اللحم ليس للفقراء بعد اليوم... اقتصاد 2013: ميزانية "مستر 50/50" تتلاعب بمئات الملايين، وناصر بن حمد يتصدّق على الشعب!

2014-01-07 - 5:45 م

مرآة البحرين (حصاد الساحات): على غرار بعض الشعوب الشقيقة التي كانت أوضاعها الاقتصادية تثير استغرابنا، قريبا جدا لن يستطيع البحرينيون أكل اللحوم الحمراء، وسيغدو ذلك نوعا من الترف في بلدنا النفطي، فـ"الكيلو" الذي كانوا يشترونه بدينار واحد، سيصل قريبا إلى 4 و5 دنانير، بعد إنفاذ خطة رفع الدعم التي بدأ الحديث عنها يرشح إلى السطح في العام 2010، وتؤكّد كل المؤشّرات على أنها ستكون واقعا في العام 2014!

هي ضريبة الفساد المنظّم جدا، وفاتورة الصراع السياسي في بلد يحكم كالمزرعة، لكن من يدفعها هم المواطنون الفقراء فقط، دون العائلة المالكة ودون التجار المدعومين منها، ودون كبار القوم!

رفع الدعم: الطريق إلى الفقر

وتوفر الحكومة دعماً للمشتقات النفطية مثل البترول والديزل والكهرباء والماء؛ فضلاً عن اللحوم الحمراء والدجاج والطحين.

وفي ظل الوضع الاقتصادي الخطير الذي تعيشه البلاد، لم يجد صندوق النقد الدولي بدا من حث السلطات في البحرين إلى التفكير بشكل جدي في إعادة هندسة الدعم الحكومي المقدّم لبعض السلع الاستراتيجية، كحل لمواجهة ارتفاع الدين العام والعجز في الميزانية. 

بدا واضحا أن الحكومة تقوم بخطوات تهدف إلى تقليل الدعم عن السلع بشكل تدريجي، وقامت هيئة الكهرباء والماء بإصدار فواتير جديدة توضح قيمة الدعم الحكومي لكل مشترك مقارنة بحجم ما يدفعه، وهو مؤشر على قرب رفع الدعم عن الكهرباء.

وفي سبتمبر/أيلول 2013 أعلنت الهيئة الوطنية للنفط والغاز تحرير سعر بيع الإسفلت وبيعه وفقاً لأسعار السوق العالمية، وقرّرت في ديسمبر/كانون الأول رفع أسعار الديزل للاستخدام المحلي تدريجيّاً بنسبة 80%، قبل أن يوقف رئيس الوزراء القرار بعد "زعل" النواب.

ووردت أنباء بداية العام الجاري عن رفع "لجنة ضبط وترشيد الإنفاق الحكومية" مذكرة رسمية لمجلس الوزراء توصي برفع الدعم عن اللحوم، ويبلغ حجم الدعم الحكومي للحوم الحمراء ضمن ميزانية الدولة لعام 2014 حوالي 43 مليون دينار ومن المتوقع أن يرفتع بحلول عام 2015 إلى 94 مليون دينار بسبب زيادة الأسعار.

ديون

وفرض نظام ضريبي

إلى جانب ذلك، قالت تقارير اقتصادية أن السلطات تتجه إلى استحداث رسوم جديدة، وزيادة رسوم حالية، وفي أحد المؤتمرات أعلن مسئولون رسميا رغبة الحكومة البحرينية في إقرار نظام ضريبي للمرة الأولى في تاريخها بهدف إصلاح العجز المالي في الإنفاق العام.

وأكد كبير الاقتصاديين في مجلس التنمية الاقتصادي إن الحكومة يمكن أن تدخل رسوم جديدة لزيادة إيراداتها، دون أن يفصح عن ماهيتها،  كما قال إنها ستخفض كلفة الإنفاق.

ورفعت وزارة الصناعة والتجارة رسوم السجل التجاري بنسبة 66.66%، كما رفعت وزارة المواصلات أكثر من 250 رسماً بشأن تحديد وتنظيم رسوم الطيران المدني في العام 2012، وكذلك استأنفت الحكومة رسوم سوق العمل بعد تجميدها لمدة طويلة، رغم إجراء تعديلات بسيطة عليها.

فاتورة الفساد

وحده المواطن البحريني يدفع فاتورة الفساد وسوء إدارة الدولة، الذي أثبت رئيس الحكومة وأعوانه جدارتهم المطلقة فيه!

في مؤشر مدركات الفساد للعام 2013، والذي أصدرته منظمة "الشفافية الدولية" في ديسمبر/كانون الأول، هبطت البحرين إلى المركز 57  بعدما كانت في العام 2012 في المركز 53. 

ويعتبر المؤشر بمثابة تحذير من إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة، واعتبرت المنظمة الدول صاحبة أعلى الدرجات، ومنها البحرين، ما زالت تواجه مشكلات مثل السيطرة على مؤسسات الدولة لتحقيق مآرب خاصة.

وكانت "الشفافية الدولية" قد صنّفت البحرين بداية العام 2013 من ضمن الدول المعرضة لخطر الفساد "بدرجة عالية جدا"،  وقالت في تقريرها إن "عائلة آل خليفة تهيمن على الحياة السياسية وصناعة القرار في البحرين، ومع قلة الضوابط والموازين الرقابية يتزايد خطر الفساد السياسي" متهمة أفراد العائلة الحاكمة بأنهم يتمتعون بحصانة ملكية ضد المساءلة والتحقيق.

وشكّكت المنظمة في دقة الأرقام الإجمالية التي تقدمها الحكومة عن ميزانية الدفاع، وقالت إن الصفقات الخاصة بالمؤسستين العسكرية والأمنية لا تخضع لأحكام الشراء العامة، كما أكّدت أن الشفافية في موضوع إنفاق ميزانية الدفاع محدودة جدا، كما أن نسبة الإنفاق على البرامج السرية غير معروفة، رغم أن الدفاع يستحوذ على أكبر جزء من ميزانية الدولة. 

ميزانية الفساد في تقرير الرقابة المالية: 395 مليون دينار!

وفضلا عن التلاعب الكبير في أراضي وأملاك الدولة، والذي تقدر أموالها المنهوبة بنحو 15 مليار دينار، فقد اطّرد مسلسل الرشاوى والسرقات والفساد المالي برعاية خليفة بن سلمان إلى مستوى بعيد وفاضح جدا!

ويأتي ما كشفه ديوان الرقابة المالية من فضائح كبرى للسنة العاشرة على التوالي دليلا مستمرا على استشراء الفساد في كل هياكل الدولة عبر سرقة المال العام والتلاعب بمقدرات البلاد بشكل سنوي منظم وعلني دون أدنى رادع، بل بتغطية علنية من رئيس الوزراء مدعوما بالبرلمان الحالي!

وعلى مدى 10 سنوات، بات تقرير الرقابة المالية الصاعق مثار تندّر لدى جميع الأطياف السياسية، وتصل مجموع الأموال التي طالها الفساد منذ بدء الديوان عمله حتى الآن إلى مئات الملايين، لم يسترد منها شيئا، ولم يحاسب عنها مسئول واحد، في مسار تراكمي يكشف عن جوهر أصيل في بنية الفساد، هو فساد النظام السياسي الحاكم برمّته. 

إن الإحصاءات التي أجراها عضو جمعية التجمع القومي الديمقراطي غازي زبر على تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2012، كشفت أن المخالفات بلغت 141 مليون دينار، بينما أشارت إحصاءاته على التقرير الأخير (2013) إلى أن الفساد شمل 395 مليون دينار بحريني، أي بزيادة 180% عن التقرير السابق!

وبحسب تقرير ديوان الرقابة، فإن طرق الفساد والتلاعب تنوّعت بين مشاريع غير موردة في الميزانية، ديون غير محصلة، اعتمادات يتم تدويرها، رصد ميزانيات لمشاريع لا تشهد أي مصروفات، استثمارات غير مفعلة، إيرادات لا تدخل حسابات الحكومة، قروض غير مستوفية الشروط، تخلف هائل عن سداد الرسوم، ترقيات غير مستحقة وغير قانونية، تعويضات غير مستحقة، علاوات دون سند قانوني، مكافآت خارج القانون، توظيف غير قانوني، عقود عمل غير قانونية، إعفاءات مخالفة، وخسائر مالية ضخمة في عقود المقاولين.

وشملت المخالفات أيضا تلاعبا في المناقصات، مشتريات دون عقود، فضلا عن مشتريات فوق مستوى الحاجة، ومشتريات بأسعار خيالية، وأخرى دون تأمين أو غطاء ضمان ملائم، وكذلك مصروفات غير مسجلة في الدفاتر، أو مصروفات غير مخطط لها، ومصروفات لاستخدام المسئولين الشخصي، وامتيازات حصرية لشركات دون تبرير، وتسهيلات مالية استثنائية، ومستحقات غير مدفوعة للموردين.

وكشف التقرير أيضا عن استغلال لميزانيات المشاريع في مصاريف لا تخصها، واستنفاد للمبالغ الاحتياطية في العقود دون حاجة، وتجاوز الميزانيات المعتمدة للمشاريع، في مقابل مشاريع أو بنود لم يتم تحميلها أية مصروفات، ومشاريع ضخمة دون دراسة جدوى، وتمويلات خارج الاختصاص، وأخرى دون رقابة فعلية وخارج المعايير والشروط، وفواتير تفوق 1.5 مليون دنيار لمعرض تجاري، بالإضافة إلى تنفيذ خدمات خارج نطاق الاختصاص، وعدم تقييد جزء كبير من  مواد المخازن، وكذلك عدم تسليم فوائض الموازنات.

هذا فضلا عن عدم تسليم البيانات المالية وفوائض الميزانية من 49 جهة حكومية، وكذلك عدم القيام بالتدقيق الداخلي في عدد من الجهات الحكومية التي تحصّل رسوما تفوق 13 مليون دينار سنويا، بالإضافة إلى عدم وجود سجلات دفترية للعديد من الحسابات.   

مرفأ

ميزانية "مستر 50/50" ومعاونيه

وكان العام 2011 قد شهد الكشف عن فضيحة شراء رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان أرض مشروع "المرفأ المالي" من الدولة بدينار واحد، ليمتلك ما قيمته 750 مليون دينار من المشروع.

وفاحت روائح فساد خليفة بن سلمان بشكل غير مسبوق مع تداول قضية فساد ألبا-ألكوا في المحاكم البريطانية، وتداولت الصحافة العالمية كيف يطلق التجار لقب "المستر 50/50" على خليفة، بسبب مطالبته بنصف عوائد أي مشروع يساهم في دعمه وتقديم التسهيلات المالية له بحكم موقعه في الدولة!

وكلّفت قضية ألبا-ألكوا المال العام أكثر من مليار دينار، نتيجة توقيع عقود توريد مواد خام لشركة ألبا بسعر أعلى من سعرها الحقيقي بكثير، وهي قضية أثبتت وثائق رسمية أن رئيس الوزراء كان وراءها شخصيا، متعاونا مع قريبه وزير النفط السابق عيسى بن علي آل خليفة، وذلك مقابل رشوة بقيمة 24.7 مليون دينار بحريني.  

وفي مايو/أيار 2013 أقيل محمد بن عيسى آل خليفة، الرئيس التنفيذي لشركة "بتلكو" للاتصالات، التي تمتلك الحكومة معظم أسهمها، وذلك بتهم تتعلق بفساد مالي تصل قيمته إلى 780 مليون دينار، يأتي ذلك بعد إقالته من "صندوق التقاعد" لذات الأسباب!

ميزانية القمع... وتبييض السمعة!

من جانب آخر، وعلى تماس مباشر بالاضطرابات السياسية، أكدت مجلة "ذي إيكونومست" أن البحرين أنفقت 32 مليون دولار على شركات العلاقات العامة الغربية لتبييض سمعتها منذ عام 2011. 

وبقي شراء الأسلحة لمواجهة وقمع الاحتجاجات الشعبية أحد أهم العوامل استنزافا للمال العام، وهو ما يفسر اختفاء بنود من الميزانية علاوة على زيادة الإنفاق على أجهزة الأمن. 

واستمر النظام البحريني في عقد صفقات التسلّح مع بريطانيا وأمريكا العام الماضي، وأجرى مسؤولون بريطانيون مباحثات مع البحرين بشأن صفقة لبيع 12 طائرة حربية من طراز "تايفون" بقيمة أكثر من 600 مليون دينار بحريني، وذلك على أثر زيارة للملك البحريني إلى بريطانيا!

وأظهرت إحصاءات أن صادرات بريطانيا من السلاح للبحرين بلغت 8 ملايين دينار بحريني خلال الخمس السنوات الماضية، من بينها 2.44 مليون دينار قيمة أسلحة خفيفة.

وبعيدا عن ميزانية الهدايا والعطايا السنوية التي تقدّم لضباط الجيش والحرس الوطني ووزارة الداخلية على جهودهم في قمع الاحتجاجات المناوئة للنظام، كشفت منظمة "بحرين ووتش" العام الماضي عن مناقصة استيراد 1,6 مليون قذيفة و 90 ألف قنبلة يدوية من مسيلات الدموع، ومن غير المعروف كم من الملايين ستحصل عليها الشركة الكورية التي رست عليها المناقصة!

صدقات ناصر بن حمد 

وبشكل سريع ومفاجئ، تظهر مبالغ التبرعات والهبات، داخل البلاد وما وراء البحار، في حين لا تجد لميزانية البنى التحتية أي أثر أو حضور، حتى في الدفاتر المالية!

وقد ثارت ثائرة البحرينيين على إعلان نجل الملك، المتهم بقضايا تعذيب، ناصر بن حمد آل خليفة، تشكيل ما أسماها لجنة وطنية لمساعدة المتضررين من الأمطار تقوم بجمع التبرعات من الناس! 

وسخر البحرينيون بكل أطيافهم من هذه المبادرة، داعين إلى مساءلة ناصر عن المبالغ الطائلة التي يصرفها على سباقات الخيول في البحرين وخارجها، وقال ناصر لاحقا إن والده الملك تبرّع بمبلغ نصف مليون دينار، كما تبرعت والدته للحملة بمبلغ قدره 100 ألف دينار، وتبرع هو بمبلغ مماثل، في محاولة فاضحة لإعادة توجيه أموال الدولة في شكل صدقات على المواطنين!

وإجمالا، فتبرع الملك لأكاديمية ساندهيسرت العسكرية البريطانية بثلاثة ملايين جنيه إسترليني لتسمية قاعة باسمه، يختصر الموارد التي يصرف فيها المال العام في بلد الفساد والمفسدين!

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus