» رأي
الملك وحق تقرير مصيره: كيف سيواجه الملك الخطر القادم، و ماذا سيورّث لولي عهده؟
علي شريف - 2011-08-03 - 11:49 ص
الملك في خطر كبير
علي شريف*
الملك في خطر كبير، سيادته وسيادة الدولة في خطر أكبر، ليس لأنه سيعطي "الخيط والمخيط" إلى رئيس الوزراء، بحسب نتائج الحوار، فما حك جلدك مثل ظفرك كما يقال، ولكن لأنه سينتقل من خطر يهدد شكل النظام، إلى خطر يهدد أساس الملك، فالسير في هذا الاتجاه يعني أن يكون خط الأزمة أطول.
والتاريخ أثبت أن تمطيط الأزمات وإطالة أمدها لا يفضي إلا إلى كوارث، ومسار راديكالي، وبالنتيجة نهاية متطرفة.
لا يريد الحوار (ومن خلفه الملك) أن يحاكي نموذج الكويت الذي يمتد لأكثر من 40 سنة، ليس لأنه نموذج يعاني منه الشعب الكويتي كثيراً، وهو في طريقه إلى المطالبة بتغييره على منهج "الملكية الدستورية"، بعد أن يئس من محاولة إسقاط رئيس الوزراء ورفض تكليفه مرة أخرى، ولكن لأنه نموذج مؤرق ومتعب للعائلة الحاكمة في الكويت على رداءته وبساطة تأثيره.
فالأمير هناك إما مضطر لحل البرلمان، وإما مجبر على قبول استقالة الحكومة، في تناوب للأزمات بين الحكومة ومجلس الأمة، أخضع الكويت إلى هزات في استقرارها مراراً، وجمّد العمل النيابي فيها مرة كما وقف حجر عثرة في وجه برامج الحكومة أكثر من مرة، فضلاً عن تسببه بمشاكل أوجعت رأس الأمير وأقضت مضجعه.
كما أن الحوار بعيد تماماً عن نموذج الأردن، الذي يعيش إرهاصات سياسية هو الآخر، رغم أنه نموذج شكلي وبالغ السوء على مستوى المشاركة الشعبية في الحكم (ما يناسب طموحات الحوار) لكن الخلاف عليه هو أن منصب رئيس الحكومة يجب أن يكون خارج العائلة المالكة، وهو ما لا يمكن تطبيقه هنا.
لا نموذج الكويت، ولا نموذج الأردن، وبالطبع ليس نموذج المغرب الجديد، إذن ماذا يريد الملك؟ وماذا يريد الحوار ومن يقف خلفه؟ طبعاً لن أتساءل ماذا يريد المتحاورون لأنهم لا يريدون شيئاً.
تكليف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة هو السياق الطبيعي لفصل السلطات وعدم تدخل الملك فيها مباشرة، وهذا ما جاء به دستور 2002 الذي جعل من الملك مساءلاً عن عمل السلطة التنفيذية، مع أن ذلك يناقض المادة الدستورية التي تعتبر ذات الملك مصونة لا تمس.
لكن المضحك والمثير للسخرية هو أن تمنح هذه السلطات للأمير خليفة، أو رئيس الوزراء المعيّن من الملك نفسه، فيما بعد وفاة الأمير.
إذا صادق جلالة الملك على هذه التوصية (لو قدر الله له البقاء) فإن ذلك سيكون لاحتمالين: إما أنه غير قادر على مواجهة نفوذ رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، وسلطته على مجريات الحوار، وفي نفس الوقت غير راغب في الاحتكاك المباشر بالمجلس الوطني في الأزمة التي يفترض أن تنشب (جدلاً) بعد تطبيق التوصية فيما يخص تشكيل الحكومة وصنيع رئيس وزرائه فيها، وبذلك ينأى بنفسه بعيداً عن أي تدخل ومسئولية مباشرة عن السلطة التنفيذية من الألف للياء.
وإما أنه ينتظر موت عمه ليكلف رئيس وزراء آخر، يكون مجرد واجهة يفرض بها سلطاته الكاملة على حكم البلاد، أو يصنع منه ديكتاتوراً آخر بشكل مستقل، وبعيداً عن مسئولية العرش الملكي بحسب تصوره القاصر لنهاية هذه الأزمة.
إن هذا النموذج لا يساوي الوضع الحالي كما فهم كثيرون، فهو أقل مستوى وأخطر بكثير، لأنه سيجعل الاستبداد في السلطة متناوباً بين الملك ورئيس الوزراء في بعثرة يائسة للأوراق مجدداً، لشرعنة التسلط وتوثيق عرى الاستبداد باسم النظام و"الإصلاح".
لقد غفل جلالة الملك، ومستشاروه، أن هذا النموذج أو الطرح غير قابل للتحقق مطلقاً! ليس لأنه لا يلبي أدنى مطالب الحركة الجماهيرية (التي لا يزال لا يعترف بها النظام ولا المجتمعون في منتدى الحوار) أو لأنه غير مقنع أو غير صالح.
بل لأن مجرد محاولة تطبيقه سيقدم خدمة كبيرة للحركة السياسية، حين يتحول نظرها إلى رفضه والسعي إلى تعطيله بكل الطرق، خصوصاً أنه يجب أن يعرض في استفتاء شعبي، ولا يعوّل على الاشتراك في الاستفتاء لرفض هذه التعديلات، أكثر من التعويل على استمرار خط التحرك والتأزيم في موازاة ذلك دون انقطاع.
سيتصل هذا بتعبير صريح وشديد عن حدة الانقسام وانعدام التوافق وخطر الإقصاء، واليأس من محاولات الإصلاح والوصول إلى تسوية، وسيقف بغضب في وجه "اختطاف مطالب 14 فبراير" لصالح سلطة أكثر استبدادية، وبما يحقق مكاسب لرئيس الوزراء الذي نودي بإسقاطه.
من الجنون والغباء أن يستعاض عن سيناريو "إخماد الاحتجاجات" الذي فشل بالقوة، بسيناريو "اختطاف المطالب"، وخصوصاً في ذورة اشتعال الأزمة. وإذا كان النظام يراهن على الأوراق التي لا زال يحتفظ بها للمساومة (المعتقلين، المفصولين، المفرج عنهم، إلخ..) فعليه أن ينظر بجدية إلى فشل ذلك في إركاع المعارضة وشارعها بعد 4 أشهر من "التطهير"، إذ لا زال المطلب الرئيس والملح على لسان الجميع هو "التحول السياسي" وهو يطرح بقوة غير مسبوقة، ومن المحال أن يفضي إلى لاشيء، أو إلى شيء أسوأ!
ما دام هناك كلام يتعلق بالمطالب لا يزال في تداول بأي شكل من الأشكال (ولو بين السلطة ونفسها أو وكلائها ) فإنه سيحول دون توقف الحراك، أو دخوله في كمون (وهو الأمر الذي تتخوف منه المعارضة بسبب شدة القمع من جهة واللعب على عامل الزمن من جهة أخرى)، وسيجعل المياه الراكدة متحركة على الدوام، بل سيزيد بلا شك وفي وقت قصير جداً من جذوة الحراك السياسي المشتعلة.
جلالة الملك... إما أن تتوقفوا عن الكلام الذي لا طائلة منه، ولا مصير له، وتصلوا إلى تسوية تصلح كل هذا الخراب الذي عم البلاد، لكي تهدأ القلوب، وتسكن النفوس.
وإما أن تنظر حواليك جيداً، لتجد أنك في خطر أكبر مما تتصور، خطر يطالبك جدياً وقبل فوات الأوان، بأن تلتفت إلى ما ستورث لولي عهدك من أزمات حادة ستدخل بلاده في صراع خطير جداً، لن ينتهي إلا بسقوط سلطاته كاملة على أقل تقدير، ومن ثم تحييده عن الحكم لصالح الطامعين فيه وإن استمر الصراع فيما بينهم.
ناهيك عن وصول الصراع إلى شقيقتك الكبرى لا محالة، إذ لا ضمان لاستمرار دعمها وموقفها، كما هو الحال مع حليفك الأمريكي، لذا فعليك أن تتوقع الأسوأ من الأطراف جميعاً، وعليك أن تتوقع حتى ما ليس له احتمال، على الصعيد الإقليمي مثلاً.
ليضع جلالة الملك في عين اعتباره أن ابتعاث الأمم المتحدة لفريق تقصي الحقائق عام 1971 لتحديد الوضع السياسي للنظام في البحرين، ليس ذكرى تاريخية لا يمكن أن تعود، وليقرأ جدياً ماذا يعني أن تؤمن شريحة كبيرة بالمطالبة بحق تقرير المصير، هذا إذا كان جلالته لا يزال متمسكاً بالإرث التاريخي لنظام العائلة الحاكمة في البحرين.
لجلالة الملك حق تقرير مصيره ومصير هذه العائلة وتاريخها على السواء.
*كاتب بحريني