» رأي
الطريق نحو العجز.. أربعة أسباب تضعف النظام في البحرين
عباس المرشد - 2011-07-24 - 10:48 ص
عباس المرشد*
تبدو الأمور مبهمة وغير قابلة للتوقع وإلى ما سوف تؤول إليه مجريات الأحداث في البحرين، رغم عودة السيد بسيوني رئيس لجنة التحقيق الملكية واستئنافه لعمله. استعادت الضربات الأمنية القاسية والعودة مجددا لمزيد من حملات الاعتقالات المكثفة على قائمة التوقعات الكبيرة التي يمكن للنظام أن يلجأ إليها لتفادي أي ضغوط داخلية. خيار تقديم مبادرات سياسية جديدة بعد التيقن من فشل مبادرة حوار التوافق الوطني هو الأقل حظوظا، ولأنه الأقل كلفة بالنسبة للسلطة وللمعارضة أيضا، فهو الخيار المفضل منطقيا.
من المتوقع أن يبادر النظام في الفترة المقبلة لاتخاذ عدة خطوات متداخلة تجمع بين خياره الأمني وخياره التفاوضي إلا أن الخيار التفاوضي سيكون هو الغالب على سمة التحركات السياسية. يحيل بعض المراقبين إلى أن رغبة حسم الخلاف الداخلي لصالح جناح الملك وجناج ولي العهد والوصول بتسوية ما، تبعد جناح رئيس الوزراء وجناج الديوان الملكي عن الواجهة السياسية قد وصلت لحدها الطبيعي، ومن المهم تدراك ذلك الصراع، وعلى إثر هذه الخطوات التفاوضية سيظهر الجناح المعزول بعض مظاهر القوة والرد العنيف، وهي ردات فعل قد يوافق عليه الجناح القوي.
التكهن بنمط استجابة النظام لمجريات الأحداث هي ما تزيد الموقف تعقيدا خلافا لوضع المعارضة التي يبدو أنها حزمت أمرها بين درجتين من التحرك السياسي، هما إسقاط النظام برمته أو القبول بالملكية الدستورية الديمقراطية. سبب ذلك هو أن النظام يبدأ من الدرجة الصفر وهي درجة الاستبداد السياسي وفي أفضل الحالات درجة التسلطية التنافسية، في حين أن المعارضة تبدأ من الدرجة 100 ( إسقاط النظام) ولا يمكنها أن تنزل عن درجة التسعين ( الملكية الدستورية).لذا من الصحيح القول إن النظام لا يمتلك خارطة طريق واضحة بشأن التنازلات التي سيقدمها، ولا يعرف كيفية مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية معا.
سبب ثان هو تزايد الضغوط الدولية على النظام السياسي وإجباره لتقديم تنازلات كبيرة وحقيقة مقابل زيادة الدعم والتأييد لقوى المعارضة. وهذا يجعل من أي خيار يقدم عليه النظام محل مراجعة وتقييم ولم يعد بالإمكان الانفراد بقرار سياسي واعتبار ذلك شأنا داخليا، خصوصا مع انتقال قضية البحرين من كونها شأنا محليا إلى كونها ورقة دولية يحسب لها حساب مذهل في قضايا أخرى كقضية سوريا وإيران والعراق واليمن.
السبب الثالث وهو عالي الأهمية، هو حاجة النظام لاكتساب شرعية جديدة شكلا ومضمونا، بحيث يتم إدارة شئون الحكم في البلاد عبر حيازة رضا المواطنين، وفق عقد اجتماعي/سياسي جديد، يقوم على أساس إعلاء رابطة "المواطنة" بين الفرد ودولته، وليس بين الفرد والقبيلة التي ينتمي إليها والعائلة التي ينحدر منها.
لفترة طويلة كان النظام يمتلك القدرة الجزئية لإدارة البلاد وفق مقضيات الرفاه ودولة الرعاية القائمة على التزام الدولة بتوفير أكبر قدر ممكن من الخدمات والضرائب مقابل سكوت المواطنين عن مسألة التمثيل السياسي والمشاركة في الحكم.
أقول جزئيا لأن الدولة فشلت في تنفيذ التزاماتها وعجزت لأسباب تتعلق بالفساد والاستئثار في تقديم خدمات اجتماعية ترضي قطاع واسع من المواطنين، وبدلا من ذلك تشكل المجتمع المحلي على شاكلة المجتمعات المتنافرة حيث تقف فئة قليلة على قمة الهرم الاجتماعي والسياسي تمتلك أكبر قدر من الثروة مقابل فئة عريضة لا تحوز إلا ما يمكنها من تسير حياتها.
هذا النوع من المجتمعات المتنافرة يفرز في نهاية المطاف انقساما سياسيا معقدا لا يمكن حله إلا بإحداث طفرة سياسية قد تمثلها الثورة وإسقاط النظام أو عقد اجتمعي سياسي جديد يعيد ترتيب أوضاع المجتمع ويلغي التنافر القائم بين تشكيلاته.
السبب الرابع والأكثر حيوية في تعقيد موقف النظام هو تضخم الصراع الداخلي للنخبة الحاكمة وعجز آليات الاحتواء القديمة عن تلافي تداعيات هذا التصدع. فإلى ما قبل 17 مارس 2011 كان النظام متمكنا من حزم الصراعات الداخلية عبر تقسيم الإدارات والمناصب وعبر استجرار الخبرة التاريخية التي يمتلكها في حل صراعاته الداخلية وإيجاد سبل جيدة لتفادي خطرها.
وقد نتج عن هذه الآلية تقاسم السلطة لأربعة أقسام هي منصب الملك ومنصب رئاسة الحكومة ومنصب الأمن ومنصب الاقتصاد، وعندما تكاثر عدد الأشخاص المعنيين ظهرت مزيد من المناصب الفرعية والمناصب الشرفية لتكريس مثل هذا التقاسم. الأحداث التي تلت 14 فبراير و17 مارس 2011 وضعت هذه الصيغة أمام تحديات عويصة تهدد القسمة القائمة من جهة، ومن جهة ثانية وأهم، انفراط المبدأ الأساسي الذي تدار به الخلافات وهو استبعاد الاستقواء بأطراف شعبية لأي طرف.
فشهدت البلاد ظهور استقطابات جماهيرية لصالح جناج عائلي على جناج آخر كما شهدت النخبة نفسها ظهور تحالفات بين الأجنحة المتصارعة ليس من أجل الإبقاء على التقاسم القائم فقط بل وصلت الأمور لدرجة إقصاء طرف ما وعزله أو إضعافه، لذا فإن إقدام النظام على تقديم تنازلات سياسية يجب أن يراعي أولا جميع هذه الأجنحة ويرضيها.
انقسام النخبة الحاكمة هو أحد أهم اسباب حدوث عملية انتقال ديمقراطي حيث يسعى الطرف المعتدل لحسم صراعه مع الطرف المتشدد عبر الاستعانة بالطرف الشعبي والقيام بانفتاح سياسي يشرعن بقاء النخبة في الحكم. وسيناريو مثل هذا حدث في ثورتي تونس ومصر حيث أدى انقسام النخب الحاكمة في كلا البلدين لإيجاد تحالف بين الأطراف المعتدلة والراغبة في انفتاح سياسي ما، وبين الجماهير المطالبة بالثورة والإصلاح السياسي.
إلا أن توقع مثل هذا السيناريو في البحرين يبدو صعبا ويواجه عادة بقدرة الطرف المتشدد على عرقلة ومحاربة أي انجذاب نحو المطالب الشعبية. وقد تداولات أخبار عن قيام الجناح المتشدد بتشكيل مليشات مسلحة لمواجهة أي تعديل سياسي غير موافق عليه من قلبهم بل إن أحدهم هدد قبل حوالي شهر بأن الدماء ستسيل في البحرين في حالة عزل رئيس الوزراء الذي تمكن بشكل غريب من جر الأطراف المؤيدة لولي العهد سلمان لصالحه. السؤال الذي يرتقب الإجابة عمليا هو متى تبدأ خارطة طريق الانتقال الديمقراطي في البحرين وهل أن الأحداث السياسية أنهت كفالتها لإتمام عملية الانتقال أم أن الثمن لم يدفع بعد؟
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق