إسقاط الجنسية البحرينية: الإجراءات والآثار
2013-09-08 - 3:07 م
أحمد جويد*
رغم إن الجنسية مسألة وطنية بحتة فإن القانون الدولي يتدخل أحيانا في وضع بعض القيود على الدول في تنظيمها لمسائل الجنسية، فعلى سبيل المثال هناك قيود اختيارية وإجبارية على الدول في تنظيمها للجنسية تفرضها مصالح الدول والأفراد، كالاتفاقيات الدولية، والعرف، المبادئ العامة في القانون الدولي. فهذا يؤكد أن الدول وان كان لها الحرية في تنظيم قانون الجنسية لكونه مسألة داخلية، إلا أنها مقيدة في حدود القانون الدولي والخروج عن تلك الحدود ينافي المبادئ القانونية والإنسانية.
فما تشهده البحرين من تسارع للأحداث وتطورها والتهديد بإسقاط الجنسية، دفع المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن تعرب عن قلقها لمنع السلطات البحرينية التظاهرات وللعمل بقوانين سحب الجنسية. وقالت المتحدثة باسم المفوضة العليا، سيسيل بوييي "إن التعديلات التي أدخلها البرلمان البحريني على القانون لحماية المجتمع من (النشاطات الإرهابية) قد تنعكس سلبا على وضع حقوق الإنسان في هذا البلد". وأضافت أن "حق الجنسية يعتبر الحق الأساسي الذي تمنحه المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، مشيرة إلى أن «أي إلغاء للجنسية وفق القانون المعني يجب أن يتماشى مع المعايير المعترف بها، وخصوصا مبدأ التوازن".
وبذلك فإن إسقاط الجنسية بدافع الحد من المطالبة بالإصلاحات، قد يؤدي إلى إلغائها وترتيب آثار جدية بالنسبة للأفراد الذين يتخذ ذلك بحقهم، وسنتناول تلك الآثار من جانبين؛
الجانب الأول: حول موضوع إسقاط الجنسية والمتمثل في الإجراءات التي ستتخذ لتنفيذ أمر الإسقاط فإنها تتمثل في إلغاء اسم الشخص من قاعدة بيانات البحرينيين وإدراجه بقاعدة بيانات الأجانب بشئون الجنسية والجوازات والإقامة، بجانب إلغاء صلاحية جواز سفر الشخص، مع القيام باستدعاء الشخص عن طريق إدارة البحث والمتابعة لسحب جواز سفره البحريني، ثم توجيه خطاب إلى الجهاز المركزي للإحصاء لتغيير جنسية الشخص في قاعدة البيانات الحكومية ليصبح غير بحريني، وتوجيه كتاب إلى وزارة الخارجية لمتابعة سحب الجوازات البحرينية من الأشخاص المتواجدين في الخارج، بجانب التعميم لجميع الدول بعدم التعامل مع جواز السفر الذي يحمله الشخص باعتباره غير بحريني.
هذا بالإضافة إلى توجيه خطاب إلى ديوان الخدمة المدنية بمضمون أمر الإسقاط، وتوجيه خطاب إلى وزارة الإسكان بمضمون أمر الإسقاط، وتوجيه خطاب إلى هيئة صندوق التقاعد بمضمون أمر الإسقاط، وأخيرا ربما يتساءل البعض عن تسفير هذا الشخص فإن القانون يذكر أنه متى ما صدرت توجيهات بتسفير الشخص فيتم استصدار وثيقة سفر مؤقتة لترحيله.
أما الجانب الثاني: فهو جانب الآثار القانونية والإنسانية حول إسقاط الجنسية، وتتمثل في:
1. آثار قانونية؛ وهي أن الشخص يصبح أجنبياً من تاريخ صدور الأمر السامي بإسقاط الجنسية من غير أن يكون له أثر رجعي، ما لم يكن هناك حكم خاص، ويترتب على ذلك أن تسري في شأنه الأحكام المتعلقة بالأجانب، فيلتزم باستخراج ترخيص الإقامة بالأجانب، وأن يكون له كفيل بحريني، وقد يتم تسفيره من الأراضي البحرينية باعتباره أجنبيا، وكذلك يمتد أثر الإسقاط على الخدمات والامتيازات التي يقتصر الاستفادة منها على المواطنين فقط، بحسب ما ينص عليه القانون المنظم لها كالخدمات الإسكانية، والوظائف العمومية، وامتيازات التقاعد. كما أنه يظل محتفظا برقمه الشخصي ولكن يتم تغيير جنسيته ليصبح غير بحريني.
في حين أنه يتمكن ذلك الشخص من الاستفادة من الخدمات الإنسانية التي تقدمها الحكومة للمقيمين الأجانب كالخدمات الصحية والحصول على رخصة السياقة، وانتخاب عضو المجلس البلدي، والعمل متى ما حصل على رخصة عمل، ومنحه وثيقة سفر مؤقتة لتسهيل تنقله عند الحاجة.
وحول الآثار العائلية لإسقاط الجنسية فقد سكت قانون الجنسية البحرينية عن الإشارة إلى آثار الإسقاط ولم يرتب بنص صريح إسقاط جنسية تابعي الشخص، وإذا تخلف النص فإنه لا يجوز مد آثاره إلى غير من صدر ضده، حيث أن إسقاط الجنسية ينطوي على معنى الجزاء والعقوبة، لذا فإن آثاره قاصرة على من صدر الأمر في مواجهته، ولا تمتد إلى تابعيه وفقا لمبدأ شخصية العقوبة.
2. آثار إنسانية؛ والتي يقع تحت طائلتها السكان الأصليين الذين لا يحملون سوى جنسية واحدة "البحرينية" فإن التسفير المذكور أعلاه يمكن أن ينطبق على الأشخاص مزدوجي الجنسية "مثل المجنسين الباكستانيين أو الهنود أو ممن حصلوا على جنسية بحرينية في الفترة الأخيرة بقصد التغيير الديموغرافي الذي اتبعته السلطات البحرينية ضد الأغلبية الشيعية هناك"، إذ يمكن أن يتم تسفيرهم إلى الدول التي يحملون جنسيتها الأصلية أو دول أخرى تمنحهم جنسيتها وفقاً لمعايير وضوابط معينة.
أما بالنسبة للأشخاص الذين لا يحملون إلا الجنسية البحرينية، وهم سكان البحرين الأصليون، فهم يحملون ما يعرف بالجنسية الأصلية، التي تعرف بأنها الجنسية التي تمنح عند الميلاد أو بسببه، وتسمى أحياناً بالجنسية المفروضة، لأنها تفرض بالقانون، وهي تكون لصيقة بالفرد الذي تتحقق فيه شروط القانون، التي أوردها ودون أن تكون للإدارة العامة للجنسية سلطة في منحها، وهي ليست تفضل أو هبة أو مكرمة من أحد.
فسوف يترتب على إسقاطها عنهم وإبعادهم عن عوائلهم وذويهم آثار سلبية كبيرة في الجانب الإنساني خصوصاً على أسرته إذا لم يكن لهم معيل سواه. كما أن هناك آثارا شخصية أخرى يمكن أن يتعرض لها الشخص في هذه الحالة، تتمثل في الوجهة التي يتجه لها المسفر، فإلى أين يتم تسفيره وإبعاده ومن الذي يمنحه جنسية أخرى وبالخصوص إذا كانت الذريعة أو التهمة التي تم لصقها به من قبل دولته هي تهمة الإرهاب - كما تلوح بذلك السلطات في البحرين -، وبالتالي فمن هي الدولة التي تقبل أن تستضيف أو تأوي أو تجنس إنسان مطرود من بلده بتهمة الإرهاب؟.
فالإجراءات غير القانونية التي اعتزمت السلطات البحرينية تطبيقها ضد المحتجين والمعارضين السياسيين في البلاد، وذلك استجابة لحزمة التوصيات التي تقدم بها المجلس الوطني البحريني والتي تخول السلطة التنفيذية التضييق على حرية التظاهر والإعلام وإسقاط الجنسية، من شأنها أن تعزز مفهوم استبداد السلطة وقمع المعارضة السياسية، وتنتقص من حقوق المواطنين البحرينيين الأصليين، وتهيئ الحجج والذرائع لقوات الأمن في ارتكاب انتهاكات كبيرة وخطيرة في مجال حقوق الإنسان قد تصل إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين بحجة مكافحة الإرهاب.
كما أن السلطات في البحرين تستغل انشغال دول المنطقة والعالم بالأحداث التي تجري في سوريا ومصر، وتهدد بإسقاط الجنسية عن كل من يخالف قوانينها وأحكامها التعسفية أو يتظاهر دون أخذ موافقتها، وهو إجراء يخالف مخالفة صريحة للقوانين الدولية النافذة، فالحق في الجنسية هو حق أساسي تحميه القوانين الدولية ومنها المادة الخامسة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أنه لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من جنسيته.
وبذلك يجب على السلطات البحرينية:
أ- أن تراجع جميع الإجراءات المتعلقة بالحقوق الطبيعية والمكتسبة للإنسان في البحرين وعدم المساس بها بدوافع سياسية أو طائفية أو انتقامية.
ب- تنفيذ التزاماتها الدولية في مجال حماية الحقوق بالكامل، بما فيها احترام حقوق حرية التعبير والتجمعات السلمية والجمعيات، والتي على إثرها أصدرت السلطات البحرينية تلك القوانين الجائرة بهدف تكميم الأفواه، والحد من المطالبات الشعبية التي تنادي بالعدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي.
ج- إلغاء جميع الإجراءات التعسفية التي اتخذت بحق المتظاهرين والمحتجين ووقف عمليات القمع والتهديد بالعنف أو استخدام العنف أو تلك التي تسلب المواطن حقه في المواطنة وحرمانه بالمشاركة في صنع القرار.
* أحمد جويد من مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، وهو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار «ولقد كرمنا بني آدم».
twitter: @ademrights
____________________________
التعليقات والردود التي تنشر تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر عن رأي "مرآة البحرين" بالضرورة. نستقبلها على البريد التالي:
editor@bahrainmirror.com
- 2016-09-25السيد عباس شبّر: ما الذي اثار جمعيتي الأصالة والمنبر في بيانهما الأخير !!
- 2015-03-11أحمد رضي: الانتهاكات بحق الإعلاميين مستمرة ... البحرين تُحاول إخماد الأصوات المُعارضة منذ 2011
- 2015-02-28آسيا خلف: لم يكن كباقي المقاطع المسرّبة.. لقد ذكّرنا بروح الشهيد بوحميد
- 2015-02-11جليلة السيد ومريم سهوان بين اصوات التعذيب
- 2015-01-06شجرة شيخ علي سلمان