هل يتعافى الملك من مرض الفتح؟
2013-12-23 - 10:55 م
مرآة البحرين (خاص): جمع خالد بن أحمد زعيم القبيلة كبار العائلة، عرض تسجيلاً لخطاب إحدى الشخصيات المعارضة الذي ينتقد فيه حكم القبيلة. أقفل التسجيل وراح يحرّض كبار شخصيات القبيلة على ضرورة معاقبة الشخصية السياسية ومن تسوّل له نفسه الجرأة على التعريض بالقبيلة أو انتقادها.
مصطلح الفتح لم تستخدمه سوى قبيلة آل خليفة. وهو ليس استخداماً طارئاً، بل يمتد إلى تاريخ الغزو في 1783، وقد استعادته القبيلة في العام 1983 بمناسبة مرور 200 عام على استيلائهم على البحرين، واستعاده الملك مؤخراً بتكرار مرَضي في غير ذات مناسبة.
هذا الاستخدام المتكرر والمثبِّت يكشف مشروع فعلي عند الملك والقبيلة لتثبيته كتاريخ تؤسس عليه كل الاستحقاقات السياسية وحقائق التاريخ الماضية، وهو يكشف عن وجه آخر من وجوه الأزمة السياسية.
منذ 2011 فإن الأطراف السياسية المطالبة بالإصلاح، لم تطرح بشكل واضح تاريخ الغزو باعتباره مشكلة تعيق المصالحة الوطنية السياسية، لكن ما حدث مؤخراً من استخدام الملك لهذا التاريخ باعتباره تاريخ استقلال البحرين واسلامها وعروبتها وسيادتها التي استُكملت في 1971 كما يقول، قد ضاعف المشكل السياسي الذي يمر به مع الشعب بدلاً من أن يحله، فبدلاً من أن تكون المشكلة القائمة في الحاضر، صارت في الحاضر والتاريخ معاً.
للمزيد من فهم حكم القبيلة، يمكننا الرجوع لكتاب اسحاق خوري: "القبيلة والدولة في البحرين"، والذي يدرس فيه تطور نظام السلطة وممارستها في البحرين. وفيه يشير إلى أن الاصلاحات الادارية في العشرينات 1923 معززة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية، ساهمت في تغيير نمط التفاعل الاجتماعي، بين المجموعات القبلية وبين الفئات الاجتماعية الأخرى على النحو التالي: زادت من انغلاق الحكم القبلي (آل خليفة) على نفسه اجتماعياً وسياسياً، ومن جانب آخر دفعت بالقطاع القبلي الآخر (السنة) الذين جاؤوا مع أو بعد آل خليفة إلى الذوبان، ولو تدريجياً في المجتمع المديني العام.
يستخدم خوري مصطلح detribalization لوصف القبيلة التي تبدأ في نزع الغطاء القبلي عنها وتذوب في المجتمع المدني. القبائل الأخرى قامت بذلك بعد اصلاحات 1923 لكن آل خليفة لم تفعل، لقد بقت تعيد انتاج قبليتها retribalization.
خطاب الملك الأخير، ليس فقط يعيد إنتاج القبيلة في أسلوب الحكم، بل يريد تقبيل التاريخ. بمعنى أنه يريد تحويل التاريخ الوطني في البحرين إلى تاريخ القبيلة، وبالتالي فإن منظورنا إلى استقلالنا ووطنيتنا لا بد أن يتحددا من خلال منظور القبيلة. وهذا أخطر ما طُرح في هذا الخطاب.
إعادة التقبيل يتمثل في رفع التحديثات، فبدل أن يندمج الملك في التحديثات ويذهب معها ويتحوّل عن النظام الاقطاعي الذي حكم به جدّه عيسى بن علي لمدة 50 عاماً، فإنه يرفض هذه الاصلاحات. لذلك التاريخ الخليفي لا يقول إن حكم عيسى بن علي استمر حتى 1923، بل يقول استمر إلى 1932، أي حتى تاريخ وفاته، بمعنى أن هذه القبيلة على مستوى التاريخ ترفض الاعتراف بعزل بريطانيا لعيسى بن علي نتيجة للمطالب الشعبية التي ضاقت ذرعا بنظام حكمه الإقطاعي .
رفضت القبيلة إصلاحات 1923 لأن هذا التغيير فُرض عليها بضغط العرائض والمطالبات الشعبية الشيعية، وهي توافقت مع رغبة بريطانيا ومصلحتها في إحداث نظام اداري خاص لحكم هذه المستعمرة. آل خليفة رفضوا هذا التاريخ وهذه الاصلاحات لانها خارج حكم القبيلة. كذلك الملك رفض تاريخ الاستقلال 1971 لأنه أتى نتيجة نضالات شعبية، ولهذا رأيناه يخاطب بريطانيا مؤخراً: من الذي طلب منكم أن ترحلوا، ويحتفل بمرور 200 عام على الصداقة بالمستعمر.
إعادة انتاج القبيلة هي المرض الذي ورثه الملك فأغلقه وأقعسه وسيطر عليه، وهو مرض لا يمكن المعافاة منه ما لم يعترف المريض به ويملك الرغبة في المعافاة. لكن ذلك لا يحدث. سيبقى هذا الحال كالمريض الذي يرفض أي علاج من الداخل، ويبقى العلاج هو ما يأتي من الخارج فقط.