القضاء وذرائع الإرهاب: كل احتجاج إرهاب (2)

2014-06-28 - 12:55 ص

مرآة البحرين (خاص): في 16 مايو 2013، حكم على المعتقل (ياسر خمدن) من المنامة، بالسجن لمدة 10 سنوات مع النفاذ. ما هي تهمة خمدن؟ الجواب: الحرق الجنائي. ما هو الحرق الجنائي الذي قام به خمدن؟ الجواب: حرق (تانكي) ماء!!!

لقد تم تكييف القضية لمحاكمة خمدن وفق قانون الإرهاب، وليس وفق قانون التجمهر والشغب العاديين. كيف؟ هذا ما سنسعى لابرازه بالتفصيل في هذه الحلقة.

التجمهر والشغب

تنص المادة 178 والخاصة بقانون التجمهر والشغب، أن "كل من اشترك في تجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل، الغرض منه ارتكاب الجرائم أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها أو الإخلال بالأمن العام ولو كان ذلك لتحقيق غرض مشروع، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين".

وتنص المادة 179 من القانون نفسه "إذا شرع واحد أو أكثر من المتجمهرين في استخدام العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها كان ذلك شغباً وعوقب كل من اشترك في هذا الشغب وهو عالم به بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين".

بداية التكييف

مع بدء محاكمات أحداث 2011، كانت (معظم) القضايا التي يحاكم عليها المعتقلين من المحتجين يتم تصنيفها على أنها قضايا جنح والتعامل معها وفق قانون التجمهر والشغب: المسيرات غير المرخصة، حرق اطارات السيارات، إغلاق الشوارع وحيازة وإستخدام الزجاجات الحارقة. وبشكل عام فإن هذا النوع يشكّل النسبة الأكبر من القضايا التي يحاكم وفقها المحتجون في البحرين. وبسبب الكم الهائل من هذه القضايا التي أغرقت محاكم الجنح، فقد ارتفع عدد المحاكم الصغرى من 6 قبل أحداث 2011، إلى 10 محاكم في نهاية 2011.

كان تجرؤ عدد من المحتجين الشباب في المنامة، بالتقدّم إلى مسافة قريبة من مدخل وزارة الداخلية (القلعة) وقيامهم بحرق مجموعة من اطارات السيارات، وإغلاق الشارع الرئيسي المواجه لمدخل القلعة في 16 مايو 2012، هي الأولى من ذلك النوع التي تم التعامل معها كجناية. حكم على المتهمين بالسجن 3 سنوات. تواصل بعدها التصعيد في الأحكام على هذا النوع من الأفعال الاحتجاجية، وبدأت اللعبة في تغيير تكييف القانون لتغليظ الأحكام القضائية التي لا تتجاوز السنتين في حال قانون التجمهر والشغب. كيف حدث هذا التكييف؟

أشكال الشغب والاحتجاج

غالباً ما يقود قمع السلطة غير المبرر للفئات المحتجة إلى مواجهات مع قوات أمن النظام، وبشكل عام فإن الشغب يصدر من أفراد ينتمون إلى فئات تعتقد أنها مهمشة ومستثناة من المشاركة العادلة والمتساوية في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يشعر هؤلاء الأفراد أن الدولة ومؤسساتها وأفرادها الرسميين يسيؤون معاملتهم. "بذلك يصبحون متبرمين لشعورهم أنهم لايستطيعون اتخاذ القرارات الكبرى التي تؤثر عليهم وعلى مجتمعهم. وغالبًا يصبح الأشخاص الذين أهمِلت مظالمهم متحدين، ويمكن أن تنفجر مشاعرهم في أي لحظة".

يتم تصنيف الشغب إلى نوعين: ذرائعي، وتعبيري. تنسب إلى النوع الأول معظم حوادث الشغب عبر التاريخ، يحدث بسبب مناهضة نظام/وضع/واقع/قانون سيء قائم، والنضال من أجل إصلاحه أو تغييره. أي أن هناك ذريعة أو غرض يسعى المحتجون إلى الوصول إليها في نهاية المطاف أو الضغط باتجاهها.

أما الشغب التعبيري، فيحدث عندما يستخدم أفراد ينتمون إلى فئات معينة من الشعب العنف، للتعبير عن سخطهم وعدم رضاهم عن نظام/وضع/واقع/ قانون/حدث ما، غالباً ما يكون هذا الوضع مرتبط بحياتهم ووجودهم والاعتراف بهم. وتستخدم السلطة القوة المفرطة في مواجهة الشغب وتواجهها بأعداد كبيرة من قواتها، ما يجعل الشغب يصبح أكثر عنفاً.

عادة ما تكون تلك هي أغراض الاحتجاجات وإن تطور بعضها إلى حوادث عنف وشغب، في البحرين نشهد النوعين: الذرائعية منها والتعبيرية. فمن جهة تسهتدف الاحتجاجات الضغط على السلطة باتجاه إصلاح الوضع السياسي الذي نخرته أدوات الفساد والاستبداد والتفرّد بالقرار السياسي والتمييز والتهميش والقبلية (احتجاج ذرائعي)، ومن جهة نشهد في أشكال من الاحتجاجات تعبير عن سخط الشارع على تردي الوضع القائم واستمرار تعنّت السلطة في عدم الاستجابة لأي مطلب من مطالب الشعب الديمقراطية والمشروعة (احتجاج تعبيري).

اللعب على الذرائع

ما الذي فعلته السلطة البحرينية لتجريد فعل الاحتجاج اليومي الذي يحدث في الشارع البحريني من شكله الطبيعي وتلبيسه شكلاً إرهابياً؟ باختصار، لقد لعبت في (ذرائع) هذا الفعل. كيف؟

استخدمت السلطة لعبة تلويث الفعل الاحتجاجي، باللعب في ذرائعه الاحتجاجية. السلطة البحرينية لوّثت (أغراض) هذه الاحتجاجات، أسقطت عنها ذريعتها المطالبة بوقف الانتهاكات والاعتقالات وإصلاح الوضع السياسي المتردي ومحاسبة المفسدين والمنتهكين وتمكين الشعب من المشاركة في القرار السياسي وإطلاق الحريات الدينية والسياسية، ونسبتها (الاحتجاجات) إلى أغراض ذرائع أخرى: ذرائع إرهابية.

السلطة وضعت أمام كل فعل احتجاجي غرض (ذريعة) إرهابية: "حرق الإطارات بغرض ترويع الآمنين وإرهابهم"، و"حيازة المولوتوف بغرض الشروع في قتل الشرطة"، وأطلقت على (المولوتوف) الذي يستخدمه المحتجون في كل أنحاء العالم تسميات تضخيمية مثل "قنابل محلية الصنع لاستخدامها في غرض إرهابي"، وأدخلت أغراض أخرى تمس المواطنين مثل "تعريض حياة الناس وممتلكاتهم للخطر"، و"الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن والإضرار بالوحدة الوطنية"، و"تعطيل أحكام القانون"، ووظّفت مفردات غريبة على المجتمع البحريني مثل (سيارات مفخخة) في وصف أعمال غامضة المصدر تتمثل في تفجير سيارات خالية في أماكن مفتوحة دون وقوع إصابات. تم بذلك تحويل كل القضايا المشابهة من جنح إلى جنايات تحت قانون الإرهاب مباشرة.

محاكمة الذرائع

سنورد هنا عدد من المحاكمات التي صدرت في العام 2013 فقط، مع بعض تصريحات النيابة العامة لنرى كيف استخدمت السلطة لعبة "الغرض" أو "الذريعة" الإرهابية، للنيل من المحتجين ومحاكمتهم تحت قانون الإرهاب، بدلاً من قانون التجمهر والشغب:

في 22 مارس، صدرت أحكام بالسجن لمدة 15 عامًا بحق 16 مواطنًا، زعمت السلطة أن التهمة المنسوبة إليهم هي "القيام بأعمال إرهابية"، وقال وكيل النيابة في المحافظة الشمالية إن المواطنين الـ16 أدينوا بـ"بشروعهم في قتل عدد من أفراد الشرطة أثناء تأديتهم لوظيفتهم، وإشعال حريق في سيارة مملوكة لوزارة الداخلية والاشتراك بالتجمهر في مكان عام مؤلف من أكثر خمسة أشخاص، (الغرض) منه إخلال بالأمن العام، والتعدي على أفراد الشرطة وحيازة وإحراز عبوات قابلة للاشتعال".

وفي 2 ابريل، صدر الحكم بالسجن مدة 15 سنة لـ7 متهمين، و10 سنوات لـ9 آخرين من قرية بني جمرة، زعمت السلطة أن التهمة المنسوبة إليهم هي الشروع في قتل شرطيين وحيازة مفرقعات لاستخدامها في (غرض) إرهابي.

وفي 20 مايو، صدر الحكم بسجن رجل الدين سيد أحمد الماجد وآخر لمدة 15 عامًا وسجن 7 متهمين آخرين لمدة 10 سنوات، زعمت السلطة أن التهمة المنسوبة إليهم هي تأسيس جماعة (الغرض) منها "تعطيل أحكام القانون"!

وفي 3 يونيو، صدر الحكم بسجن 3 بحرينيين لمدد تتراوح بين 15-5 سنوات، زعمت السلطة أن التهم المنسوبة إليهم هي "الشروع في قتل موظف عام أثناء وبسبب تأديته لوظيفته وحيازة وإحراز مواد قابلة للاشتعال". وأضاف "كذلك اشتركوا وآخرين مجهولين في تجمهر بمكان عام الغرض منه الإخلال بالأمن العام وقد استخدموا العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من اجلها وأيضا حازوا وأحرزوا مواد قابلة للاشتعال بقصد استعمالها بتعريض حياة الناس وممتلكاتهم للخطر"

وفي 3 أكتوبر، صدر الحكم بالسجن المؤبد لأربعة مواطنين من منطقة الدير، زعمت السلطة قيامهم بتصنيع عبوة محلية 17 مارس/ آذار الماضي، في منطقة الدير، ونقلت "بنا" عن القائم بأعمال رئيس نيابة المحرق عبدالله الدوسري قوله "عقد المتهمون العزم وبيتوا النية على استهداف رجال الشرطة والمقيمين بأن أعدوا لذلك عبوة متفجرة محلية الصنع على شكل أنبوب معدني"، لافتا إلى أن النيابة العامة أسندت إلى المتهمين تهم "الشروع عمداً في قتل المجني عليه ورجال الشرطة وإحداث تفجير بقصد ترويع الآمنين، وصناعة وحيازة قنبلة تنفيذاً لغرض إرهابي".

وفي 23 أكتوبر، صدر الحكم بالسجن 10 سنوات لـ6 مواطنين، زعمت السلطة أنهم قاموا بـ "الشروع في قتل رجال أمن وإحراق سيارة دورية والتجمهر"، قرب قرية جد حفص وقبيل كوبري السيف. وقالت النيابة العامة "الواقعة وبحسب ما جاء بالأوراق تتحصل في اتفاق المتهمين مع آخرين مجهولين على مهاجمة دوريات حفظ النظام المتمركزة بالقرب من قرية جد حفص وقبيل كوبري السيف (قاصدين) من ذلك قتل رجال الشرطة"

وفي 19 نوفمبر، صدرت أحكام بالسجن على 5 مواطنين بحرينيين، تراوحت بين المؤبد و15 عامًا، زعمت السلطات أنهم قاموا بـ(تفجير) سيارة بالمفرقعات في منطقة الرفاع. ورغم أن (التفجير) حسب زعمها قد تم في منطقة خالية ولم تنجم عنه وقوع أية إصابات، إلا أن النيابة أسندت الى المتهمين كتلة من التهم هي: تأسيس جماعة على خلاف أحكام القانون، الغرض منها تعطيل أحكام القانون ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن والإضرار بالوحدة الوطنية، وترويع الآمنين لغرض إرهابي، وأنهم "استعملوا عمداً المفرقعات استعمالاً من شأنه تعريض حياة الناس للخطر، وحازوا وأحرزوا المفرقعات «العبوة الناسفة» من دون ترخيص من الجهة المختصة وذلك تنفيذاً لغرض إرهابي وتدربوا على استعمال الأسلحة والمفرقعات بقصد ارتكاب جرائم إرهابية".

ما سبق، نماذج لمحاكمات صدرت في العام 2013 ومثلها مئات القضايا اليومية التي لا تزال مستمرة بكثافة حتى اليوم. نلاحظ كيف أن "القصد" أو "الغرض" أو "الهدف" أو "الذريعة"، هي ما تمّ تحريكه، لتحويل الفعل الاحتجاجي إلى جريمة إرهابية، وذلك من أجل تغليظ الأحكام الصادرة في حق المحتجين، فيما تعتقد السلطة أنه سيكون الرادع النهائي للحركة الاحتجاجية، والضرب بيد من حديد عليها.

 

كيف سار مخطط إطلاق مسمّى "الإرهاب" على كل أشكال الاحتجاج في البحرين، بحيث شمل المعارضين والمحتجين، بما فيهم الجمعيات السياسية المعارضة التي تؤكد على خيارها السلمي؟ في الحلقة القادمة.

 

 


مواضيع ذات صلة
التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus