حسين الأمير.. أمير البصيرة ..
2011-08-26 - 3:15 م
حسين الأمير .. وصل إلى النور مبكراً إذ اقتحم شتى المجالات والتحديات دون الالتفات إلى مسألة كونه كفيفا .. فاقدا للبصر ولكنه أمير للبصيرة ..
كثيراً ما حدثني عن امتنانه لوالدته التي يعود لها الفضل في تربيته وتحمل "شقاوته "-بحسب تعبيره- وصبرها الذي ألهمه قوة الصبر والتحمل .. كما حدثني عن حبه وامتنانه إلى زوجته سوسن التي استطاعت إن تضع قوته في قالب عاطفي رقيق .. حدثني كيف كان طفلاً صغيراً يواجه سخرية وإزعاج أقرانه الصغار بابتسامته لا أكثر ..
لم أعرف أحدا يجيد الإنصات وحسن الاستماع كما الأمير، إذ كان يصمت حين أتكلم وأسترسل ومهما أطلت المقام دون مداخلة أو مقاطعة، ولكنني أتفاجأ بعدها أنه يعلق على جميع النقاط والتفاصيل دون إغفال أي منها ..
حدثته ذات شتاء عن قصة طفولتي وعن عملي المبكر منذ سن العاشرة وانتظامي رسمياً للعمل بصورة رسمية منذ سن السادسة عشرة، وكيف بدأت وتسلسلت ودرست ووصلت .. كان يثني علي ويقول أنا فخور بك .. ولكن فخري أنا بنفسي تبخر ووجدت جهدي والتحدي صغير أمام التحديات التي واجهها الأمير في حياته .. لا يمكن لأي بطل يتفاخر بنفسه بمجرد معرفته الأمير .. فلا بطولة تستقيم أمام هذا العملاق الكفيف المبصر .. أستطيع أن أجزم أن ما حققه الأمير يعجز عنه أي مبصر إذا عاش ذات الظروف التي عاشها حسين فضلاً عن كونه كفيفا ..
كان يسافر ويتصفح الوجهات وحده من المطار إلى المطار، وحين يود الخروج لإنجاز مهمة لا ينتظر أحدا .. حتى لو كان هذا الأحد "تاكسي" .. ولكنه سيتأخر .. فيقرر أن يذهب هو لمهمته بدلاً من انتظار وصولها إذا احتاج ذلك وقت اطول من ساعات أجندته .. يخرج للشارع ليوقف أول تاكسي .. كان ملتزماً بمهامه بكل تفاصيلها من علمه وعمله ودراسته وتدريسه مرورا باهتماماته حتى أصغر الأمور كشراء الحاجيات والخبز بشكل يومي .. دون طلب المساعدة من أحد، بل إنني كثيراً ما ألومه حين أكون على موعد معه وأتفاجأ حين وصولي له أنه للتو عاد مشياً من مشوار التبضع، مهما كانت حرارة جونا القائض مرتفعة..!! بالرغم من معرفته بقدومي بالسيارة .. وأنا القريب منه جداً ولم نتعامل برسمية قط مع بعضنا.
كان قوياً جداً .. أقوى من أن يجد أي شخص نفسه قوياً أمامه بل كان مصدر قوة للمحيطين به .. شخصياً كنت اعتبره ملاذا آمنا حين أضعف .. أذكر أنني مرضت يوماً .. فاتصلت به : أبا قيس أظن أنني أحتاج أن تأخذني للطبيب .. فرد علي .. سآخذك وسأتكفل بكل شيء عدا سياقة السيارة ..كذلك الحال والجد والمثابرة وعدم تحمل الانتظار والروتين .. لم يقبل الأمير أن ينظم إلى طابور التوظيف في وزارة التربية، فبمجرد تخرجه وحصوله على البكالوريوس عمل كموظف بدالة بأحد المصارف إلى جانب عمله كعازف. حتى ظل يجاهد مع الوزارة من أجل إقناعهم إنه قادر وجدير بمهنة التدريس فلم يدخر أي وسيلة في سبيل ذلك من المقابلات والمراسلات والمقالات بالصحف. حتى تم توظيفه في المكان الذي يجب أن يكون فيه منذ تخرجه.
بالرغم من كونه شاعراً وله اهتماته الأدبية والثقافية المتعددة ورقيق المشاعر ومرهف الحس .. ذلك العازف الموسيقي البارع .. كان يدهشني بشدة تحكمه بعواطفه وتحكيمه لرجاحة عقله فلم يكن يتهاون بقراراته .. كان حازما كأدق مشرط بيد جراح بارع ..
أتذكر أنني في بداية معرفتي به كنت مندهشاً جداً بشخصيته .. أتساءل وأثير الاستفهامات عليه ..كيف يكتب .. كيف يقرأ .. كيف يدون ويشارك بالفيس بوك والمنتديات وتويتر .. وكيف يجيد كل هذا؟
انتبهت حين أوصلته لمنزله أول مرة حين كنا عائدين من شارع البديع .. ما إن وصلنا إلى الدوار الحادي والعشرين حيث يسكن في مدينة حمد حتى نزع حزام السلامة ..!!
سألته مرة .. كم تتوقع يكون طولي؟ فأجاب بعد أن أستنشق الهواء وكأنه يقيس الأمور بمجرد الاستنشاق .. أستطيع أن أقدر طولك ب 175 سم ياصديقي ..!!
المدهش أن طولي فعلا بالضبط كما قال .. في مثل اليوم سألت كل أصدقائي الذين واجهتهم عن طولي لم يصب أحد الجواب .. مدهشة هذه الأمور حقاً .. ولكني سريعاً وخلال فترة وجيزة وجدت أن هذه الأمور هي أبسط ما يثير الدهشة في شخصية أبي قيس، ففكره وعقله وروحه أكبر وأعظم من كل دهشة يتصورها المرء لمجرد كونه تعرف على كفيف بهذه المهارة .. كان متميزا وفريدا بين الجميع في حياتي .. الجميع .. كل من حولي مبصرون ولكني وجدته أشد الأصدقاء بصيرة ..
سأقف على قبرك يا أخي لأتعلم الصمت من قبرك.. رحمك الله ياصديقي .. ورحمني من بعدك ..ولتغشاك المغفرة من قبل ومن بعد ..
ماهر عباس