"داعش" بيننا
2014-11-13 - 9:23 م
مرآة البحرين (خاص): لماذا بيننا؟ لأن هذا الملف ليس فيه سر. جميع إحداثيّاته دارت في مرمى عيوننا. في الفضاء الافتراضي كما في الفضاء الواقعي. لقد عايشنا عملية صناعة "الوحش" بين ظهرانينا. لم يكن ثمة حرف كتيماً، ولا أيّ همسة. كل أيديولوجيا التطرّف جرى تخليقها أمامنا. كل تقاسيم "العصر الجهادي" نُثرت أمامنا بلغة السهل الممتنع. إن "داعش" بيننا الآن لأنها تُركت أن تشبّ بيننا. لغتها، توحّشها، فظاعتها، رموزها، تأويلها "البرّي" للأشياء والعالم، كلها استطالت حسيّاً أمام وعينا شاهراً ظاهراً.
نحن الذين هزّنا كلّ ذلك نقف مشدوهين لأنّ الدولة البحرينيّة بأجهزتها العتيدة لم يهزّها أي شيء من ذلك! ليس ثمة صدفة في الأمر. إن "داعش" - التي تخصّنا - صناعة تتوافر فيها كل قرائن القصديّة. لهذا هي بيننا الآن. هذا ما سنذهب إلى إقامة أدلّة عليه في هذا الملف.
إن أبطال "الفلك الجهاديّ" لم يكونوا غُفْلاً في أيّ يوم. إن الجزء الأكبر من فروضهم أُقيم على "التايم لاين". بأسمائهم المعرّفة؛ حتى الحركيّة، بصفاتهم المزخرفة؛ حتى الشخصيّة. هم أنفسهم لم يتركوا أيّة ثغرةٍ تمرّ من مساربها "الحزاوي" أو التكهنات. كانوا صرحاء، تماماً؛ وعلنيين، تماماً؛ و"تقدميين" في توظيفات الإنترنت، تماماً. حتى "طفش" من ذلك واحدٌ من أعلام "الجهاديّة"، أبو محمد المقدسي، شيخ تركي البنعلي وأستاذه. قال "ارتخاء أمني وسط شرائح المجاهدين جرّهم إلى استعمال وسائل التواصل بمختلف أنواعها بعد أن كان إخوانهم من قبل في منأى عن استخدامها".
على هذا، شاهدنا في خلال السنوات الثلاث الماضية، إعلانات "تجهيز الغزاة" تُنشر في الفضاء الرّقمي بالتواقيع المختومة. وشاهدنا تسلّل المتسلّلين إلى سوريا، وصورهم المملوءة خُيَلاء مع القذائف والرّشاشات. وشاهدنا سياحة الشيوخ وأنصاف الشيوخ، ومزاد "البُشوت" يدرّ نقداً وذهباً على حصّالات "الجهاد". وشاهدنا رايات "القاعدة" تصفِق بقوّة على مسافة أمتار من "السفارة". وشاهدنا قول القائل "استغلوا إجازة الصيف للجهاد في سوريا" (الحمد). وقائل "درّة قضيّة الإسلام اليوم في الشام" (المعاودة). وقائل "من استطاع منكم الانضمام إلى الجيش الحر فليفعل" (الحسيني). وقائل "مدوا الأيادي لبيعة البغداي" (البنعلي). وشاهدنا المونتاجات الفيلميّة من الأرض المباركة "شكراً لمموّلنا البحريني". والمونتاجات الفيلمية من الأرض المباركة الأخرى "رسالة إلى أهل السنّة". وشاهدنا "شرعيّنا" الهمام يلقّن حشداً من المصلّين الفقراء في الرقة "طاعة الخليفة في المنشط والمكره". هكذا، كل شيء كان سافراً. وبليغاً في علانيته حدّ الفجاجة!
وحين شرعنا في كتابة هذه التحقيقات، لم يكن ثمة شيء - مما بنينا عليه فرضيّاتنا الرئيسة - ليس في متناول أيّ أحد. كنّا أمام "داتا" ضخمة منثورة مفرداتها "آحاد" على شبكة الإنترنت. كان علينا تجميعها "عشرات ومئات وآلاف" وإعمال تقنيات التبويب والتصنيف عليها، ومن ثم وضعها وضعها في سياق. في قصة تتيح لنا قدراً من الفهم لما وظّفت السلطات البحرينية له كل جهازها الدعائي؛ حتى وقت متأخر من هذا العام، لأجل إنكاره."لا وجود لمؤيدين لتنظيم داعش بيننا". هكذا تحدّث واثقاً نائب رئيس مجلس الوزراء. إن مهمتنا تتلخص في أن نقول له: إن داعش بيننا. وهي بيننا اليوم إلى هذا الحد بسبب هذا اللون من الخطاب المتحذلق الذي ظلّ يكرّر فيما يشبه "كوميديا المجانين"؛ في حلٍّ من أية مسئولية "ليست بيننا"!