الملك إلى وزير استخباراته: أنا قلق على ولي عهدي
عباس بوصفوان - 2011-10-25 - 7:13 ص
عباس بوصفوان*
عادة، يستيقظ الملك حمد بن عيسى آل خليفة من نومه منتصف النهار، حوالي الساعة الثانية عشرة أو الواحدة ظهرا. يبدأ اجتماعاته بعد ساعة من ذلك تقريبا، وتستمر حتى السادسة مساء. وتتواصل اجتماعاته في المساء مع الدائرة المحطية به.
أول لقاءاته تكون عادة مع رئيس جهاز الأمن الوطني (وزير الاستخبارات) الزميل السابق الشيخ خليفة بن عبدالله آل خليفة، الذي كان يرأس جهاز الإذاعة والتلفزيون والإعلام الخارجي.
يقدم وزير الاستخبارات تقريرين إلى الملك:
ـ تقرير عن مستجدات الشأن المحلي والعربي والدولي.
ـ تقرير ثان عن الأسرة الحاكمة.
في إحدى اللقاءات الأخيرة، ركز الملك ـ كعادته منذ انطلاق انتفاضة 14 فبراير ـ على التقرير الثاني، ووضع الأسرة الخليفية والارباكات التي تلفها، في ظل تحديات محلية وإقليمية غير مسبوقة. في اللقاء، أظهر الملك قلقا غير مسبوق على ابنه البكر الشيخ سلمان.لم يذكر كلمة القتل أو محاولة الاغتيال، لكنه قال إن هواجس قلق تراوده على حياة ولي عهده.
أكد وزير الاستخبارات أن ذلك يأتي على أولوية اهتمام الجهاز الأمني، وأن وزارة الداخلية والجيش والحرس الوطني في الصورة إزاء ذلك.يحاول بذلك المسئول الأمني امتصاص قلق الملك، الذي يبدي خوفا مضاعفا على الشيخ سلمان، مرة لأنه ابنه، وشعور الأب تجاه الأبناء لا يختلف عند ملك عن عامة الناس.
بيد أن خوف الملك يأتي أيضا من كون سلمان ابنه البكر ويشغل منصب ولاية العهد الذي يفترض به أن يحمل لواء العائلة الحاكمة، بعد عمر طويل ومديد للملك.الإشكال الكبير، أن القلق على سلامة ولي العهد لا يأتي من صوب المعارضة، بما في ذلك الأجنحة التي توصف بالتشدد أو الممانعة في البحرين.
وإذا أخذنا بالاعتبار، كون المعارضة تجد في ولي العهد نمط اعتدال مقارنة بغيره من المتشددين في العائلة الحاكمة، فإن ذلك يجعل الملك ووزير الاستخبارات يدركان أكثر من غيرهما أن الخوف على الشيخ سلمان يأتي من مكان آخر.
ودون مواربة، يأتي القلق على ولي العهد من جماعات التطرف، داخل جماعات الموالاة، الذين ينظرون للشيخ سلمان بن حمد على أنه ليبرالي منفتح، وقدم أفكارا إلى المعارضة، في 13 مارس الماضي، قد تغير من هيكلة السلطة، إذا ما كتب لها النجاح. (اقرأ مقالتي: من أقصى ولي العهد خارج الحوار الوطني)
بالنسبة لهؤلاء المتطرفين، فإن ولي العهد، كما المعارضة، خطر محتمل على مصالح قائمة وغزيرة، وقد يتم الإخلال بها إذا ما تمكنت عقلية معارضة من الوصول إلى تفاهمات مع الحكم، تحيل النقاط السبع التي أعلنها ولي العهد واقعا.
وتقضي مبادرة ولي العهد، بإقامة حوار وطني يناقش سبع نقاط رئيسية: مجلس نواب كامل الصلاحيات، حكومة تمثل إرادة الشعب، دوائر انتخابية عادلة، التجنيس، محاربة الفساد الإداري والمالي، أملاك الدولة، معالجة الاحتقان الطائفي.
وتم إعلان هذه المحاور بعد نقاشات مطولة مع الجمعيات السبع بقيادة أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان.
إنها نقاط تتعاطى مع تطلعات المعارضة في تحول ديمقراطي يفضي إلى ملكية دستوية، تقلص صلاحيات العائلة الحاكمة وصولا إلى ملك يملك وشعب يحكم عبر المؤسسات المنتخبة.
إزاء ذلك، يزداد خطر ولي العهد عند أطراف التشدد في المملكة العربية السعودية والعائلة الحاكمة والموالين، بالنظر إلى احتمالات وصول ولي العهد لسدة الحكم بشكل فجائي، وقبل يتمكن والده الذي يحيط به العسكر من لجم الحراك الشعبي، عبر الخيار الامني، أو عبر التفافة سياسية.
أبلغ وزير الاستخبارات الملك حمد أن الأسماء المتوقعة للقيام باعتداء محتمل ضد الشيخ سلمان مرصودة، وكأن الوزير كان يعلم بالأمر، أو ربما أبلغه الملك في يوم سابق عن تحضير هذه القائمة.
تلقف الشيخ حمد القائمة، قرأ الأسماء ومن بينها شخصيات معروفة وقريبة، تنهد الملك، هز برأسه، وكأنه يبدي موافقة على ما ورد فيها، ردها وطلب تجديدها وتدقيقها وإعطائه قائمة جديدة مصنفة بحسب درجة خطورة كل شخصية، على أن تتضمن الإجراءات التي ستتخذها الاستخبارات لحماية ولي العهد.
عادة ما يطلب الملك إيضاحات عن أمور معينة حين يقدم له وزير الاستخبارات التقرير اليومي، والذي يتم عادة بوجود وزير الديوان الملكي وربما السكرتاريا التي تسجل محضر الاجتماع.
بدا وزير الاستخبارات وكأنه يأمل ألا يتم الحديث حول هذه النقاط الحساسة خلال هذا الاجتماع، لكن ربما أراد الملك إيصال قلقه إلى المحيطين به. في فترة سابقة من ذلك، وفي اجتماع خاص تم مناقشة فرص الانقلاب داخل العائلة الحاكمة.
والخلاصة التي خرج بها الملك مع وزير استخباراته وولي العهد الذي كان حاضرا هذه الجلسة، أن إمكانات الحرس الوطني أو وزارة الداخلية للقيام بحركة انقلابية تبدو متلاشية. وينطبق ذلك على الجيش لأسباب أخرى.
يدرك الملك ذلك، لكن السيناريوهات وضعت جمعيها على الطاولة في ظرف استثنائي وغير متوقع. وفي ظل وضع مأزموم، تم إحالة اتخاذ القرارات الكبرى إلى المجلس الأعلى للدفاع، ومجلس العائلة الحاكمة، بما في ذلك أي قرار يتعلق بإزاحة محتملة لرئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة من منصبه الذي يشغله منذ أربعين عاما، وذلك لضمان توافق أجنحة العائلة الحاكمة المتنافسة. (راجع مقالتي: لماذا التشدد في رفض إقالة رئيس الوزراء) (ومقالتي: إزاحة الشيخ خليفة الوشيكة ونظام عصي على الإصلاح)
ويشاع أن تغيير رئيس الوزراء الشيخ خليفة قد يكون أجل إلى 2014، كحل وسط بين أن يطاح به حاليا، وتسجل المعارضة نصرا حاسما، أو أن يبقى مدى الحياة، كما يتطلع الشيخ خليفة والمحافظون من حوله. (راجع مقالتي: الشيخ حمد.. الإطاحة بعمه بديلا لتسوية تاريخية)
توقع وزير الاستخبارات أن يعتبر الملك تقليص صلاحياته أمرا مفهوما في ظل ظرف استثنائي، وتوقع أن يبدي الملك ارتياحا من كون البدائل داخل العائلة الحاكمة محدودة ومعقدة عند تدارس احتمالات الإطاحة به، وهو الذي يتذكر دائما أن البريطانيين أطاحو بالشيخ عيسى بن علي واستبدلوه بابنه حمد في العشرينات من القرن الماضي، عندما تلقت المملكة العظمى حينها شكوى من الظلم الواقع على المواطنين. (راجع مقالتي: الخطأ الاستراتيجي: نظام يُعفي الأكثرية الشعبية من الالتزام بمقتضى شرعيته)
في مساء ذلك اليوم الاستثنائي، عقد المجلس الأعلى للدفاع جلسة استثنائية، انتهت بإعلان قدوم قوات سعودية تحت غطاء درع الجزيرة، كحل يحيل القرار إلى الشقيقة الكبرى، باعتبارها الراعي للحكم الخليفي في البحرين، وبما يحفظ التوزان داخل العائلة الحاكمة التي لم تمر سابقا بهذا النوع من التحديات.
بعد هذه الجلسة، التي أعقبها بيوم إعلان حالة الطوارئ، ودخول قوات سعودية، نصح الملك ابنه سلمان بالحذرالشديد، والتقرب من الرياض، والجماعات الموالية في المنامة، وإبداء مرونة كبيرة مع الجناح المتشدد في العائلة والموالين، والالتزام بتعليمات المحافظين في الديوان والجيش والمخابرات وأجهزة الأمن ورئاسة الورزاء، ودعم الإجراءات العنيفة التي ستتخذ ضد المشاركين في الاحتجاجات السليمة، بما في ذلك القيام بعمليات فصل تعسفي في الشركات الكبرى: شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، وشركة نفط البحرين (بابكو)، وطيران الخليج وحلبة البحرين وكل الدوائر والشركات ذات الصلة بولي العهد، الذي يدير الملف الاقتصادي في البحرين. وقد تم ذلك فعلا خلال مارس وابريل الماضيين.
كما قام ولي العهد لاحقا بتسليم شركة ممتلكات (الذراع الاستثمارية للبحرين) إلى الجماعات المحافظة في النظام، عبر تعيين وزير ديوان رئيس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة رئيسا لمجلس الإدارة.
واستسلم ولي العهد لضغوط التجار الموالين الذي يشكلون عادة صدى للمحافظين في العائلة الحاكمة، عبر التخلي عن مشروع إصلاح سوق العمل، وتغيير رئيسه التنفيذي علي رضي، وإحالة نصف المبالغ التي يجمعها صندوق العمل إلى مجلس الوزراء، خلافا للصيغة الأساسية للمشروع التي تقضي بضخ المال في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفي تدريب المواطنين في محاولة لعلاج مشكل البطالة.
يشفق الملك أكثر من غيره على ابنه. كونه (الملك) هو الذي وافق على ما بدا لاحقا أنها مشكلة، ربما لم تكن متوقعة بهذا الحجم.
واحدة من أسباب الخطر الذي يواجه ولي العهد أنه قُدم في 18 فبراير الماضي، على شاشة تلفزيون البحرين، كمعتدل وداعية حوار وربما صديق للمعارضة، بعد هجوم دام على المعتصمين السلميين في دور اللؤلؤة.حينها دعا ولي العهد للتهدئة والحوار وانسحاب الجيش.
في هذا الوقت كان الملك يستعد لتوجيه ضربة قاصمة للمعارضة، أو تشتيتها عبر إدخالها في حوار لن ينتهي، فيما سيناريو إغراق البلد في العنف الأهلي قد بدأ الإعداد له فعليا.
في هذه اللحظات تحديدا كان قرار تشكيل تجمع الوحدة قد اتخذ في دوائر التشدد في الديوان الملكي.
وبين منتصف فبراير ومنتصف مارس، تم ترويج أن ولي العهد حمامة سلام، ما قربه للمعارضة، وأبعده عن الموالاة، الذين صدموا بإعلانه نقاطا سبعا اعتبروها تنازلا تاريخيا.
وفي هذا الوقت تحديدا اتخذ قرار دخول قوات سعودية للمنامة، فيما كان الملك يأمل في الأساس أن تكون النقاط السبع خط رجعة في حال لم يتمكن الحل الأمني من إجهاض الحالة الشعبية المتنامية، وفي حال مضت مسيرة الأحداث الاقليمية نحو إسقاط الأنظمة.
ودون شك، لم يكن الملك يتوقع توريط ابنه وولي عهده إلى هذا الحد. لكن تصوير الإعلام الرسمي والدولي وخطابات المعارضة للشيخ سلمان على أنه رجلا ليبراليا، أظهره أمام خصومه في العائلة الحاكمة والموالين كحليف لـ "الأعداء والخونة"، وذلك يضعه على قائمة "المطلوبين" لدى المتشددين المدعومين سعوديا.
سيكون لازما مع حلول مايو والأشهر التالية أن يعاد تسويق ولي العهد كجزء من النظام المتحالف مع السعودية، والحريص على أولوية العلاقة مع الموالين وحفظ مصالحهم.. بيد أن فشلا ذريعا أصيب به هذا برنامج إعادة رسم صورة الشيخ سلمان في ذهنية الموالين، مازال يبقي الهواجس عند الملك على ولي عهده.
* صحفي بحريني.