ناصر الخيري يرد على ملك البحرين: تاريخ أجدادك غير صالح لغرس أعواد المدنية
2013-12-16 - 10:28 م
مرآة البحرين (خاص): ماذا كان يريد الملك أن نكونه بقوله اليوم "نحتفل اليوم بذكرى فتح البحرين عام 1783م ، دولة عربية مسلمة مستقلة ذات سيادة" باختصار، يريدنا أن نكون سبايا تاريخ الفتح القبلي لعائلته الغازية.
يتوضح يوماً بعد يوم أبعاد مشروع الملك، إنه مؤسس على فعل الفتح 1783.بدأ عهده بتأكيد انتسابه لتاريخ الفتح، حوّله من أساطير العائلة الخاص إلى تاريخ الوطن العام، وأخذ يمعن في ترسيخ هذا التاريخ في الفضاء العام بكل مستفز، وربما لا تكون ذروته في افتتاحه متحف تاريخ العائلة القبلي (المتحف العسكري) في فبراير الماضي، وتغنيه بتاريخ 1783 في حفل قوة دفاع البحرين مطلع هذا الشهر، واعتباره اليوم في خطاب عيد جلوسه 17 ديسمبر،تاريخ استقلال البحرين.
في خطابه في مايو2005 اعتبر التنمية الشاملة حركة مؤسسة على تاريخ أجداده، باعتبارهم الآباء المؤسسين للبحرين الحديثة "وعلى صعيد البحرين الداخلي كانت حركة التنمية الشاملة تكتسب زخما متزايدا بقيادة المغفور له الجد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، بعد نجاح المشروع التربوي الرائد منذ تأسيس مدرسة الهداية الخليفية ونظائرها من مدارس البحرين الحديثة في عشرينيات القرن المنصرم، يدا بيد مع مشروع تحديث الدولة والإدارة في عهد المغفور له الجد الأكبر الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة"
التاريخ هو ما يحققه آباء الملك، أو لنقل ما يدعي الملك أنهم حققوه، لا مكان للناس في صنع تاريخ وطنهم. إنه التاريخ الرغائبي، المفصل على مقاس رغبات الملك.
واليوم في ديسمبر 2013، يرغب الملك في إعادة كتابة تاريخ الاستقلال، فيعلن لأول مرة أن 1783 هو تاريخ الاستقلال الذي حققه جده الأكبره (أحمد الفاتح) ومن تلاه من عائلة آل خليفة.لا يكتفي اللمك بفبركة الحاضر، فيذهب لتزوير الماضي، وهكذا يجعل المعركة مفتوحة على الحاضر والماضي، إنه بذلك لا يكتفي بمشكلات الحاضر، فيضاعفها بنبش اختلافات الماضي.
لا بأس أن نسترجع جزءا من هذا التاريخ من الزاوية التي لا يرغب فيها الملك، دعونا نقرأ ما سجله المؤرخ البحريني الفذ، ناصر الخيري* (1876-1925) في كتابه(قلائد النحرين في تاريخ البحرين) يقول:
"حكم الشيخ محمد[محمد بن خليفة (1842-1867)] البحرين 27 عاماً فلم يترك له فيها أثراً خيرياً، يذكر به، فلا أسس مدرسة ولا أنشأ مستشفى، ولا شاد ملجأ، ولا حقق نصراً، ولا رسا شجراً، ولا شكل مجلساً ولا نظم دائرة، ولا سن قانوناً ولا أوجد نظاماً، ولا اهتم بأحكام ولا رقى تجارة، ولا أحيا زراعة. وبالتالي، قل إنه لم يستلذ يوماً بالحكم الذي سعي لاغتصابه من عم أبيه، فلم تكن أيامه إلا كأيام أسلافه، سلسلة حروب متواصلة، وفقدان أمنية[الأمن] لا نهاية لها.وما سبب ذلك إلا أن الشيخ كان أمياً ساذجاً لا يعرف من معنى الحكم إلا مسك السيف وشد الخنجر والاتكاء على المسند والأمر بالقهوة، ونهب مال هذا ومصادرة أموال ذاك، وبذله لهذا البدوي (شرهة)وإعطائه لذلك الحضري (عادة)وقول هذه له (صبحك بالخير) وقول الآخر (مسيك بالخير). وهذه السجية لم يتفرد بها الشيخ محمد بن خليفة فقط، بل هي سجايا جميع أمراء عرب الجزيرة، لا نستثني منه أحداً وإلا فعلام ترى بلادهم أبداً فوضى خاربة لا أثر فيها للنظام والإصلاح، ولا تجد المدنية والراحة إليها سبيلا" ص372-373
ما زلنا أيها المؤرخ العظيم، في بلاد خاربة، لا أثر للنظام والإصلاح، ولا نجد الراحة ولا المدنية، ليس هناك غير النهب ومصادرة الأموال، و(الشرهات) صارت مكرمات كاذبة.
يختصر المؤرخ ناصر الخيري، هذه التركيبة لمحمد بن خليفة بعبارة شديدة الاختصار والدلالة "محيطه كان غير صالح لغرس أعواد المدنية ونشر فنون المعارف والآداب والتهذيب" ص379
محيط الشيخ محمد، هو تاريخ عائلة آل خليفة القبلي الذي لم يعرف (أعواد المدنية)، وموضوعات الدولة والاستقلال والسيادة والتنمية والقانون كلها أفكار مدنية، فكيف يمكننا أن نصدق الملك وهو يعلن اليوم أن تاريخ هذه الأفكار في البحرين يرجع إلى 1783 حيث محيط عائلته البدوي الذي لا يعرف غير مسك السيف وشد الخنجر والاتكاء على المسند والأمر بالقهوة، ونهب مال هذا ومصادرة أموال ذاك. هل نصدق الملك أم نصدق ناصر الخيري؟
هامش:
* ناصر بن جوهر بن مبارك الخيري (1876-1925) من مؤسسي نادي "إقبال أوال" بالمنامة 1913، و"النادي الأدبي" 1920 بالمحرق.نقله (ديلي) إلى دار الحكومة موظفا في قسم القضايا الخاصة بالقضاء المدني من 1921-1924.يعتبر من أوائل المثقفين الخليجيين، وله مراسلات أدبية وفكرية مع مشاهير عصره. يصنف اجتماعيا من فئة (الموالي)-موالي العيونيين أمراء الأحساء السابقين- وقد استعان بالعلم والثقافة كمصدر قوة بدل النسب القبلي، وترك لنا كتابه المهم (قلائد النحرين في تاريخ البحرين) الذي طبع لأول مرة في 2003.