كيف طُردت قناة العرب؟: البحرين "المتوترة" خسرت .. وكانت كمن يريد "أن يكحلها فـ..عماها"
2015-02-15 - 8:11 م
مرآة البحرين: نشر موقع التقرير الالكتروني، تقريراً بقلم فريد البنّا، يتحدث عن كيفية طرد قناة العرب من البحرين، ورأى كاتب التقرير أن السلطات البحرينية: خسرت الكثير مما بذلته من مجهود للترويج لسمعتها أمام العالم كبلد مناسب للاستثمار الأجنبي، وكشفت بذلك الإجراء -دون قصد- للجهات الخارجية عن وجود مشكلات أمنية وسياسية لا تزال تعانيها، إذ انتشر خبر إغلاق القناة في البلد "المتوتر" انتشار النار في الهشيم في الصحافة الغربية. وعندما أراد من اتخذ قرار الإغلاق "أن يكحلها عماها".
وجاء نص التقرير الذي كتبه فريد البنا كالتالي:
انقضى الفصل الأول من قصة قناة العرب الإخبارية سريعًا، وذلك بعد ساعات قلائل من انطلاقة بثها في الأول من شهر فبراير الجاري، فصام جمهور "العرب" أربع سنوات ليفطروا على بصلة قضموا منها القليل، ثم عادوا مجددًا إلى صوم آخر دون معرفة إن كان مدفع الإفطار سيضرب منهيًا صيامهم هذه المرة أو لا.
تنسج قصة قناة العرب أطراف عديدة، فهناك البحرين التي أرادت أن تبث القناة من أرضها، لتقف بذلك كتفًا بكتف مع مدن ضفاف الخليج الدوحة ودبي وأبو ظبي اللواتي يستضفن قنوات إخبارية ما، كما أرادت من خلال القناة أن تعزز من وجود الرأس مال الأجنبي في الجزيرة الصغيرة غير الغنية.
الطرف الثاني من القصة هو الأمير الوليد بن طلال الذي دخل بمكانته الاجتماعية وطاقته المالية ومؤسساته الممتدة وعلاقاته القوية، فأراد أن يكون له موضع قدم في عالم الإعلام الإخباري، لينجح في توظيفه مادًا تأثيره في دهاليز السياسة، بعدما اكتسب سمعة عالمية عالية في المجال الاقتصادي لعقود.
أما الطرف الثالث فهو الإعلام السعودي الذي سرته فكرة وجود قناة فضائية إخبارية، ليستغل ذلك في ضمها إلى القناة السعودية وقناة الإخبارية وقناة العربية، في تمثيل وجهة النظر السعودية في الأحداث المتصاعدة والمتشابكة على مستوى المنطقة، وبالتالي تعزيز وجود الإعلام السعودي في فضاء الإعلام العربي.
لقد أراد كل واحد من تلك الأطراف الثلاثة أن يستفيد من القناة ومحتواها، وليس في ذلك ضير ما دام متاحًا، لكن المشكلة كانت في أن استفادة طرف من القناة سيعني بالضرورة تضرر الطرفين الآخرين، وهو ما يعني أن الخواص الكيميائية لتلك الشراكة لم تكن متناسبة لتُخرج مركَّبًا كيميائيًا منسجمًا هو قناة العرب.
حقل ألغام
لكي يصل الوليد إلى هدفه، فلا بد من قناة جماهيرية، ووجود قناة جماهيرية يعني ارتفاع السقف، وارتفاع السقف يعني تغطية الأحداث في البحرين، وتغطية الأحداث في البحرين، لا تخدم سمعة البحرين ورغبتها في جلب الاستثمارات الأجنبية إليها، كما أنها ليست من سنن الإعلام السعودي.
ولكي تصل البحرين إلى هدفها، فلا بد من قناة "ناطق رسمي" تروج للبحرين أمام العالم وتخفي أحداثها الداخلية عنه، وهو ما يعني الاضطرار لخفض السقف في القناة، ومن ثم غياب الجماهير، واصطفاف قناة العرب إلى جانب "سكاي نيوز عربية" في ذلك.
ولكي يصل الإعلام السعودي إلى هدفه فلا بد من نسخة بحرينية من قناة العربية، وهو ما يعتبر نوعًا من تجريب المجرب، الذي لا يمكن أن يقدم الوليد على دفع الملايين للقيام به، بالنظر إلى قلة أو انعدام ربحية القنوات الإخبارية والفرق بين سقف الطرح في مجموعتي روتانا وإم بي سي.
وفي ظل هذه المعادلات الصفرية، طال مخاض القناة ليصل إلى أربع سنوات، فيما بدا أن أكثر من كان يفهم حالة الغموض التي تلف المستقبل القريب لقناة العرب، هو مديرها المتمرس في الحالة الإعلامية الخليجية جمال خاشقجي، حيث ظهر في لقاء تلفزيوني غداة التدشين متشككًا وغير واثق من نجاح المشروع الذي يسير في حقل ألغام، ورغم ذلك حاول أن يجيب على أسئلة عبدالله المديفر كما لو كان مجرد متحدث رسمي يخشى أن يصرح بما لا يضمن حصوله.
الإعلام المناسب في المكان المناسب
كثيرًا ما تسمع من قِبل كثير من الناقمين على قناة الجزيرة في مختلف البلدان العربية السؤال السهل طرحًا الصعب إجابةً، والذي ظل لفترة طويلة يراوح في مكانه، وهو "لماذا لا تكون لدينا قناة جزيرة؟!"، ويزيد بعضهم: "لماذا لا تكون لدينا قناة جزيرة ونهاجم قطر؟!". وهذا السؤال هو سؤال استدلالي من الممكن أن يقود إلى جانب بالغ الأهمية.
إن عملية فتح قناة إخبارية تتخذ من إحدى الدول العربية مقرًا لها، مع وجود رغبة في كسب جماهيرية ذات قيمة، عمل شاق وصعب يجب أن تتوفر له العديد من الظروف والشروط التي يندر أن تتوفر مجتمعة لدى دولة ما. فالأمر ينطوي على حسابات دقيقة من ناحية تمتع البلد المستضيف بالاستقرار التام والتنمية المستمرة، مع هامش من الحريات وطاقة مالية هائلة وكادر إعلامي متمكن من جميع النواحي الفنية والتحريرية.
وليس ذلك فحسب، فإنشاء قناة إخبارية فضائية في العالم العربي، ليس بحاجة إلى العوامل المتعلقة بالقناة والبيئة الداخلية للبلد المستضيف من الاستقرار والتنمية والمال فحسب، بل يذهب أبعد من ذلك، إذ يجب أن تتمتع تلك الدولة بالماكينة الدبلوماسية المرنة والقابلة للصدمات من جميع الأنواع، ومن ثم القادرة على التعامل معها أو التصدي لها، وذلك كي تستطيع تحمل قرارات الكثيرين من قبيل غلق الحدود والاتهامات بدعم جهات "إرهابية" واستدعاء وطرد السفراء والاتهامات بالعمالة للجهات الخارجية وأضدادها في الوقت نفسه.
المستفيد
يمكننا القول إن أحدًا لم يستفد من قصة قناة العرب التي لم تستطع إكمال دورة برامجية يومية واحدة، فكل الذين رأوا في القناة فرصة في أن تكون رصيدًا لهم، خسروا ذلك الرصيد وتلك القناة، بل وتضرروا من الإجراءات الآنية السريعة، التي اتخذت خلال هذا الأسبوع.
فمملكة البحرين -برفضها قناة إخبارية استضافت معارضًا- خسرت الكثير مما بذلته من مجهود للترويج لسمعتها أمام العالم كبلد مناسب للاستثمار الأجنبي، وكشفت بذلك الإجراء -دون قصد- للجهات الخارجية عن وجود مشكلات أمنية وسياسية لا تزال تعانيها، إذ انتشر خبر إغلاق القناة في البلد "المتوتر" انتشار النار في الهشيم في الصحافة الغربية. وعندما أراد من اتخذ قرار الإغلاق "أن يكحلها عماها" -كما يقولون- عندما ذكر أن سبب الإغلاق هو عدم وجود تراخيص للقناة التي قام وزير شؤون الإعلام بنفسه بزيارة مقرها قبل الافتتاح، بل والظهور على شاشتها أيضًا.
أما الأمير الوليد بن طلال الذي خرج للتو من خيبة أمل حصول مجموعة إم بي سي على حقوق نقل الدوري السعودي لعشر سنوات، مع تجاهل رغبته وقنوات منافسة على النقل، فقد خسر الكثير من الأموال في الإعداد لتدشين قناة العرب من البحرين، وهو مضطر الآن إلى دفع المزيد والمزيد من الأموال، خاصةً إذا ما أصر على فتح القناة في العاصمة البريطانية لندن، كما تشير الكثير من الأخبار.
وأما الطرف الثالث وهو الإعلام السعودي والذي اكتشف رغبة "العرب" في الخروج عن الطوق، فقد احتفى في شبكات التواصل بإغلاق "العرب". وجاء ذلك الاحتفاء نتيجة الخوف من أن تسحب القناة الجديدة "عالية السقف" السواد الأعظم من مشاهدي قناة العربية، حيث تشترك القناتان في جمهورهما المستهدف، لكن فرح هذا الطرف لن يدوم طويلًا، فإغلاق "العرب" القريبة في البحرين، والتي يمكن السيطرة عليها، قد يؤدي إلى فتح "العرب" البعيدة في لندن التي قد يرتفع سقف طرحها، حتى عن ذلك الحد الذي كان مقررًا في البحرين.
استفهامات
يطرح الكثير من المهتمين بالشأن السياسي والإعلامي الخليجي، فكرة مفادها أن إغلاق قناة العرب جاء نتيجة مشكلات مالية عالقة منذ تسعينيات القرن الماضي بين حكومة البحرين والأمير الوليد بن طلال، وأن لذلك ارتداداته المتوقعة في المستقبل غير البعيد من ناحية إمكانية أن يقوم الأمير الملياردير ببيع عدد من استثماراته في مملكة البحرين.
ومن جهة أخرى يرى البعض أن غياب الداعم الحقيقي لقناة العرب بحكم التغييرات الإدارية التي شهدتها المملكة العربية السعودية خلال الأسبوعين الماضيين، قد أسهم كثيرًا في تيسير قيام السلطات البحرينية بإغلاق القناة بذلك الشكل الغريب والمهين. إلا أن كل تلك تظل مجرد تساؤلات واستفهامات حتى نرى ما ستكون قناة العرب بصدده خلال الفترة المقبلة.
إن قصة "العرب" في بلاد العرب جديرة بالدراسة والتقصي، وهي تعطي الكثير من الإشارات عن حال المنطقة وكيفية إدارتها في المرحلة المقبلة، ومما لا شك فيه أن الإعلام كصناعة وعلم، سوف يكون الرابح الأكبر في وجود قناة إخبارية قد تمثل رقمًا هامًا في مستقبل الفضاء العربي.