هل يمكن أن يعض "الكلب الإنجليزي" صاحبه الأمريكي؟
2015-01-20 - 4:20 م
مرآة البحرين (خاص): تذيّل التقارير الأخبارية الدولية عن البحرين اليوم، بأنها موطن "الأسطول العسكري الأمريكي الخامس". ويعرف العالم والتاريخ، أن الامبراطورية البريطانية في الخليج، استبدلت بـ"قاعدة" أمريكية، تناغما مع قواعد اللعب السياسية الجديدة بين القوى العظمى، والتي تغيّرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بصعود النجم الأمريكي.
فهل يمكن أن تصنع منشآت من 15 مليون جنيه إسترليني، دفعتها البحرين، وبضعة سفن بريطانية، تغييرا في قواعد هذه اللعبة؟ وهل يمكن أن تتحقق أوهام ديفيد كاميرون في عودة "الإمبراطورية" بناء على "دعوة" هذه المرة؟ وفي الأخير، هل يمكن أن يعض "الكلب الإنجليزي" صاحبه الأمريكي؟
لقد بدا أن البريطانيين سارعوا باقتناص فرصة التوتر بين حكام البحرين والأمريكيين، حسبما يقول مقال في موقع هافينغتون بوست، وتوّج ذلك في إعلان توقيع اتفاقية جديدة بين لندن والمنامة، في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2014، تقضي بإنشاء قاعدة بحرية جديدة لبريطانيا على سواحل البحرين. أراد الملك البحريني أن يحتفل بمرور 200 سنة على بداية التاريخ الاستعماري بطريقته الخاصة كما أعلن صراحة، ولن تكون هناك طريقة أفضل من اتفاقية جديدة، تذكّر بالاتفاقية الأولى التي احتّلت بها بريطانيا سواحل الخليج، في العام 1816.
قبلها بأكثر من عام، وأمام الملكة إليزابيث، كرر ملك البحرين على البريطانيين سؤال والده عيسى بن سلمان آل خليفة حينما قرروا إنهاء حقبة استعمارهم للبحرين "من طلب منكم الرحيل؟!" كانت تلك المرّة الأولى التي يكشف فيها عن هذا التصريح التاريخي، لكن المفاجأة هي أن عيسى بن سلمان طالب القوات الأمريكية في ذات الوقت بالرحيل عن البلاد، وفقا لوثيقة تاريخية رفعت عنها السرّية مؤخّراّ! وكشفت الوثيقة أن البحرية الأمريكية تلقّت إشعارين رسميين بالإخلاء من الحكومة البحرينية عامي 1973 و1975، في أعقاب انسحاب القوّات البريطانية عام 1971، لكنّها رفضت الانسحاب من البحرين!
لم يرد الملك، أن توفر له بريطانيا الأمن والدعم السياسي فقط، بل كان يريد أن يرجع التاريخ 40 عاما، ليذكّر الولايات المتّحدة أن آل خليفة لم يكن ليرحّبوا بهم أبدا!
حساب السيادة، لم يطرأ على بال آل خليفة أبدا، طوال مدة حكمهم للبلاد. تاريخيا، ما كان يشغلهم هو استغلال صراع الدول العظمى على النفوذ في البحرين، لصالح بقاء حكمهم. ولا يبدو أن بريطانيا نسقت عودتها إلى البحرين مع الأمريكيين، وفقا لحسابات مناطق النفوذ، ولم يبدي سفير الولايات المتحدة توماس كراجيسكي ترحيبا واضحا بوجود البريطانيين.
القاعدة البحرية الأمريكية في البحرين |
وفي سياق التاريخ، فقد رفضت بريطانيا في زمن "الاستعمار" السماح لواشنطن بفتح قنصلية في البحرين، رغم أنها كررت طلب الإذن من بريطانيا للقيام بذلك منذ العام 1942، وفقا لوثيقة أخرى كشف عنها حديثا، ولعل سبب رفض البريطانيين طلبات الولايات المتحدة المتكررة في تأسيس قنصلية أمريكية في البحرين يرجع لعدم رغبة البريطانيين في إتاحة منفذ إلى البحرين لأي دولة أجنبية أخرى حتى لأقرب حلفائها، حسبما يرى محللون.
إذن، هل أتاحت الولايات المتحدة لبريطانيا منفذا إلى البحرين اليوم؟ بخلاف ما فعلته بريطانيا في أربعينات القرن الماضي؟ أم أن ذلك جاء في سياق ما وصفه الضابط السابق في المخابرات الأمريكية إميل نخلة بـ "اللعبة السخيفة" التي يلعبها الملك حمد بن عيسى آل خليفة في دق إسفين بين لندن وواشنطن.
استاء الملك من مواقف واشنطن، ووجد المتنفّس في لندن. لعب الملك على التمايز بين موقف الدولتين الحليفتين من الاضطرابات في بلاده، وبدأ لعبته ببناء علاقة شخصية خاصة مع السفير البريطاني أيان ليندزي، في مقابل تشجيع الموالين السنة، على مهاجمة السفير الأمريكي توماس كراجيسكي.
أمّا ولى العهد، الذي يصنفه الغربيون بأنّه إصلاحي، فقد وجّه "صفعة على الملأ" للولايات المتحدة الأميركية حينما استثناها، خلال كلمة له في منتدى دولي بالمنامة، من شكر الدول التي دعمت بلاده في مواجهة الانتفاضة، بعد أن ذكر بريطانيا تحديدا. ولاحقا وصف ولي العهد الولايات المتحدة بأنها مصابة بـ "الشيزوفرينيا" في تعاملها مع حلفائها.
القاعدة البريطانية القديمة في البحرين |
بريطانيا بدت سعيدة بهذا الدور، وفي حين كانت البحرين بالنسبة لدول العالم "الابن المغضوب عليه"، لعبت بريطانيا دور "العمّ العطوف": برامج تدريب قضائي وأمني، اتفاقيات، فرص استثمارية، تنسيق دبلوماسي داخل مؤسسات الأمم المتحدة، حصانة، دعم سياسي لكل خطوة شكلية، والكثير الكثير.
وخلافا للبيت الأبيض، استقبل "داوننغ ستريت" ملك البحرين حمد بن عيسى مرتين منذ اندلاع الانتفاضة، رغم الانتقادات الشديدة التي طالت ديفيد كاميرون في صحافة لندن. وتكاد تكون التقارير البريطانية عن حالة حقوق الإنسان البحرينية، نسخة طبق الأصل من التقارير التي تصدرها الحكومة البحرينية، في حين تحوّل السفير البريطاني إيان ليندزي، إلى "تشارلز بيلجريف".
وفي الوقت الذي علقت واشنطن، ولو قليلا، صفقات السلاح مع المنامة، عمدت بريطانيا لبيعها المزيد من السلاح، وارتفع معدل تصدير الأسلحة البريطانية إلى المملكة الخليجية بشكل كبير منذ اندلاع ثورة 14 فبراير. وخلال العام الماضي، بلغ مجموع قيمة صادرات الأسلحة البريطانية للبحرين 17 مليون جنيه إسترليني، وتضمنت هذه الصفقات بنادق رشّاشة، وقنابل يدوية، ومعدّات تدريب عسكرية. وقد ساهمت الحكومة في بيع طائرات تايفون الحربية للسعودية وتحاول، بمساعدة من الأمير أندرو العام الماضي، شراء مثلها للبحرين.
وبدعوة من الملك البحريني، تعود بريطانيا اليوم بقضها وقضيضها إلى البحرين، ملغية قرارا تاريخيا بالانسحاب من "شرق السويس"، فاجأ العالم أجمع، وخلط كل الحسابات السياسية الدولية المعروفة.
بريطانيا هي أيضا لم ترد أن تبتعد عن الخليج، الذي كانت تعيّن عليه في فترة من الزمن "رئيسا"، لكن ظروف التاريخ والجيوسياسا حالت دون بقائها. أحد الجنرالات البريطانيين قال بعد توقيع الاتفاقية، في حديث خلف الكواليس، إن "قرار شرق السّويس اتُّخِذ بشكل خاطئ منذ الأساس ويستحق الإلغاء".
ورغم أن كل المحللين العسكريين، يؤكدون بأن أي تواجد بريطاني في الخليج، سيكون بأقل التكاليف، ولن يكون لحجمه وقدراته أثر يذكر بالمقارنة مع التواجد العسكري الأمريكي، إلا أن ما تفوق به بريطانيا الولايات المتّحدة، هو تاريخها في الخليج، الذي يمتد إلى 200 عام.
ولأنّها تقدّر قيمة هذا "التاريخ"، ودوره المؤثر في شكل العلاقة السياسية مع الأنظمة التي ساهمت هي في تثبيت حكمها على مشيخات الخليج، لم تضع بريطانيا أبدا أي مسافة بينها وبين عائلة آل خليفة، الحاكمة في البحرين، في كل تاريخها المليء بالدموية تجاه السكّان الأصليين. يجري هذا، منذ تقرير الميجور ديلي في 1923، بعد الرسالة التي رفعها "البحارنة" إلى الملكة البريطانية، وحتى تقرير البروفيسور شريف بسيوني، في 2011.
في 1923، تحرّكت بريطانيا، وعزلت حاكم البحرين، عيسى بن علي آل خليفة، واستبدلته بنجله حمد بن عيسى آل خليفة، بعد أن وضعت برنامج إصلاحات يحافظ على مصالحها في استقرار البحرين، ثم أرسلت مستشارا بريطانيا يدير البلاد بالنيابة عن الحاكم الجديد. لم يكن هذا الإجراء، الذي يحافظ في جوهره على حكم آل خليفة في أشد أوقات التوتّر والاضطرابات، فريدا في تاريخ الاستعمار البريطاني، فقد سبق وأن عزلت بريطانيا حكام آل خليفة، وحين خلا كرسي الحكم، جاءت بأحدهم، من قطر، (هو عيسى بن علي نفسه)، لكي لا تخلوا الأرض من "آل خليفة".
وهكذا، في كل وقت يمكن أن يعتبر مرحلة "انتقالية"، تعاملت بريطانيا مع آل خليفة، كجزء من تاريخها الذي أملت أن تحافظ عليه. وفي ثورة 14 فبراير، آخر مراحل هذا الصراع السياسي الطويل، شذّت بريطانيا عن العالم أجمع، وقاومت المناخ السياسي العالمي، لتحافظ على ما تبقى من "تاريخ" و"أوهام إمبراطورية" كما يسمّيها الكتّاب الغربيون.
وعلى كل، يجمع النقّاد على أن "سعي بريطانيا لاستعادة درجة من المكانة، إن لم تكن درجة من الإحساس بالعظمة، سيكلفها كثيرًا"، وعلى الرغم من ذلك، فإن "المسألة الأكبر هي أن المبادرة البحرينية تجعل بريطانيا أكثر مركزية في صراع الشرق الأوسط".
يقول بول روجرز، أستاذ جامعة برادفورد "سيكون هناك عما قريب اندماج مدهش في وجهات النظر بين الأعداء، فالجماعات الإسلامية السنية المتطرفة مثل الدولة الإسلامية ستصور ميناء سلمان كدليل على الدعم البريطاني لنخبة القيادات السنية غير المقبولة، وسترى فيه إيران نوعًا من تقديم الدعم للأسرة البحرينية الحاكمة في الوقت التي تضطهد فيه الأغلبية الشيعية المهمشة. إنه لإنجاز بحق أن تستطيع مناقضة الرقة وطهران في الوقت ذاته".
يعجّ الخليج اليوم بمليارات الجنيهات النّاتجة عن الاستثمارات والتصديرات البريطانية، كما أنّه موطن لـ175 ألف مغترب بريطاني على الأقل، فهل جاءت القاعدة البريطانية الجديدة لتحميهم، أم لتكون وبالا مرّا!