موقع عين الشرق الأوسط: البحرينيون يتهمون الحكومة بالتآمر لتغيير التّوازن الطّائفي في البلاد

2014-09-22 - 7:51 م

موقع عين الشرق الأوسط

ترجمة مرآة البحرين

احتج أهل البحرين، من السّنّة والشّيعة، على ازدياد عدد المواطنين الأجانب في البلاد.

وفي كافة أنحاء الشّرق الأوسط، أصبح من الشّائع الإشارة إلى الشّرخ بين السّنّة والشّيعة باعتباره أحد أسباب الانهيار المزعوم للحدود الاستعمارية وتفاقم أعمال العنف والاضطرابات في المنطقة.

وتُعد مملكة البحرين الصغيرة نقطة اشتعال في الخليج العربي على وجه خاص، حيث تزامنت التّظاهرات المستمرة ضدّ حكم آل خليفة الملكي والقمع الممارس من قِبَل الحكومة مع سحب الجنسية من ناشطي حقوق الإنسان الشيعة بالدّرجة الأولى واعتقالهم وازدياد عدد المواطنين الجدد المستمر، من أهل السّنّة غالبًا، عبر تجنيس المهاجرين المقيمين في البحرين وزعماء القبائل في منطقة الخليج.

ونجد في هذه الأفعال دليلًا على استراتيجية متغلغلة طويلة الأمد هدفها إحداث تحوّل جوهري في المجتمع البحريني.

فقد رأى أهل البحرين في عمليّة سحب الجنسية من المواطنين الشّيعة في البحرين، واستجلاب الأجانب وتوطينهم محاولة لتغيير الخصائص السّكّانيّة لهذا البلد الصغير وصنع دولة موالية بأغلبية سنّيّة.

وفي 23 أغسطس/آب، تظاهر آلاف البحرينيين في قرية الديْه قرب العاصمة المنامة، رافعين لافتات كُتب عليها "السكان الأصليون في خطر،" وملوّحين بأعلام البحرين.

واتّهم المحتجّون الحكومة "باتّباع سياسة مدمّرة تهدف إلى استبدال السّكان الأصليين بشعب موالٍ للسّلطة" وحذّروا من أنّ "التجنيس يُشكّل خطراً على أمن البحرين واستقرارها."

ولكن بينما لا يزال الكثيرون يُشدّدون على الطبيعة الطائفية الظاهرة لهذا المشروع، يقول النّاشطون إنّ الهدف الأساس هو خلق شعب بديل موالٍ للسّلطة القائمة وخاضعٍ لها.

ويقول أحمد علي، رئيس دائرة الشؤون القانونية في مركز البحرين للحقوق والديمقراطية، إنّها تسعى لبناء تركيبة سكّانية موالية للسّلطة سواء كانت من الشّيعة أم السّنّة.

وقال لموقع "عين الشّرق الأوسط،" (Middle East Eye) إنه "يمكن رؤية هذا الأمر فقط مؤخّرًا مع بدء تلقي الملك "خطابات ولاء" من قبائل حول البحرين، شبيهة بتلك المستخدمة في العصور القديمة."

وأضاف أنه "بالطّبع، غالبية هذه القبائل ليست من سكّان البحرين الأصليين. إذ يعيش الكثير منها في السّعودية وقطر، ولم يكن للكثير منها وجود في البحرين قبل قدوم آل خليفة. وتُطبّق هذه السياسة عبر سحب الجنسية."

"هذا شعبهم المثالي، الذي كانوا يبنونه بتأنٍ."

واتّصل القيّمون على موقع "عين الشّرق الأوسط" بالسّفارة البحرينية في لندن للاستفسار عن مزاعم التّخطيط للتغيير الديموغرافي، ولكّنهم لم يتلقّوا جوابًا.

قمع الشّيعة

وفي وقت مبكر من العام 1982، أعرب إيان هندرسون، رئيس مباحث أمن الدولة في البحرين- السكوتلاندي الأصل والمُلقّب "بجزّار البحرين" بسبب ضلوعه المزعوم في تعذيب المعارضين وقمعهم في غضون الثمانينات والتّسعينات- لمسؤول بريطاني عن قلقه من ازدياد عمليات ترحيل الشّيعة من قِبَل الحكومة البحرينية، وترحيل غالبيتهم إلى إيران.

وقال المسؤول في التّقرير إنّ "حوالى 500 شخص رُحِّلوا، ويحمل الكثير منهم جوازات سفر بحرينية."

وأضاف أن إيان هندرسون أخبر الأمير عن "أنّ شبّانًا بهذا العدد سيشغلون، بكل بساطة، الجناح العسكري لحركة الدعوة [الإسلامية الشّيعيّة] التي تتشكّل الآن في إيران."

وذكر أيضًا أنّ التّرحيل "قوّض أي فرصة للتسوية بين المجتمع الشّيعي والنّظام الحالي في البحرين."

ويقول مارك أوين جونز، عضو منظمة "بحرين ووتش" (Bahrain Watch) إنه "يظهر أنّ هذا الأمر يعود، بحسب تقديري، حتّى مرحلة ما قبل الثوّرة في إيران، وهو استخدام سياسة متشدّدة أرادوا بها التّخلّص من الشّيعة أو حرمانهم من السّلطة."

وأضاف أنه "لن يصل الأمر إلى حد تطهير الجزيرة ولكني أظن أن الأمر يبدو ممكنًا بكل تأكيد، حتى توفر غالبية سنية."

وقد نُفي الدكتور سعيد شهابي من البحرين منذ عشرات السنين وحُكم عليه بالسّجن المُؤبّد في بلاده. وفي العام 2012، سُحِبت جنسيّته وجنسيّة 30 بحرينيًّا آخرين.

وصرح لموقع "عين الشّرق الأوسط" أنه "لطالما استهدفوني في الماضي في التّسعينات والثمانينات، وحكموا علي بالسّجن مرّاتٍ عدّة، والآن من الممكن أن تُسحب جنسيّة أي ناشط، وكذلك جنسيات غير النّاشطين-إذ يسحبون جنسياتهم أيضًا."

وعلى الرّغم من أنّه يُقر باضطهاد الحكومة للشّيعة، قال لموقع عين الشرق الأوسط إنّه يعتبر هذا الأمر خطوة تكتيكية من قِبَل الحكومة.

وأضاف أنهم "يستخدمون الطّائفية كأداة للظلم-يستخدمون الظّروف السّائدة لاستمالة السّنّة إلى صفّهم مظهرين أنهم يستهدفون الشّيعة، ولكن أؤكّد لكم أنّهم سحبوا الجنسيّات من أهل السّنّة أيضًا في الماضي. وإنْ أُعيدت لاحقًا في أغلب الحالات."

وشدّد أيضًا على أنّ "غايتهم في هذه المرّة تحقيق تغيير ديمغرافي، لذا يسحبون جنسيّات السّكان الأصليين، ويوطّنون الأجانب."

وفي العام 2006، سرّب الدكتور البريطاني صلاح البندر، السوداني الأصل، الذي عمل كمستشار التخطيط الاستراتيجي بشؤون مجلس الوزراء، تقريرًا من 271 صفحة إلى "مركز الخليج لتنمية الديمقراطية" يُزعَم أنّه يكشف عن شبكة من المسؤولين في البحرين لتكريس حرمان الشّيعة من حقوقهم في البحرين.

ونتيجة لما سرّبه، رُحّل الدكتور بندر من البلد ويُقيم الآن في كامبريدج في بريطانيا.

وقد صرح لموقع "عين الشرق الأوسط أن "الأقلّيّة السّنّيّة الحاكمة تطبق مشروع تجنيس سياسي عدائي."

وأكّد بندر أيضًا أنّ الحكومة استخدمت الطّائفية من أجل تعزيز سيطرتها على "مليارات الدولارات في مصارف البحرين."

وأضاف أنها "مجرّد أداة للسيطرة على الموارد ولا تربطها أي علاقة بالصراع السّنّي-الشّيعي المتفاقم."

عقود من الحرمان

لم تُجرِ الحكومة البحرينية أي استقصاء رسمي عن التركيبة الديمغرافية في البلاد منذ العام 1941 حين سجلّت أنّ الشّيعة يُشكّلون 53% من عدد السّكان. وقد أفادت التقارير الإعلامية في السنوات الأخيرة أنّ النسبة تكاد تقارب حول 70 أو 75%، ولكن من المعروف أن هذه التّقارير لا تتّسم بالدّقة.

وقد عرض جستن غينغلرر، الباحث في معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية في جامعة قطر، من خلال بحثه الخاص، أنّ النّسبة، على الأرجح، تبلغ 57.6%.

إذ يقول إنّ نسبة ال75% "لا تعكس النسبة العالية للتجنيس السّنّي على مرّ العقد المنصرم أو أكثر."

وتُشير الإحصائيّات التي نشرتها حركة الوفاق المعارِضَة أنّ الحكومة البحرينية جنّست ما يزيد عن 95 ألف أجنبي منذ العام 2002.

ويقول نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان "إنّ نسبة الشّيعة تضاءلت- إذ أنه، ومنذ العام 2011 غادر آلاف البحرينيين البلاد نتيجة الاضطهاد."

وأضاف أنه "على الرّغم من استخدامهم قاعدة طائفية، إلا أن المشكلة ليست في الحقيقة مشكلة طائفية."

وقال إنّ حرمان الشّيعة من الحقوق على مرّ عقود من الزّمن أدّى في نهاية المطاف إلى انتفاضة الشّيعة التي بلغت ذروتها في العام 2011.

وبخلاف مزاعم الحكومة بأنّها محاولة منظّمة لإنشاء دولة إسلامية شيعية في البحرين، يزعمون أنها تلقى الدعم من إيران، فإنّ الاستياء نبع من رغبة الشّيعة في كسب دور أكبر في الإدارة الاجتماعية والسّياسية للبلاد.

وقال رجب إنهم "كانوا يُحدثون الصّخب على الدّوام، ويطالبون بالحقوق، والحرّيات، والعدل الاجتماعي لأنّهم هُمِّشوا، فاستنتجت الحكومة أنّ عليها استبدال الشّيعة بآخرين."

وصرح لموقع "عين الشّرق الأوسط" أنّ الحكومة البحرينية متورطة في صنع بوتقة اجتماعية كوسيلة للحفاظ على سيطرتها على الشعب الثّائر.

وقال إنه تم تجنيس "الكثير من النّاس، عشرات الآلاف من النّاس، في السنوات الماضية، من الهند، وباكستان، والأردن، واليمن، وسورية، والعراق، ومصر.... إنّ السّنّة في البحرين غير موحّدين كالشّيعة-إنّ الشّيعة جميعهم من السّكّان الأصليين وهم بالتّالي موحّدون."

وأضاف أن "السّنّة لم يأتوا من الخلفية نفسها وقد لا يستخدمون اللغة ذاتها. لذلك لا يمكنهم الاتّحاد."

وأشار إلى أنّه على الرّغم من أنّ استراتيجية الحكومة تهدف بشكل أساس إلى بناء شعب موالٍ لها، حصرت الرّوابط القوية بين أعمدة المجتمع السّنّي والحكومة استقلالهم بكونهم فاعلين سياسيين.

وشرح قائلاً: "إنّهم [أي السّنّة] مرتبطون بالحكومة من النّاحية الاقتصاديّة، ومن النّاحية الدّينية فهم يقصدون المساجد التي بنتها الحكومة."

"ويعملون لدى الحكومة في الجيش وجهاز الشرطة حيث للحكومة تأثير على معيشتهم الاقتصادية. لذلك نُدرك أنّ للحكومة تأثير كبير على السّنّة ولا سيّما المجنّسين."

وأضاف أنّ المساجد الشيعية، بخلاف ذلك، أُنشئت بشكل مُستقل عن الحكومة وعليه تُعد أقوى بكثير باعتبارها ساحات للمعارضة السّياسيّة. وبالتالي لا يوجد تأثير مماثل على الشيعة."

الامتعاض السّنّي

وعلى الرّغم من الطبيعة الطّائفية الظّاهرة لمشروع التّجنيس هذا، أشار مارك أوين جونز إلى تنامي الامتعاض بين السّكّان الأصليين السّنّة من ارتفاع عدد المواطنين الجدد.

قال لعين الشّرق الأوسط: "يلاحظ بعض أصدقائي المخلصين في جزيرة المحرق ارتفاع هائل في عدد الأشخاص المجنّسين."

"يقولون إنّ ديموغرافية وديناميكية الجيران تغيّرت وعبّر بعضهم عن شعورهم بالضّعف أمام هذا التّغيّر المفاجئ. وبالتّأكيد يوجد بعض الحقد في المجتمع السّنّي ضدّ التّجنيس."

ولعلّ الاستياء المتنامي في المجتمع البحريني السّنّي يمثّل العامل الرّئيس للخصام الدّبلوماسي بين قطر والحكومة البحرينية.

وفي شهر يوليو/تمّوز، وفي خطوة قد يعتبرها خصوم الحكومة البحرينية مثيرة للسخرية، اتّهم وزير خارجية البحرين علنًا الحكومة القطرية بتطبيق مشرع "تجنيس طائفي" عقب إقدام الجارة الخليجية على تجنيس الكثير من البحرينيين.

وفي المقابل، عدّلت البحرين قانون التّجنيس لديها من خلال فرض غرامات قاسية أو عقوبات أخرى على أي بحريني يحصل على جنسية دولة أخرى "سواء كان ذلك بملء إرادته أو من خلال تحريض الآخرين له، من دون الحصول على إذن مسبق من السلطات المعنية" أو في حال فشله في تحديث حالته وفقًا لأحكام القانون."

وفيما يشكل اعترافًا صريحًا بمخطّطات الحكومة القطرية، صرح وزير العدل القطري السّابق نجيب النعيمي ل"أخبار الدّوحة" أنه "كان على النّاس، من قبل، الانتقال للإقامة في قطر، والتّخلّي عن الجنسية البحرينية، ومن ثمّ الإقامة في قطر لمدّة ثلاث سنوات قبل الحصول على الجنسية القطرية، ولكنّ القرارات الآن أصبحت تصدر في 24 ساعة فقط."

وعلى الرّغم من أنّ القضية الأخيرة المتعلّقة بصلاح الجلاهمة، البحريني الذي اعتُقل بعد حصوله على الجنسية القطرية، انتهت بالإفراج عنه، فإنّ التّوتر لا يزال عاليًا إذ يستمر البحرينيون في النظر إلى قطر الثّرية كملاذ لهم بعيدًا من الاضطراب القائم في البحرين.

ويقول نبيل رجب إنّ "الرّاتب الاعتيادي أكثر بحوالى أربع إلى عشر أضعاف من راتب البحريني الاعتيادي. إنّه بلد يتمتّع بالاستقرار وباقتصاد مزدهر، وليس فيه عدد سكّان كبير فبدأوا بتوطين بعض البحرينيين."

غير أنّه أشار إلى أنّ الحكومة القطرية لم تكن ترغب في تجنيس الشّيعة.

"فالحكومة البحرينية غاضبة بسبب هذا الأمر وتقول بكل وضوح 'لما لا تأخذون الشّيعة؟‘"

ومنذ انطلاق الاحتجاجات في العام 2011، كانت الحكومة البحرينية قد أثارت صخبًا بشأن تعزيز الإصلاحات الديمقراطية في البلاد.

وفي شهر أغسطس/آب، أعلن نائب رئيس الوزراء الشيخ محمّد بن مبارك آل خليفة، في خطابٍ ألقاه في منتدى أصيلة الدولي في المغرب، أنّ دولته "قد تجاوزت مراحل عصيبة وهي عازمة كلّ العزم على الاستمرار بهذا المسعى بخطىً ثابتة."

"فممارسة الحكم على قاعدة ديمقراطية هي الطّريق الوحيد لتحقيق الأهداف العامّة."

وألمع مارك أوين جونز إلى أنّ إعادة بناء الشعب البحريني لتشكيل أكثرية موالية قد تستند إلى تحوّل محتمل في الحكم إلى ديمقراطية حرّة.

وقال إنه "يعتقد أنّ الحكومة تحاول فعل هذا الأمر، كما تفعل في محاولتها للتحديث والإصلاح عبر تشريع الإصلاحات الديمقراطية. تريد التّأكد من أنّها لن تكون مهدّدة بسبب التّوازن الطّائفي عندما تنفتح على السبل الديمقراطية."

النص الأصلي 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus