آسيا خلف: لم يكن كباقي المقاطع المسرّبة.. لقد ذكّرنا بروح الشهيد بوحميد
2015-02-28 - 1:57 ص
آسيا خلف*
لقد أثار مقطع الفيديو المسرب من خلف أسوار زنازين السجون البحرينية حفيظة الضعفاء ممن يختبئون خلف أسلحة الشوزن وهراوات "حفظ الأمن". وبدلا من التحقيق في إفادات التعذيب التي أوردها صاحب الفيديو وما دار في غرف التحقيق تركوا لب التصريح الشجاع لذلك المعتقل ليحاسبوا "واحدا" من المنتسبين لتوقيفه بسبب تسريب الهاتف.
كان لمقطع الفيديو الأثر النفسي الداعم لكل من شاهده ليعطي دفعة جديدة من الإصرار كإقدام الشهيد عبدالرضا بوحميد.
عباس السميع ذلك التربوي المثقف الحاصل على بكالوريوس في التربية الرياضية - رغم تهديده ومطاردته آنذاك -، والمدرس في إحدى المدارس الخاصة وعلى الرغم استهدافه في العام 2008 واعتقاله في قضية ما يسمى بـ"الحجيرة"، لم يرد في ذهنه بأنه سيقضي بعد عمر دراسته، عمرا جديدا مختلفا في السجن، محكوما بالإعدام بتهمة قتل حدثت في تفجير الديه بعد كسار فاتحة الشهيد جعفر الدرازي. لقد أصبح - كما ذكر في مقطع الفيديو- كبش الفداء وقربانا يرضي به الساخطون على مقتل رجل الأمن.
لم يكن الفيديو الذي ظهر فيه عباس كسائر المقاطع المسربة من سجون البحرين، إذ كانت الأخيرة توضح معاناة وأوضاع نزلاء السجن في البحرين والبيئة السيئة التي يعيشها وفي المقابل لم يحدث أي تحقيق أو تغيير حيال سوء الأحوال المعيشية داخل السجن.
في عيني السميع، وزفراته، كانت روح الشهيد بوحميد، وداعة الشهيد فخراوي، عقيدة الشهيد العشيري وبأس الشهيد صلاح حبيب.
تعجبت كيف لهذه الجرأة والكلمات أن تخرج من معتقل نعلم جميعا ويعلم هو جيدا بأنه في جحر الثعبان وقد يتعرض للتعذيب بعد نشر هذا الفيديو!
كيف لشاب أعزل بين أربعة جدران أن يتحدى سلاح السلطة ومن يرأسها فلا يكترث بالعواقب وهو مؤمن بأن الموت والحرية قدر يخطه على جبينه وحده من خلقه!
السميع رسالة لكل من طالبوا بالحرية والكرامة والمساواة بين أطياف الشعب، وقفوا في دوار اللؤلؤة بالآلاف وقد تراجع عدد منهم خوفا من بطش "سلامة وطنية جديدة" فيما ما يزال الكثير يرابط من أجل نيل الكرامة.
وحتى لايضيع حق الدماء التي سقطت ولا السنوات التي ضاعت من عمر الشباب المعتقل ظهر السميع شامخا في مقطع الفيديو غير آبه بالانتقام ليقول: لا تتنازلوا عن حقكم، واصلوا الحراك، واتحدوا.
لقد قالها المعتقل الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان لكل مواطن غيور على كرامته: أنت لا تحتاج لأن تكون ناشطا سياسيا أو حقوقيا أو غير ذلك حتى تقف مع المظلومين وتطالب بحقوقك وتدعم قضايا انتهاكات حقوق الانسان.
كوننا مواطنين ومعنيين في هذا الوطن فلا يمكن غض الطرف عن الدفاع عن الضحايا وممارسة الحياة بشكل طبيعي دون الوقوف مع عوائلهم والمضحين من أجل أبناءنا.
لقد كانت بادرة "مرآة البحرين" بتغيير الوصلة الإلكترونية لاسم عباس السميع لفتة معنوية داعمة ورسالة للسلطة بأن عباس السميع ومن حوكموا معه ليسوا لوحدهم كما أن هناك تجاوزات حصلت بحقهم أثناء التحقيق لم تؤخذ في قيد الاعتبار.
ولايمكن نكران دور النشطاء في الجانب الحقوقي في التصدي لمثل هذه الأحكام خصوصا ممن يتعامل مع المنظمات الخارجية ويشارك في المؤتمرات المهتمة في الشأن البحريني والحقوقي خارج البلاد.
في ظل الحديث عن عقوبة الإعدام فقد عقدت ندوة في نوفمبر 2014 في الجزائر تخص التخلي عن عقوبة الاعدام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شارك فيها عدد من الخبراء والنشطاء الحقوقيون ومنظمات حقوق الإنسان. نوقشت في الندوة التخوفات الجدية من عدم الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وتسليط الضوء على هذه العقوبة حسب ما ينص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان ولا تزال بعض الدول تطبق هذه العقوبات في جرائم ارتكبها أشخاص حتى دون سن الثامنة عشر.
وتلخصت أهدافها حول إيجاد مساحة للحوار بين خبراء محليين إقليميين ودوليين حول سبل التخلي عن عقوبة الإعدام والاستفادة من المبادرات والتطورات الرامية لتعليق العمل بأحكام الإعدام أو إلغائها وتعميم الضمانات الدولية لحماية الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام على دول المنطقة عبر تقييد العمل بهذه العقوبة للجرائم الأكثر خطورةً وإنفاذ الحق في طلب العفو وإستخدام العقوبات البديلة.
وقد كان لمشاركة منسق مرصد البحرين لحقوق الانسان المحامي محمد التاجر نصيب؛ حيث تم استذكار المادة (14) من العهد الدولي التي تلزم كل الدول بوضع آلية لاستئناف حكم الإعدام بمجرد النطق به وهذا مفقود في دولة البحرين في ظل وجود أكثر من 45 مادة تفضي إلى الحكم بالإعدام ويوصف حكم الإعدام بانه يعارض الحق في الحياة.
في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في أغسطس/ آيب 2012 الذي تمت فيه مناقشة عقوبة الإعدام عالمياً ذكر أن البحرين أدخلت قانون الإرهاب والذي يؤدي إلى الحكم على الكثيرين بالإعدام.
وفي ندوة التخلي عن عقوبة الإعدام في الجزائر نادى المرصد بضرورة توفير محاكمة عادلة لكل المهددين بهذه العقوبة خصوصاً سامي مشيمع وعباس السميع ورفقائهم.
إن المحاكمة العادلة تعني أن يتلقي المحكوم بالإعدام مساعدة فعالة من محاميه في جميع مراحل الإجراءات. لكن محامي متهمي الديه تحدثوا عن عدم تمكنهم من الحضور مع المتهمين في التحقيقات ومنعهم من زيارتهم ومن طلب طبيب مستقل لبيان آثار التعذيب في أجسادهم. كما أن هيئة الدفاع لم تتسلم ملف الدعوى ولم تستجب المحكمة لكافة طلبات المحامين.
وهنا يكمن دور الحقوقيين من المتعاملين مع منظمات حقوق الإنسان على الإقليمين المحلي والدولي بضرورة الدعوة لعدم شمول عقوبة الإعدام في الدعاوى التي اتخذت صبغة سياسية وتمت في أثناء اضطرابات وطنية وشيوع الحكم في عقوبة الإعدام في القضايا السياسية له دلالة مطلقة لا تقرها أو تقبلها مبادئ حقوق الإنسان. في حين نرى بالمقابل أعدادا كبيرة من الشهداء الذين قضوا في أحداث ثورة 14 فبراير/ شباط لم يتم التعامل مع المتورطين بمثل هذه الأحكام القاسية التي ترفضها الإنسانية.
لايمكن تبرير تطبيق عقوبة الإعدام بالقول إنه مطلب الرأي العام أو أنه تكريس لهدف الردع العام للتمويه على إنه رغبة في الانتقام كما حدث في قضية الديه. إن الحكم - والحال هذا - غالباً ما يكون متعسفاً وغير متناسب وغير عقلاني وغالبا ما يكون له نصيب من الفقراء والأقليات والفئات التي يستهدفها التمييز في البحرين بل وتصفهم السلطة بالمخربين.
إن أحكام الإعدام قضية منافية لحقوق الإنسان ويسعى الكثير من نشطاء حقوق الإنسان في العالم على تركيز نفوذهم ونشاطهم لمحاربة الإقرار والتنفيذ لهذه المستويات من الأحكام والسعي لإلغاء هذه العقوبة في دول العالم.
كما أن هذه العقوبة القصوى يتم تنفيذها في عدد كبير من الدول بما ينافي القانون الدولي والأعراف الدولية لحقوق الانسان وتستخدم هذه العقوبة كذريعة للانتقام في مختلف التهم والجرائم.
يبقى الدور الحقوقي في السعي لإلغائها عبر تجنيد الملفات الساخنة وأحكام الإعدام لمحاربة هذه العقوبة وإلغائها عبر المطالبة بمحاكمات عادلة والتواصل مع المنظمات الخارجية وفتح باب المطالبة بتعليقها وإلغائها في المحافل الدولية لحقوق الانسان.
* حقوقية بحرينية.
_________________________
المقالات والآراء التي تنشر تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر عن رأي "مرآة البحرين" بالضرورة. نستقبلها على البريد التالي:
editor@bahrainmirror.com