أشياء تود معرفتها عن سجن "الحوض الجاف": خذ "البندول" بقوّة «3 - 3»
2015-04-22 - 10:51 م
مرآة البحرين (خاص): هذا حوار أنجز على فترات متفاوتة. تبرّع فيه أحد الموقوفين في سجن "الحوض الجاف" والذي نشير له تحت الاسم المستعار "ك. ك"، بالإجابة على أسئلته. كما تحمّل إلحاحنا عليه بسرد أدقّ التفاصيل. هدفنا كان تصوير الحياة السجنية في هذا السجن النائي، وإعادة تركيب مشاهدها في نصّ، لتعذّر تصويرها المباشر. حاولنا سبر دورة الحياة اليومية، بإكراهاتها وتملّصاتها، وتقلبات الوجود الإنساني داخل الغرف الصغيرة المظلمة، بشقائه وشقاوته. هناك؛ حيث يقبع وجهاً لوجه: المسجون وسجّانه. شيء ما هناك، غير عين الضحية وقفا جلاّدها. فماذا هناك أيضاً؟ في هذه الحلقات، سنترك لـ"ك. ك"، أن يحدثنا عن ذلك. فيما يلي الحلقة الأخيرة من الحوار معه:
مرآة البحرين: من يمثل السجناء عند رغبتهم في رفع مطالب معينة للإدارة أو تحسين بعض الأوضاع، هل تجرون انتخابات مثلاً؟
ك. ك: يتم اختيار أحد المعتقلين كي ينوب عنهم في التمثيل والتحدث إلى إدارة السجن. أحد المعتقلين يعرض على السجناء أسماء مختارة ويتم التصويت على أحدها بشكل بسيط. في فترة معينة عاصرتها شخصياً جرت انتخابات كاملة ونزيهة لاختيار مسئول للعنبر من المعتقلين. وقد فاز بذلك (...) المتهم في قضية (...) كما أجريت انتخابات لاختيار "البسية". هؤلاء هم الأشخاص الذين تسمح لهم الإدارة بالتواجد خارج غرفهم في الممر الذي يتوسط العنبر لخدمة الموقوفين ومساعدة الشرطة في النداء على المعتقلين الذين لديهم زيارات أو محاكم أو لتوصيل الأغراض إلى الغرف. بعد رحيل هؤلاء، إثر الحكم عليهم أو إطلاق سراحهم، حصل نوع من الفراغ فقام معتقلون بالتطوع مباشرة لأداء مهامهم بدلاً عنهم وحصلوا على التزكية من جانب المعتقلين الآخرين.
المرآة: كيف تتم عملية التزكية؟
ك. ك: من خلال المرور على الغرف في العنبر واحدة واحدة، وسؤال الموقوفين ما إذا كانوا يريدون فلاناً لتمثيلهم أو لا يريدونه إلى أن يتم التوافق على ذلك. بالنسبة لتمثيل المعتقلين في حال رفع طلبات معينة أو التفاوض مع الإدارة، ففي العادة هناك أشخاص - في عنبرنا على الأقل - معتادون على الذهاب إلى الإدارة والتفاوض معها. يختلف الوضع من عنبر لآخر. إدارة السجن بدورها تطلب أشخاصاً من ضمنهم مسئول العنبر المعين من قبل المعتقلين للتفاوض. في حالات نادرة يبادر المعتقلون إلى رفض تمثيلهم من واسطة أشخاص معينين طلبتهم الإدارة لأنهم لم يشاركوا في اختيارهم.
المرآة: ما هي المطالب الملحّة التي يطرحها الموقوفون لتحسين وضعهم في الحبس أم هي متغيرة باستمرار؟
ك. ك: تحسين وضع الزيارات، أي فتح الحاجز الأمني الذي يحول دون التواصل المباشر بين المعتلقين وأهاليهم، وكذلك ابتعاد الشرطة عن المعتقلين وعدم التعرض لهم بالضرب أو الإهانة أو الشتم. هناك بعض التجاوزات من الشرطة، خاصة حين يقومون بضرب وإهانة أحد المعتقلين مما يجعل السجناء يتجهون نحو الإضراب أو التمرد.
المرآة: حدثني عن وضع السجن في "الحالات الاستثنائية"، حين تنشأ إضرابات أو تمرد أو شغب. ما هي الإجراءات الأولية التي تأخذها إدارة السجن؟
ك. ك: يتم إدخال "وحدة أمن الشغب" المكلفة بالتعامل مع الأوضاع الاستثنائية، وعادة ما تكون مسلحة بأسلحة بيضاء. هذه الوحدة مدرّبة على العنف والكراهية ولديها ضوء أخضر بضرب السجناء إلى أن يتم تطويعهم وإعادة الأوضاع إلى الحالة الطبيعية. بعد ذلك تتم معاقبة السجناء بإغلاق أبواب الغرف عليهم طيلة اليوم.
المرآة: هل يطلع السجين على حقوقه أول ما يصل للحوض الجاف كأن يعطى أوراق مثلاً للاطلاع على حقوقه من خلالها؟
ك. ك: لا يطلع الموقوف على حقوقه. بل حتى ضروريات عادية مثل البطانيات والوسادات لا تعطى إلى الموقوفين في العديد من الأحوال. خلال فترة سجني السابقة في العام (...) كانت توجد لائحة بالحقوق والواجبات معلقة عند باب العنبر؛ لكنها أزيلت بعد ثورة 14 فبراير. رغم ذلك، ثمة لوحة ما تزال معلقة في شئون المحبوسين وأخرى مثلها في مبنى الإدارة.
المرآة: ماذا تتضمن اللوحة؟
ك. ك: تحوي في العادة حقوق المحبوس الاحتياطي: يحق لك الاتصال في الإسبوع مرة واحدة، تحق لك الزيارة مرة واحدة في الإسبوع، يجب على إدارة السجن توفير الوجبات مجانا، من حق المحبوس الحصول على الرعاية الصحية المناسبة مجانا، يسمح للمحبوس بإدخال الكتب والمجلات والحصول على الأقلام والدفاتر على حسابه الشخصي. كما تحوي أيضاً الواجبات التي عليه: يتوجب عليك طاعة الأوامر، يجب المحافظة على النظافة، يجب الالتزام بالمظهر اللائق (خاصة ما يتعلق باللباس وقصات الشعر)، عدم إحداث الفوضى.
المرآة: هل تتحكم الإدارة في قصات الشعر أيضاً؟
ك. ك: نعم. أذكر حادثة هنا حصلت مع المعتقل "ع. م" حين احتجّ الشرطة على تسريحة شعره وأخذوا يمطرونه بتعليقات مهينة. لقد تمّ أخذه إلى الإدارة وهناك تناوبوا على ضربه ورطمه في الجدار مرارا وركله بالأرجل. وأجبره الضابط أحمد فريح على تقبيل رجل أحد الشرطة بعد لصق فمه.
المرآة: هل يقام للموقوفين فحص طبي دوري أم بحسب الحاجة؟
ك. ك: لا يوجد فحص دوري. يتم نقل المحبوس لعيادة المعسكر إذا كان مريضاً فقط. وهناك صعوبة في ذلك ومزاجية في الموضوع. يتواجد الطبيب في العيادة من الساعة 8 صباحا إلى الساعة 8 مساء على نوبتين: صباحية (من 8 إلى 2 مساء)، ومسائية (من 2 إلى 8 ليلاً). في الحالات المفاجئة التي تتأزم فيها الأوضاع الصحية لبعض السجناء ما بعد النوبة المسائية، خصوصاً المصابين بأمراض المعدة أو الأمراض المزمنة كالسكلر والسكري والقولون، تنشأ المتاعب. إذ يتركون لحالهم، يتجرّعون الآلام، نظراً لعدم تواجد الطبيب. في الليل يتواجد ممرض فقط. في الحالات القصوى، حين يكون المريض على وشك الموت، يتم نقله بالإسعاف إلى مستشفى القلعة، وهذا قليل جداً.
المرآة: كيف يتعامل الأطباء معكم، وهل يولونكم الرعاية المناسبة في حالة المرض؟
ك. ك: موضوع العلاج ذو شجون. تعامل من يفترض أنهم أطبّاء غريب عجيب. العيادة هي عبارة عن منشأة صحية أولية. توجد سيارة إسعاف تابعة لها. هناك أربعة أطباء، باكستاني، سوداني، هندي وبحرينية من أصل يمني. الممرضون أغلبهم من الجنسية الهندية. لكن كل ذلك ليس سوى ديكور. الحقيقة أنه ليس ثمة علاج يعطى للمحبوسين عندما تقعدهم الأمراض غير حبوب "البندول" والإبر المسكنة. العلاج أو الدواء يتم الاحتفاظ به في خزانة بغرفة الحراس ولا يحق للمحبوس اصطحابه معه إلى داخل غرفة التوقيف. يحق للممرض فقط على مدى ثلاث مرات يوميا بأن يفتح هذه الخزانة. ويتم توزيع الدواء بطريقة مذلة عبر صف المعتقلين المرضى في طابور.
المرآة: ماذا تعني بقولك تعامل الأطباء غريب؟
ك. ك: الطبيب السوداني على سبيل المثال حقير جداً. فهو يعامل المحبوسين باستهتار بالغ. بل أنه لايفحصهم ودائم التلفظ بألفاظ خشنة. لايوجد سجناء مرضى لديه، جميعهم كذابون. "خذ بندول وانقلع"، هكذا يخاطب المرضى بالحرف. الطبيب الهندي حذر ويتجنب الحديث مع المرضى ويقتصر على سماع شكوى المريض ثم يصرفه بسرعة. ويستحيل أن يقوم بتحويل المرضى مهما كانت حالتهم على مستشفى القلعة أو السلمانية. الطبيبة اليمنية مترفعة وتعامل المرضى بغطرسة، ولكنها رغم ذلك تتعاون فتعمل على تحويل المرضى في بعض الحالات الضرورية إلى العلاج في القلعة. أفضلهم جميعاً، هو الطبيب الباكستاني، فتعامله إنساني نوعاً ما.
المرآة: هل العرض على الطبيب مهمة سهلة؟
ك. ك: إذا احتاج المحبوس للعيادة يخبر حراس العنبر. وهؤلاء على كيفهم، فهم يستطيعون السماح لك بالذهاب إلى العيادة الآن أو بعد ساعة أو حتى منعك. إذا كانت حالة المريض متقدمة يحول إلى مستشفى القلعة أو السلمانية. وهنا تتدخل البوابة الرئيسة في الموافقة على هذا التحويل إضافة إلى جهة التوقيف، المركز أو التحقيقات. المسألة معقدة جداً، ففي أحيان كثيرة يتم رفض التحويل. أذكر حادثة هنا حين تدهورت الحالة الصحية للمعتقل "أ. ع" من قرية سماهيج. لقد رفض الحراس نقله إلى العيادة. ولما كان يصرخ من نوبات الألم الشديدة فقد عاود زملاؤه المطالبة بنقله إلى العيادة، ولكن حراس السجن تجاهلوا الطلب أيضاً. عند ذلك بدأ زملاؤه بالضرب على باب الزنزانة ما اضطرّ الحراس الدخول إلى العنبر وأخذه. ظن الجميع أنهم سيذهبوه به إلى العيادة ولكن ما حدث هو أنهم أخذوه إلى "وحدة أمن الشغب" وتم الاعتداء عليه بالضرب ومن ثمّ إعادته للغرفة ثانية. بالنسبة إلى المواعيد التي تمنح للمرضى لمعاودة الفحص في السلمانية أو القلعة فتلك قصة أخرى. مرة أخرى، الأمر متروك لمزاج الحراس، متى يريدونك أن تذهب ستذهب ومتى يريدون تفويت الموعد عليك سيفوتك. وإذا فات موعدك فلابد أن تقوم بترتيبات جديدة للحصول على موعد آخر.
المرآة: حدثني عن التعذيب والاعتراف، هل عدم الاعتراف ممكن؟
ك. ك: يختلف بحسب الحالة أو القضية. أغلب من التقيت بهم أو كلهم أدلوا باعترافات حسب ما يريده ضباط التحقيقات. قليل جدا من لم يدلوا باعترافات. فترة التعذيب هي مدة وجود الموقوف في التحقيقات. أكثر المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب هم أولئك الذين حاول جهاز الأمن الوطني تلفيق تهم لهم بالعلاقة مع الخارج، التدريب، التخابر وتهريب الأسلحة. قصص التعذيب التي مروا بها مهولة. اعتدي عليهم جنسياً، وبعضهم عري من ملابسه طيلة فترة التحقيق التي امتدت إلى تسعة أيام.
المرآة: أخيراً، هل أنت نادم؟
ك. ك: لا، على الإطلاق.