» رأي
وثيقة المنامة أعقلها وتوكل يا جلالة الملك
أنور الرشيد - 2011-10-13 - 6:54 ص
أنور الرشيد*
بعد صدور وثيقة المنامة يوم أمس لم يعد أحد يستطيع أن يزايد على وطنية أهل البحرين، لا ناصر الفضالة ولا سميرة رجب، فموقعو وثيقة المنامة قالوا للجميع إنهم ضد الدكتاتورية ومع الديمقراطية ولديهم الشجاعة أن يجهروا بهذا الرأي رغم كل القمع الذي يمارس ضدهم، وطالبوا الآخرين أن يمتلكوا الشجاعة أيضا ويطالبوا بالدكتاتورية، فهذا حقهم لماذا يخجلون منه؟!.
وثيقة المنامة التي وقعت عليها الجمعيات السياسية البحرينية، في حقيقتها هي وثيقة تمثل رأي الأكثرية من أهل البحرين وبطبيعة المجتمع البحريني الذي يمثل غالبيته من الطائفة الشيعية الكريمة يستخدم أعداء الديمقراطية والحرية هذه الفزاعة، لكي يبرروا أولا تمسكهم بالدكتاتورية المنتفعين منها وأنا هنا لا أشير إلى الطائفة السنية الكريمة، وإنما أشير إلى المستفيدين من النظام، والذين يتلقون منه الفتاة من العطايا، وهؤلاء منهم من الطائفة الشيعية و منهم من الطائفة السنية .وثانيا الصورة لم تعد ضبابية لأي مراقب أو حتى طالب سنة أولى سياسة بأن القضية ليست قضية طائفية وولاية فقيه أو جمهورية إسلامية وإنما ما ثبتته وثيقة المنامة التاريخية بشكل واضح وصريح ولا لبس به أن المطلوب هو دولة مدنية ديمقراطية، والوثيقة ترد بشكل حازم وواضح على أعداء الديمقراطية والحرية وأزلام النظام والنظام كله، وتقول لهم: إن كنتم تصفون المعارضة بأنها تمثل الشيعية فمعنى ذلك وحسب ادعائكم أن الطائفة الشيعية الكريمة تطالب بدولة مدنية ديمقراطية وهذا أمر محمود أليس كذلك!؟ وهذه شهادة لصالح الطائفة الشيعية وليس ضدها كما يحاول لسعيد الحمد ومن لفّ لفه من الإعلاميين البؤساء الذين باعوا ضمائرهم للشيطان، أن يصوروها للعامة والبسطاء.
من هنا، فالتخوف وزرع الهلع بنفوس البسطاء من الطائفة السنية، لكي يلجأوا للأسرة الحاكمة كملاذ آمن، لا مبرر له، ولكي أيضا تظهر الأسرة المالك بمظهر المحافظ على الأمن والسلم الاجتماعي، وهذا مخالف للحقيقة والوقائع، وإن كانت هناك جريمة ترتكب بحق هذا الشعب الطيب، فهي جريمة تمزيق النسيج الاجتماعي، وزرع الشقاق بين مكوناته وتصوير الآخرين على أنهم سوف يأكلون اليابس والأخضر وهذا أمر غير صحيح، والذي سيتحمل عواقب هذه الجريمة هي الأسرة المالكة، لأنها هي التي تملك السلطة بيدها وهي التي تسير أمور المملكة وهي المسئولة عن الأمن والسلم الاجتماعي، لا أحد غيرها، وإن أرادت إلقاء اللوم على المتطرفين، فهؤلاء تطرفوا لأن الأسرة المالكة هي من هيأت لهم ظروف التطرف من خلال الإقصاء والنفي والتعسف والاستبداد.
يكفينا اليوم أن نسمع عن وجود جاليات بحرينية بالمنافي، فهي الدولة الوحيدة من دول مجلس التعاون الخليجي التي لديها جالية في أوربا وأستراليا، وستظل الحقيقة في هذا الصراع المستمر منذ عقود طويلة بين الأسرة المالكة الحاكمة وبين الشعب البحريني هو صراع على تقاسم السلطة وليس على كرسي المملكة، وأخشى ما أخشاه أن يرتفع سقف المطالبة بقدر ارتفاع منسوب الدماء التي تنزف يوميا بقرى وأزقة المنامة وقرى المحرق، فالأسرة المالكة تمسك كل خيوط اللعبة بيدها، فهي تمسك السلطة والثروة، ولا تريد إن يقال لها ثلث الثلاثة كم؟
شيء غريب في مثل هذه الظروف ألا تتواكب هذه الأسرة مع متطلبات العصر والمستجدات الإقليمية والدولية، وأرجو أن تعي الأسرة المالكة البحرينية بأن الأمور اختلفت، ولم تعد كما كانت قبل البوعزيزي ونذكرها بأن ثلثي شعوب المنطقة العربية قد تحررت من الأنظمة القمعية الدكتاتورية، فتونس عشرة ملايين ومصر خمسة وثمانون مليونا، وليبيا ستة ملايين واليمن خمسة وعشرين مليونا وسوريا اثنان وعشرون مليونا، يعني بحسبة بسيطة نجد أن مائة وخمسين مليون مواطن تحرر من الأنظمة القمعية الاستبدادية، من أصل مائتين مليون.
يعني لم يتبق إلا القلة القليلة وستصل لحريتها آجلا أم عاجلا وهو تطور يأتي في سياقه الطبيعي ووثيقة المنامة لم تخرج عن هذا الإطار، و الث نقطة وهي الأهم هي التجربة الماثلة أمامنا اليوم، فمن وقف ضد التغيير وحاول أن يصد هذه الرياح اكتسحته هذه الرياح وألقت به. أما في المنافي أو بالسجون والحظيظ منهم مختبئ في حفرة، فكيف نستفيد من هذه التجارب الحية التي أمامنا؟
اليوم الأسرة المالكة البحرينية استخدمت كل أنواع العنف ضد شعبها وكل يوم يمر وتنزف به قطرة دم واحدة تتوسع به الهوة وتتعمق حتى يصبح ردمها لاحقا وبعد فوات الأوان صعب جدا، وقد لا تردم هذه الهوة لأنها امتلأت بالدماء نتيجة عدم قدرة قرارها على استيعاب المزيد من الدماء، وبالتالي تفيض الدماء حتى يغرق بها الجميع والخاسر الأكبر هنا الأسرة المالكة، التي ستفقد عرشها بينما الشعب سيبقى ولم يخبرنا التاريخ أن مملكة ما بالتاريخ قد بقيت بها أسرتها الحاكمة، بينما شعبها هو الذي فقد ظله.
اليوم وبعد صدور وثيقة المنامة التي ترى أن نظام وست منستر هو الضامن الوحيد والحقيقي للاستقرار الأبدي للأسرة المالكة، أفهمها بحسي السياسي بأنها دعوة للتعقل والتبصر والنظر للموضوع نظرة جدية تتواكب مع تطلعات الشعب، وكأنها تطلب من الأسرة المالكة ألا تقفز عن تلك التطلعات والتحليق والسباحة بأحلام لم يعد واقع اليوم يتقبلها.
أنا أرى بأنه ما زال بالوقت متسع لتدارك كل الأخطاء التي ارتكب أبان الحقب وأقول وأؤكد على الحقب الماضية وحتى الأمس القريب، فسبق وقلناها ونكررها لن تجد الأسرة الحاكمة أفضل من شعبها لحمايتها من عاتيات الزمن وأكرر أيضا بأن من ينصح الأسرة الكريمة بأن تتعامل مع شعبها بالحديد والنار وكأنهم يعيشون بالقرون الوسطى، فهم لا يريدون الخير لهم وإنما يريدونهم أن يغرقوا أكثر وأكثر بدماء شعبهم، لكي تترابط وتتشابك وتتعقد الأمور، ولكي تكون الأسرة المالكة رهينة لدى الغير ومدانة ببقائها على الكرسي له.
اعقلها وتوكل يا جلالة الملك، فوثيقة المنامة اليوم تؤكد على تمسكها بما طرحه ولي عهدك، وهي فرصة ومناسبة جيدة لحذف الماضي الأليم من تاريخ لم يعد أحد قادر على مسحه إلا بقرار تاريخي، وأنت الوحيد القادر على اتخاذ هذا القرار التاريخي، والأمر منوط بيدك أنت وليس بيد أحد آخر، فهل نرى هذا القرار التاريخي الشجاع في القادم من الأيام؟
يا جلالة الملك،
لا أحد يضمن الظروف وتغير المصالح، فليكن هذا القرار بيدك لا بيد عمرو حتى وإن كان به بعض الألم ولكنه ألم مؤقت، سريعا ما سيزول وأسرع مما تتصور. عندما تخرج الجماهير من شعبك رافعة صورتك يهتفون باسمك ويدعون لك لا عليك، أم أنك ستنتظر تبدل نظام كامل عندما تتغير الظروف الدولية وتتبدل مصالح الدول الكبرى وتتغير بها اتجاهات الرياح، لتستقر على شواطئ المنامة، دولة ديمقراطية تعددية يكون بها مبدأ المواطنة سيد الموقف ودولة القانون، هي التي تحكم والعدل هو الفاصل بين الخطأ والخطيئة.
Zwayd2007@Gmail.com
* كاتب كويتي، الأمين العام للمنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني
**ينشر بالتزامن مع منتدى حوار الخليج