البلاد من جهة أخرى.
هكذا كانت تبدو الأمور في حينها قبل أربعة عقود. لكن الشعب البحريني، في الوقت الذي تخلص في ذاك اليوم من الاستعمار البريطاني، اكتشف بالملموس أنه لم يتخلص من استبداد النظام القبلي، لا بل زاد هذا الاستبداد كمًّا ونوعًا منذ ذاك اليوم 14/8/1971 حتى الآن. ومن بين أشكال هذا الاستبداد الذي يمارسه النظام هو إلغاء هذا اليوم من تاريخنا الوطني، واستبداله بيومي 16 و17 ديسمبر كمناسبة وطنية، وهي مناسبة لا تمت إلى نضالات الشعب البحريني بصلة، وإنما لعيد جلوس الشيخ عيسى بن سلمان، الأمير الراحل، خلفًا لأبيه سنة 1961.
وعلى امتداد أربعة عقود قام النظام الحاكم بالتعتيم والمناورة على هذه المناسبة الوطنية العزيزة على الشعب، وإلغائها من روزنامة المناسبات الوطنية، لكنه مع ذلك لم يستطع أن يشطب هذا اليوم من الذاكرة الوطنية الحية، حيث برزت دعوات منذ البداية باعتبار هذا اليوم (14 أغسطس) يومًا وطنيًا، والاحتفاء والاحتفال به، لأنه يمثل الذاكرة الجماعية، وذلك بخلاف عيد جلوس الحاكم الذي يمثل الذاكرة القبلية.
ولأن ذاكرة الشعوب لا يمكن شطبها هكذا، حتى في ظل القمع والاستبداد، فقد ظل هذا اليوم حيًّا في ضمير الشعب البحريني، يتجلى تارة، ويختفي تارة، ويتحيّن الفرصة ليؤكد حضوره كيوم استثنائي في حياة الشعب البحريني؛ فكانت ثورة 14 فبراير هي المناسبة التي برز من خلالها هذا اليوم المشهود إلى العلن، وأخذ الحراك الشعبي يطالب برد الاعتبار، من بين أشياء أخرى، إلى هذا اليوم، لما يمثله من قيمة تاريخية ورمزية وسياسية ونفسية في حياة شعب البحرين. وأصبح هذا اليوم هو التوأم لـ 14 فبراير، كما بات حاضرًا في الحراك الشعبي المستمر منذ ثلاث سنوات.
ولأن الشعوب لا تنسى أيامها ومناسباتها الوطنية الحقيقية، فقد ظل هذا اليوم في الواجهة على امتداد السنوات الثلاث من ثورة 14 فبراير. ومن أجل إعادة الاعتبار لهذا اليوم، الذي شطبه النظام استخفافًا، جاءت دعوة حركة تمرد الشعب البحريني على استبداد النظام في اختيار هذا اليوم، 14 أغسطس، لانطلاق حركة التمرد، ليحمل هذا اليوم مناسبتين في آنٍ واحد؛ فهو يوم الاستقلال، وهو في الوقت عينه يوم التمرد على النظام الحاكم، واستمرار لحراك 14 فبراير.
وبمناسبة تمرد البحرين يعود 14 أغسطس قويًا بعد سنوات من الغياب حاول النظام الخليفي فيها كتابة تاريخ آخر، مناسب له، يطمس فيه تاريخ نضالات هذا الشعب المقاوم لسياست القمع من جهة، ومحو وشطب التاريخ الحقيقي من جهة أخرى.
14 أغسطس 2013 هذه المرة مختلف، وطعمه مختلف بالنسبة لشعب البحرين، إلا أن مذاقه مر كالعلقم بالنسبة للنظام، لذلك لا غرابة أن يرتعد هذا النظام، ويتخذ كافة الإجراءات والأساليب والقوانين، وكل مالديه من إمكانيات قمعية، في الحد من هذه المناسبة، وفي الحد من احتفال شعب البحرين بهذه المناسبة على طريقته. النظام باستعادة هذه المناسبة مرعوب إلى أبعد الحدود، وفي حالة تخبّط شديد، وكل ما يقوم به من إجراءات هي من قبيل ردود الأفعال الهستيرية، وليس من باب الأفعال الرشيدة لقادة الدول.
إن 14 أغسطس يعود هذه المرة، وبقوة، بعد طول غياب، إلى مركز التاريخ في البحرين، بعد أن كان في هامشه، بسبب تزييف النظام لتاريخ شعب البحرين، واستبداله بأساطير القبيلة. إنه يمثل هذه المرة يوم الاستقلال عن المستعمر البريطاني، ويوم التحرر من استبداد الحكم القبلي. إنه أغسطس التمرد والاستقلال في وقتٍ واحد.
فهل يعي النظام هذه المرة مكر التاريخ، الذي لا يكرر نفسه، وإن كررها فمرة في شكل ملهاة ومرة في شكل مأساة، وفيما يبدو أن 14 أغسطس سيكون مأساة بالنسبة للنظام الخليفي. وعليه، هل سيُغلّب رجالات النظام مصلحة الوطن أم مصلحة القبيلة؟ سؤال أخير أيضًا، من سيتغلب: مكر التاريخ/ الشعب أم مكر آل خليفة؟ لا نملك الجواب القطعي، لكن الجواب بالتأكيد في 14 أغسطس.
*باحث بحريني في علم الاجتماع