معهد واشنطن يرى أن اعتلال صحة خليفة بن سلمان تجعل من إعادة تعيينه تدبيراً مؤقتاً

2014-12-05 - 8:04 م

مرآة البحرين: قال مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن وزميل بيكر الباحث سايمون هندرسون إن البحرين تشهد موجة من الأحداث قد يكون لها تأثير كبير على السياسة الداخلية في المستقبل وعلى علاقاتها مع الولايات المتحدة.

وأشار هندرسون إلى الانتخابات النيابية التي أُجريت في 22 نوفمبر/تشرين الأول واصفاً مجلس النواب بأنه صاحب صلاحيات محدودة، مشيراً إلى مقاطعة الوفاق التي فازت بثمانية عشر مقعداً في انتخابات 2010، وجماعات أخرى للانتخابات احتجاجاً على عدم إحراز تقدم في "الحوار الوطني" الذي يشمل الأسرة الحاكمة السنية.

وأضاف هندرسون إنه في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، داهمت قوات الأمن أحد منازل الشيخ عيسى قاسم، الزعيم الروحي لـ "الوفاق"، وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني، عُقدت جولة الإعادة في الانتخابات؛ وفي اليوم التالي، طلب الملك حمد من خليفة بن سلمان آل خليفة - الذي يبلغ من العمر 79 عاماً ويشغل منصب رئيس الوزراء باستمرار منذ عام 1970 - تشكيل حكومة جديدة، كما أجرت صحيفة "فاينانشل تايمز" مقابلةً طويلة في 1 ديسمبر/كانون الأول مع وزير الخارجية خالد بن أحمد آل خليفة، أعلن فيها عن تشكيل قيادة عسكرية خليجية مشتركة تهدف إلى التصدي لإيران والعمل مع الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش»، أما في 5 ديسمبر/كانون الأول، فسينطلق مؤتمر دولي كبير في المنامة، من المرجح أن يحضره كبار المسؤولين في الحكومة والجيش الأمريكي، متسائلاً هل سيعزز الوجود الأمريكي النظام السياسي البحريني المليء بالعيوب أم سيتغنى بتعاون عسكري أكبر؟

واعتبر هندرسون إن واشنطن هي عادة الطرف الذي يضبط إيقاع العلاقات الثنائية، من خلال سعيها إلى تحقيق توازن بين رغبتها في إحلال حريات ديمقراطية أكبر في البحرين وبين مصلحتها في الإبقاء على مقر الأسطول الخامس الأمريكي. أما الآن، فتحاول البحرين السيطرة على العلاقة التي يطغى عليها التوتر منذ أن دفعت المظاهرات في أوائل عام 2011 إلى استقالة أعضاء البرلمان الممثلين لـ جمعية "الوفاق". وقد اتسمت العلاقات بين البلدين بالتوتر بصورة خاصة منذ يوليو/تموز الماضي، عندما طردت الحكومة البحرينية، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، توم مالينوفسكي الذي كان يزورها، لأنّه أغضب على ما يبدو الملك حمد بسبب اجتماعه بأعضاء من المعارضة الشيعية قبل مقابلة أي من نظرائه في الحكومة البحرينية. وعلى الرغم من أنّه بدا أنّه قد تم تسوية ذلك الخلاف أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، إلاّ أنّ جميع محاولات مالينوفسكي لإعادة زيارة البحرين قد باءت حتى الآن بالفشل.

وأوضح هندرسون أن البنية السياسية في البحرين والمتمثلة في الحكومة تهيمن عليها الأسرة الحاكمة، التي يشكل أفراد العائلة فيها حوالي نصف الأعضاء والتي أصبحت حالياً حكومة تصريف أعمال. ويحكم الملك حمد (البالغ من العمر أربعة وستين عاماً)، في حكومة ثلاثية مربكة إلى جانب عمه خليفة بن سلمان ونجله البكر، ولي العهد سلمان بن حمد (45 عاماً)، الذي هو أيضاً النائب الأول لرئيس الوزراء. ويُذكر أنّ صوراً لهؤلاء الثلاثة تُرفع في جميع أنحاء المنامة وفي المكاتب الحكومية.

ويكمن التوتر الرئيسي في علاقة الثلاثة حسب هندرسون في التردد المتكرر للملك ومهارات رئيس الوزراء في التعامل مع الناس؛ أما من الأمور الثانوية المسببة للتوتر فهي رغبة ولي العهد في إجراء إصلاحات سياسية على نطاق لا يؤيده بتاتاً خليفة بن سلمان. ومع أن سائر العائلة المالكة لم تتصدَ قط لسيادة الملك، إلاّ أنّ أفرادها يميلون إلى الانقسام حول هذه المسألة السياسية، علماً أن المعسكر الأكثر أهمية في هذا الإطار هو مجموعة الخوالد المتشددة التي تضم القائد العام لقوة دفاع البحرين خليفة بن أحمد بن سلمان آل خليفة وشقيقه وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد بن سلمان آل خليفة.

وقد حملت صحيفة "جولف دايلي نيوز" التي تصدر باللغة الإنجليزية وتعكس بشكل وثيق تفكير الحكومة، عنواناً رئيسياً على صفحتها الأولى هو "حان وقت التغيير" إلى جانب صورتين للملك ورئيس الوزراء. وتُظهر نتائج الانتخابات على الأقل تغييراً في مجلس النواب، (أعضاء "مجلس الشورى" يعيّنون مباشرة من قبل الملك). إن ثلاثة أرباع الأعضاء المنتخبين حديثاً هم وجوه جديدة. كما يلاحظ غياب حركة "الوفاق" وانخفاض تمثيل مناصري جماعة «الإخوان المسلمين» وغيرها من الجمعيات السياسية السنية.

أما الحدث السياسي الهام التالي في البحرين وفق هندرسون، فهو إجراء انتخابات داخلية في "الوفاق" هذا الأسبوع. وكانت محكمة بحرينية قد منعت الجمعية من المشاركة في أي انتخابات في أكتوبر/تشرين الأول لخرقها قوانين الحكومة المتعلقة بالجمعيات السياسية، على الرغم من أنّ الحركة كانت قد أعلنت عن مقاطعتها للانتخابات سابقاً، وقد سارع عندئذٍ وزير العدل إلى تعليق الحظر لثلاثة أشهر للسماح على ما يبدو لـ "الوفاق" بإجراء انتخاباتها الداخلية المخططة. ولكن، إذا كانت المنامة تأمل أن يدفع تهميش الجمعية لذاتها إلى تغيير في قيادتها، فسيخيب ظنها على الأرجح. فعلى الرغم من جدل "الوفاق" الداخلي حول المقاطعة وإدراكها لاحقاً أنّ ذلك ربما كان خطأ ارتكبته، يتوقع أن يُعاد انتخاب الشيخ علي سلمان وخليل المرزوق لمنصبي الأمين العام والناطق الرسمي على التوالي. وتنظر الحكومة إلى كلا الرجلين بأنهما غير مستعدين للمساومة.

ويشير عمر رئيس الوزراء واعتلال صحته برأي هندرسون إلى أنّ إعادة تعيينه ليست سوى تدبيراً مؤقتاً لسد الفجوة القائمة. فعلى الرغم من إسداء المسؤولين الأمريكيين المشورة للملك بإزالته منذ عقود، لا يظهر خليفة بن سلمان أي رغبة في التنحي عن منصبه، ويصور المقربون منه إمكانية رحيله بالمثل الفرنسي الأصل "أنا ومن بعدي الطوفان". ونشهد الآن منذ بضعة أشهر حملة صامتة داعمة له بملصقات كبيرة تبين صورته مع العبارات "الشعب. خليفة بن سلمان. خط أحمر"، للإشارة إلى أنّ التخلص منه سيشكل خطوةً مبالغاً فيها. ولكن، إذا ما رحل بالفعل، يمكن لعدد من أفراد العائلة الملكية الذين يشغلون حالياً مناصب نواب رئيس الوزراء أن يحلوا محله وهم:

· ولي العهد سلمان الذي من المرجح أن يعمل على تنفيذ برنامجه الإصلاحي وسط معارضة من المتشددين.

· محمد بن مبارك آل خليفة (البالغ من العمر 79 عاماً)، النائب الثاني الأقدم من بين نواب رئيس الوزراء بعد سلمان والذي يعتبر شخصية توفيقية وكان في السابق وزير خارجية لفترة دامت خمسة وثلاثين عاماً حتى عام 2005.

· علي بن خليفة آل خليفة، نجل خليفة بن سلمان.

· خالد بن عبدالله آل خليفة، المرشح المفضل لدى الخوالد المتشددين.

دور تنظيم «الدولة الإسلامية» وإيران

إن ظهور «داعش» في سوريا والعراق وتشكيل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، قد سمح للمنامة بإضفاء بعد جديد مختلف إلى علاقتها مع واشنطن. فقد شاركت طائرات "إف-16" بحرينية في ضربات جوية ضد مواقع لـ «داعش» في سوريا، وقد كان مقر الأسطول الخامس في الجزيرة في صميم أعمال بحرية ذات صلة. ويبدو الآن أن إعلان وزير الخارجية خالد عن قيادة إقليمية جديدة لتنسيق السياسة الخليجية ضد «داعش» وإيران يشكل خطوة إضافية في هذا الاتجاه - وربما طريقة لصرف انتباه القادة في الغرب ودول الخليج العربية عن التواترات السياسية الداخلية في البحرين.

لقد أثارت مقاطعة "الوفاق" للانتخابات غضب وزارتي الخارجية الأمريكية والبريطانية التي اعتبرتا هذه الخطوة فرصةً ضائعةً لتهدئة الأحوال السياسية المضطربة في البحرين. كما أنّ حليفتا المنامة - السعودية والإمارات - متلهفتان أيضاً من هدوء السياسة الداخلية في الجزيرة؛ وكان كلا البلدين قد أرسلا قوات أمن لدعم الحكومة خلال أعمال الشغب التي وقعت في شوارع البحرين عام 2011. وتشعر الرياض بالقلق بشكل خاص لأنّ الجهاديين المرتبطين بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» قتلوا شيعة سعوديين الشهر الماضي في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في المملكة العربية السعودية والتي يربطها جسر بالبحرين. فإذا ما وقع حادث مماثل في الجزيرة، فقد تترتب عنه عواقب كارثية على العلاقات المتوترة بين الطائفتين السنية والشيعية. كما أنّ عائلة آل سعود متخوفة أيضاً من انتقال عدوى الاضطرابات البحرينية إلى الطائفة الشيعية فيها.

هذه هي خلفية "حوار المنامة" المتوقع أن يُجرى في نهاية هذا الأسبوع، وهو مؤتمر سنوي تستضيفه البحرين وينظمه "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" الذي مقره في لندن. وأثناء المؤتمر ستسعى المنامة إلى التفاخر بدورها في التحالف ضد «داعش»، بينما ستؤكد أيضاً على التهديدات التي تمثلها إيران النووية والتي تلقي اللوم عليها لإثارة الفتنة بين سكانها الشيعة. أما النقطة الثالثة، فستكون نظام البحرين السياسي الذي ربما تعتبر انتخابات الأسبوع الماضي حلاً قصير المدى له. غير أنّه ليس واضحاً بتاتاً إلى متى سيبقى الوضع مستقراً.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus