اقتحام "متحف الثورة": حين يرى المجرم كل جرائمه تحت سقف واحد، يذهب عقله!!
2013-10-30 - 4:07 م
مرآة البحرين (خاص): "الثورةُ محضُ صرخةٍ من وجع"، وحين يقيم شعب مثخن بالجراح، مُتحف حي لثورته المقموعة، فإنه يفعل ذلك ليعلي صوت صرخته أكثر، وليصدح بانتهاكاته وأوجاعه وآلامه التي يخوضها في طريق الحرية. إنه لا يستحضر ذاكرة الثورة كما تفعل باقي شعوب العالم حين تنجز ثوراتها وتحقق أهدافها، بل يستحضر صرختها التي لا تزال مدويّة فيه، والتي لا يزال ماض فيها.
في "متحف الثورة" الذي أقامته جمعية الوفاق في مبناها القائم في منطقة (القفول) منذ يوم السبت 26 أكتوبر 2013، والذي عمل عليه ما يقارب 250 من الكوادر المختلفة من فنانين ونشطاء لمدة عام كامل، كانت الثورة حيّة ومتحركة بالصوت والصورة والأثر والصدى الراجع في القلوب والنفوس. ليست الثورة التي بدأت في 2011 وإن كانت هي الطاغية على المعرض، بل بدءاً منذ ثورة الغواصين في 1932 (وليس 1922 كما هو مدون خطأ بمتحف الثورة) ومطالباتهم بإنهاء نظام (السخرة) الهمجي الذي تعاملت به قبيلة آل خليفة مع المواطنين (الشيعة)، والتحول إلى نظام الدولة والمؤسسات. حاول هذا المتحف أن يستحضر معاناة الإنسان البحريني الطويلة والعصية نحو التحول الديمقراطي في ظل نظام قبلي طائفي قائم على ثقافة الغزو فقط.
لم يكن غريباً تطويق قوات النظام واقتحامها لمقر مبنى جمعية (الوفاق) حيث يقام المتحف، وليس غريباً مصادرتهم للمقتنيات الثمينة والهامة التي تضمنها المتحف من ممتلكات خاصة للشهداء؛ ملابسهم التي كانوا يرتدونها لحظة سقوطهم، أو أحذيتهم أو بعض أغراضهم الخاصة، كما لم يكن غريباً إعلان الداخلية عن ضبط ما أسمته بـ"مخالفات يعاقب عليها القانون"، واستدعاؤها للقائمين على الفعالية وفق ما أعلنت. لقد كانت صرخة المتحف موجعة فوق ما ظنّ النظام، فحين تجمع كل الجرائم التي يرتكبها مجرم تحت سقف واحد، فإنك تُذهب بعقله لفرط ضخامة حجم ما يرى من فعله أمامه.
تشتيت الأوجاع الكبيرة يجعل كل واحدة تبدو أصغر، وجمع الأوجاع الصغيرة يجعلها جميعاً تبدو أكبر، أما الانتهاكات الجسيمة حين تجمع تحت سقف واحد تصير قنبلة كارثية. وهذا ما فجع عقل النظام ليعتبر أن المتحف يتضمن "مواد تحريضية، من بينها مجسمات وصور ومواد تشكل جرائم إهانة هيئة نظامية"، رغم أن كل ما تضمنه هذا المتحف من تفاصيل، قد ذكر موثقاً بالتفصيل في تقرير لجنة تقصي الحقائق المعتمد رسمياً من قبل الملك.
لا يمكن حين تدخل (متحف الثورة) ألا يرتجف قلبك وتدمع عينك. مشاهد بانورامية لأحداث الثورة وتفاصيلها بمجسمات شبه حيّة ومبهرة، الصوت الصورة الإضاءة ملابس الشهداء التي كانوا يرتدونها في لحظتهم الأخيرة، مقتنياتهم، تجسيد لحظة سقوطهم، غرفة التحقيق التي يتم تعصيب عينيك وتوثيق يديك قبل الدخول في ظلامها المرعب، تجد نفسك أنك في قلب الحدث مباشرة لا عند هامشه. مقاطع بانورامية تتضمن سلسلة متتابعة من الانتهاكات التي تعصف بهذا الشعب.
عند (بانوراما الثورات) سترى مقاطع من أهم الثورات في البحرين ابتداءً من ثورة الغواصين مروراً بتداعيات النفط وثورة السبعينات والثمانينات ثم انتفاضة التسعين وانتهاءً بثورة اللؤلؤ.
وعند (بانوراما الدهس) ستجد نفسك مباشرة أمام مشهد مجسم كامل لقتل الشهيد الطفل علي بداح (16 عام)، دهس بمركبات الدفع الرباعي التابعة لقوات الأمن بعد ملاحقة مسيرة سلمية في منتصف الليل بتاريخ 19-11-2011م، وقد كان حسابه في هاتفه يحمل هذه العبارة "كم أنت قاسٍ ياوطني، أنت تسكن قلبي وأنا أسكن سجونك"!!
وعند (بانوراما المساجد) ستكون أمام تصوير حي لمسجد الإمام الباقر، قامت القوات المدججة بالأسلحة بهدمه بمنطقة النويدرات بتاريخ 19-4-2011م إبّان فترة السلامة الوطنية، ضمن 38 مسجداً حسب توثيق دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق الوطني الإسلامية.
وعند (بانوراما الشهداء) معرض يضم أكثر من 25 مقتنى من مقتنيات شهداء ثورة اللؤلؤ والشهداء الماضين وبعض الرجالات الذين كان لهم بصمتهم الخاصة في تاريخ البحرين السياسي، وتُتوج هذه البانوراما عمامة القائد السياسي الراحل سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري.
وعند (بانوراما التعذيب) تصوير لأربع زنازين تُجسد كل زنزانة منها جانب من معاناة المعتقلين والمعذّبين، قضى في السجون خلال ثورة اللؤلؤ 5 شهداء، فيما تحدثت المنظمات الحقوقية عن تعذيب ما لايقل عن 3000 مواطن بحريني؛ بالاضافة إلى عشرات قتلوا تحت التعذيب طوال تاريخ الثورات التي قام بها شعب البحرين. وتحتوي الزاوية على مؤثرات صوتية مؤلمة.
وفي البانوراما السينمائية، غرفة كاتمة للصوت، يقضي فيها الزائر وقتاً سريعاً ليستشعر جانباً من معاناة واضطهاد المعتقلين، حيث يعيش أجواء التحقيق عبر قيام أحد المحققين باستجوابه. بعد أن يقوم فريق التعذيب بتصميده وتوثيق يديه.
أما في بانوراما الغازات، وهي المحطة الأخيرة، فهي تصوير لمعاناة الشعب من الغازات التي تُطلق بشكل جنوني ومكثف، راح ضحيتها عشرات الشهداء منهم الشباب والكهول والرضع والأجنة. البانوراما تجسيد حي شعبي تحكي كل نافذة منزل منه جانب من ضحايا هذه الغازات، كالشهيدة الرضيعة ساجدة والشهيدة المقعدة زينب جمعة وغيرهم.
- 2024-11-25هل تُقفل السلطة ملفات الأزمة في ديسمبر 2024؟
- 2024-11-13صلاة الجمعة.. لا بيع أو شراء في الشعيرة المقدّسة
- 2024-11-13ملك المستعمرة أم ملك البحرين: كيف تتعامل المملكة المتحدة مع مستعمرتها القديمة؟ ولماذا لم تعد تثير أسئلة حقوق الإنسان على فارس صليبها الأعظم؟
- 2024-11-05الجولة الخائبة
- 2024-11-03هكذا نفخت السلطة في نار "الحرب" على غزة كتاب أمريكي جديد يكشف دور زعماء 5 دول عربية منها البحرين في تأييد عمليات الإبادة