والد طالب الطب أحمد الطشاني: اعتقلوا ابني المتفوق لهدم مستقبله، والخاسر الوحيد هو الوطن!
2014-11-12 - 12:53 ص
مرآة البحرين (خاص): في عامه الجامعي الثاني، شاب يتقّد وجهه بالحماس والذكاء، وتلمع عينيه بحب العلم والتفوق. رغم حصوله على معدّل تراكمي قدره 97٪ في الثانوية العامة، لم توفر له وزارة التربية أية بعثة لدراسة الطب الذي يرغب فيه، أعطتها لغيره ممن هم أقل منه معدّلاً. فمنذ 2011، وبعد أن كشف الأطباء جرائم السلطة التي مارستها ضد المحتجين، صارت مهنة الطب مخيفة إلى السلطة، وصارت وزارة التربية تتلاعب ببعثات الطب قدر الإمكان، لتحرم منها أكبر قدر من الطلبة المتفوقين من فئة معينة من المجتمع.
هكذا وجدت عائلة الطالب أحمد فهد الطشاني (19 عاماً) نفسها مضطرة إلى توفير مقعد دراسي لابنها في جامعة الطب في القاهرة على حسابها الخاص. فمنذ 2011 أيضاً، ازداد شعور تلك الفئة المستهدفة بقيمة أن تتقوّى بالعلم، فهو سلاحها الوحيد الذي يمكنها أن تملكه وأن تراهن عليه، وصارت تتحدّى محاولة تجهيلها، وتحرص على تحصيل أعلى الشهادات. لن تحرِم عائلة أبنائها المتفوقين من نيل أفضل الشهادات ما دامت تستطيع، مهما حرمتها الدولة، ستحفر لتنال. وكان أحمد يستحق، لأنه كان يعشق الطب ويعشق التفوق.
هكذا ترينا كشوف درجاته المدرسية والجامعية، درجاته الكاملة أو شبه الكاملة تقول عن نفسها بنفسها.
ينتهز أحمد أية فرصة إجازة، ولو قصيرة، ليقضيها بين أحضان أهله ووطنه، فهو الوله بعائلته وتراب أرضه العبق. عاد في صيف 2014 لقضاء أجازته وشهر رمضان وعيد الفطر. كان يحمل معه وسام يهديه إلى والداه، فقد حصد المركز التاسع على دفعته من بين 450 طالباً في كلية الطب. انتهت العطلة الصيفية وعاد للقاهرة ليكمل عامه الدراسي الثاني. ومع اقتراب عطلة عيد الأضحى المبارك قرر العودة إلى البحرين واغتنام الفرصة للاحتفال بالعيد مع عائلته، قطع تذكرته وعاد، وليته لم يعد..
في مطار البحرين 7 أكتوبر، دخل أحمد وهو ينتظر أحضان عائلته تقلّه إلى البيت، لكنه تفاجأ بمفاوضات بين رجال أمن المطار تنتهي به إلى الاقتياد للسجن: ماذا هناك؟ لماذا أنا معتقل؟ الجواب الوحيد هو الضرب.
كان ليل أحمد طويلاً في إدارة التحقيقات الجنائية التي أخذ إليها، طوال ساعات الليل حتى صباح اليوم التالي ذاق أحمد أصناف التعذيب. هددوه بالاغتصاب وأسمعوه صوت الكهرباء التي ستصعقه إن لم يعترف بما يريدون، منع من الصلاة، أصيب بصداع متواصل بسبب منعهم له لبس نظارته الطبية طيلة 20 يوماً.
ماذا تريدون مني أن أقول؟ سأعترف بكل ما تريدون؟ فقط لا تعذبوني كفى.. كفى..
كان عليه أن يعترف أن قام بالتجمهر والشغب وحاز زجاجات حارقة (مولوتوف)، كلما حاول أن يخبرهم أنه يدرس في الخارج وهو غير موجود في البحرين إلا فترات الإجازات، إنهال الضرب عليه أكثر والتهديد والتعذيب. خرّ أحمد أخيراً تحت وطأة التعذيب واعترف بما يريدون، ومنها صار متهماً بثلاث قضايا أمنية، وبدل أن يعود لمقاعد دراسته غاب خلف قضبان السجن.
لم يأبه وكيل النيابة لشكوى أحمد من التعذيب الذي ناله في مبنى التحقيقات والذي أجبره على الاعتراف بما لم يقم به وقرر توقيفه أسبوعين وتحويله إلى المحكمة، ولم يأبه القاضي لرسالة التظلم التي رفعت إليه من قبل أسرته وقرر استمرار حبسه.
لا يعرف فهد الطشاني والد أحمد كيف يمكن لسلطة أن تزج بطالب متفوّق، كل همّه دراسته، هكذا إلى السجن بتهم كيدية هزيلة. يقول: "من الواضح أن الهدف من اعتقال ابني الذي لم ينشغل يوماً بغير دراسته هو هدم مستقبله وتخريب حياته، يريدون كسر همّة الشباب الوثابة تجاه المعرفة والعلم، لكن لا أحد سيستفيد من هذا الضياع، والخاسر الوحيد هو الوطن".
التفت والد أحمد وكأنه يوجه حديث إلى ابنه: "اهتمامك بدراستك وتفوقك هو دليل برائتك يا ولدي، لطالما كنت بعيدا عن السياسة وصخبها وكان جل اهتمامك بدراستك واجتيازك للسنة الأولى بامتياز مشرّف، ستعود ياولدي إلى مقعدك الدراسي لإكمال حلمك وحلمنا وحلم الوطن".
أما والدة أحمد التي وصفت ابنها بالهادئ والذكي، فقد أبدت تعجبها من استهدافه، خاصة أن سجله خالي من أي قضية سياسية بشهادة التحقيقات الجنائية ونتيجة فحص بصماته التي أجريت له للتسجيل للدراسة في الخارج، تقول: " كيف يزج أحمد في قضية سياسية مع 16 شخصا ليسوا من عمره ومعظمهم في المرحلة الإعدادية وبداية المرحلة الثانوية ولا تربطه بهم أية علاقة، ليس هناك أي سبب سوي استهداف مستقبله".