» رأي
جلالة الملك، والمنازعون على سلطانه
علي شريف - 2011-07-30 - 10:42 ص
علي شريف*
ظهر جلالة الملك في لقاء الخميس مع وفد الحوار الوطني متصنّعاً متكلّفاً، تبدو على وجهه علامات التجهم وتختفي علامات الرضا تماماً. كان ينتظر أن ينتهي خطابه الإنشائي القصير، ليقف بشكل مفاجئ ويومئ إلى الحضور مودعاً، ومشيراً إلى ساعته "لقد انتهيت!"
بدا وكأنه يحاول التخلص من كل من في طريقه ويهم بالخروج، لم يستطع جلالته أن يحتفل كما كان يريد، وحاول بشكل يائس أن يتذكر احتفالاته السابقة، مشيراً إلى ميثاق العمل الوطني! وحتى يكون للخطاب شيء من الأهمية، أصدر أمره الذي ربما يكون الأخير للحكومة، موجّها لزيادة الرواتب.
يزعم مراقبون بأن الملك سينظر في مرئيات الحوار خلال شهر رمضان ليبدأ تنفيذ ما يراه صالحاً منها فيما بعد، في تمهيد لمرحلة ما بعد الحوار، التي أراد أن يحتفل بإسدال الستار عليها تماماً، إلا أنه فشل.
لكنني أزعم أن الملك نظر فعلاً في هذه المرئيات، ولا أدل على ذلك من خطابه الذي أشار إلى بعض منها وربطه بالأحداث السياسية أيضاً، رغم أنه لم يتسلمها إلا في الحفل! أما نتيجة هذا النظر، فهي احتمالان: إما أن ملف هذه الحورات سيبقى حبيس الدرج، في محاولة لتناسيه قدر الممكن، على أن يستدعى عندما يدفع المشهد السياسي إلى مراجعة الموقف مجدداً والدخول في تسوية حقيقية، وإما أن الملف سيسلم إلى الجهة المسئولة عن الحوار فعلاً، وهي المملكة السعودية ووكلاؤها من أجنحة العائلة المالكة، رئيس الوزراء خصوصاً.
ينازع الملك في سلطانه عدة أطراف، أولها الشعب الذي نادى بإسقاطه شخصياً، وقد عبر عن أسفه لذلك في اتصاله بالإذاعة متمنياً أن يكون ما سمعه ليس حقيقة! الطرف الثاني هو رئيس الوزراء الذي يحفظ خريطة الدولة والملك عن ظهر قلب، والذي يرى نفسه المنقذ لتاريخ العائلة الحاكمة الذي يوشك أن ينقض.
الطرف الثالث هما الأخوان خالد وخليفة أصدقاء الملك نفسه، فقد جرى على لسان الأول (وزير الديوان) أكثر من مرة أنه الملك الحقيقي وأنه من يحكم البلاد، وثبّت الثاني بالقوة حكم أخيه، وصار الحاكم العسكري الذي يلتقي السفراء والعلماء والناشطين وكل الشخصيات الرسمية والأهلية فيما يخص سياسة الحكم.
والطرف الرابع هو الشقيقة السعودية، التي يبدو أنها أقحمت قواتها في بلاده دون دعوة أو بدعوة من غيره، وهي مدعومة بالتيار الديني وأنصار الفيدرالية، ومن بعض أجنحة النظام التي تؤمن بأنها الامتداد والسند، لا أي قوة أخرى، وإن كانت هذه القوة الولايات المتحدة.
يعيش الملك أسوأ أيامه التي لم يرها بعد، تمتد أياد كثيرة إلى عرشه المتزعزع، وخوفه من السقوط تحول من خرافة إلى واقع ماثل، إنه يجهل ما العمل؟ ولا يعرف من صاحبه في كل هذه الفوضى، فهو يشك حتى في ولي عهده الذي صارع للإبقاء على هيبة الملك، إلا أنه تصدر المشهد تماماً حينئذ، وألغى أي حضور لوالده، سوى الإشارة إلى فضله في انطلاق المشروع الإصلاحي!.
في أثناء الاحتجاجات السياسية، تسربت أنباء عن تسوية بين أجنحة الحكم تقضي بتعيين خليفة بن سلمان "نائباً للملك" رغم أن أحداً لا يعرف ماذا يعني هذا؟ وحتى اليوم لم تنته معضلة رئيس الوزراء العتيد، رغم الظهور الفاقع لقوى أخرى كوزير الديوان وأخيه المشير.
مع حملة القمع، بدا الأمير العائد (1)، الرجل الذي لا يمكن التخلص منه، ليس لأنه الرجل القوي في العائلة الحاكمة، ولكن لأنه يختصر للكثيرين تاريخ هذه العائلة، وزواله في هذا الظرف تحديداً قد يعني زوال سلطتها إلى الأبد. قد يبرر هذا الصعود الكبير لنجم الأمير فيما بعد "إخماد الاحتجاجات"، لا أحد سيعترض على تعليق صوره وحده في كل مكان، ولا أحد سيعترض على تسيده المشهد وإدارته للعملية، ولا أحد سيعترض على أن يكون قبلة المؤمنين بولاية الأمر، وصاحب القرار وحده لا شريك له، هو نفسه لا يعلم من أين أتته هذه الحظوة. كان الأمير الأكثر تضرراً من ثورة فبراير، ويجب أن يكون الأكثر مكسباً من إخمادها.
هو فقط الذي ثبت في معركة الصراع مع التغيير، هو فقط الذي ارتبط اسمه بالمجد، و"التاريخ"، يجب أن يكون هو فقط الخط الأحمر ودونه تسيل الدماء، إذن كان هذا ما يعنيه اقتراح الحوار بادئ الأمر، في أن "ينتخب" الملك رئيس الوزراء، ولكن لأن التعبير مضحك فتم استبداله بأن "يكلف" الملك رئيس الوزراء "بتشكيل الحكومة" كما أردفنا في المقال السابق(2)، وهو ما يفسر تصريح "سمو الأمير" بأن "الحوار يسير في الطريق الصحيح باتجاه تحقيق الأهداف التي رسمها له العاهل المفدى" وعليه فإن رئيس الوزراء الذي يحظى بالشرعية الكاملة من الملك، ليس عليه إلا أن يحظى على شرعية حكومته من المجلس الوطني، وتنحل بذلك أزمة الشرعية والتمثيل الشعبي، في تلازم سيحفظ الشرعية للنظام أولاً وأخيراً، ويضمن بقاءه أطول وقت ممكن.
ليست شرعية النظام ولا شرعية الملك في أن يكون الشعب "مصدر السلطات جميعاً وبشكل حقيقي" (كما قال المحمود نصاً في خطابه الأول بالفاتح)، ولكن شرعيته في أن يثبت هذا الملك وأن يظل متماسكاً في وجه كل الأطماع والمنازعات. هل سيثبت هذا الملك فعلاً؟ وهل توقيع جلالته على مرئيات الحوار سيسكت الطامعين جميعاً؟ وهل هذا هو شكل النهاية؟.
للحديث تتمة أخيرة.
*كاتب بحريني