وليّ عهد البحرين: أنا فيلسوف صدّقوني
2015-05-15 - 1:27 م
مرآة البحرين (خاص): أصبح هناك في البحرين فيلسوف. فوليّ العهد الضعيف سلمان بن حمد آل خليفة الذي شكّل في وقت من الأوقات رهاناً للغرب والولايات المتحدة وقُدّم كأمل مستقبلي لإعادة تحريك عجلة السياسة المتعثرة في بلاده، قرر التخلّي عن كل ذلك وتعاطي النظريات والفلسفة.
لقد لقّنه مستشاروه أن أصل المشاكل في الشرق الأوسط كلها هي "الثيوقراطية". وشرحوا له معنى الكلمة واستخداماتها على أساس أنها مفهوم خارق يمكن له أن يعطي مفعول السحر واستيعاب ما لم يُستوعب بعد في عالم الأشياء والطبيعة. ومذّاك تحول إلى واعظ ينام ويصحو صائحا: ثيوقراطية.. ثيوقراطية. كما لو أن قوّة غيبيّة قامت بلصق الكلمة في طرف لسانه.
لقد استُدعي إلى منتجع "كامب ديفيد" وسط التلال الشجرية الواقعة في متنزه جبل كاتوكتين بالولايات المتحدة الأميركية، لمناقشته مع المسئولين الخليجيين الآخرين في هواجس بلاده حول أهم القضايا المؤرّقة في الشرق الأوسط وسبل حلها، كالاتفاق النووي الإيراني والإرهاب ومنظومات الدفاع الصاروخي وتعزيز أمن الحدود.
لكن بدلاً من أن يقوم بشرح هذه الهواجس جيّداً طالباً من القوّة العظمى الوحيدة في العالم تبديدها على نحو مطمئن، راح يستعيد الحديث المضحك السابق حول الثيوقراطية. وقد أدلى بتصريحات الخميس (13 مايو/ أيار 2015) من مقرّ إقامته حيث يتواجد على رأس وفد بلاده في قمة "كامب ديفيد" داعياً "إلى تحصين المنطقة من الفكر الثيوقراطي". كما شدّد بقوة خلال حديثه على "أهمية تحصين المنطقة من كافة أشكال الفكر الثيوقراطي الفاشي"، حسبما نقلت عنه وكالة أنباء البحرين الرسمية "بنا" .
تشير الثيوقراطية إلى نظام الحكم الديني أو حكم الكهنة. ورغم أن جذور المفهوم تعود إلى القرن الأول الميلادي حين استخدمه "جوزيفوس فلافيوس" لوصف الحكومة القائمة عند اليهود، إلا أنّ وليّ عهد البحرين قد تعرف إليه على ما يبدو في العام الماضي فقط. حين ألقى كلمة في منتدى حوار المنامة (5 ديسمبر/ كانون الأول 2014) قال فيها "أدعوكم إلى استبعاد عبارة الحرب على الإرهاب بالحرب على الثيوقراطية". وأضاف متحمساً في المنتدى الذي يرعى إقامته منذ عشرة أعوام ويُدعى له كبار القادة الغربيين والمسئولين العرب وصنّاع الرأي في المنطقة بأن "استخدام مفردة الثيوقراط كبديل شيء مهم وأكثر دقة"، على حد تعبيره.
ومنذئذ استولت الكلمة على عقله ووجدانه فلم تفارق فمه. بينما جرى تكريس وسائل الإعلام المحلية لإبراز حديثه عن "الثيوقراطية" كما لو كان اكتشاف القرن الذي تقف البشرية متعطشة لاستقباله. وكمثال على ذلك، فقد قام رئيس تحرير صحيفة "الوطن" المملوكة للديوان الملكي البحريني، يوسف البنخليل، بنشر متوالية من المقالات وصلت إلى خمس حلقات تحت العنوان التالي "سلمان بن حمد وعالم بلا ثيوقراطية". ولهكذا انبرى بقيّة الرّهط المجيد.
لكنّ نشوة الاكتشاف العظيم لم تكن ترضي توق ولي العهد السعيد الذي أعاد اكتشاف ذاته كفيلسوف لاعب بالمفاهيم الصّعبة، وليس سياسياً حائراً في عائلته. وهذه المرّة قرّر مخاطبة الغرب بلغته وفي وسائل إعلامه.
لقد نشر مقالاً في صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية (16 فبراير/ شباط 2015) ليخبر الغربيين عن المزيد من مزايا هذا الاكتشاف الفذ: "ليست حرباً على الإرهاب بل ضدّ الثيوقراطية" بحسب ما يفيد عنوان مقالته. لقد أطلعهم على كلمة السر التي تقف وراء فشل جهودهم لمحاربة الإرهاب منذ ما يزيد على العقد. فما هي؟ مرّة أخرى ليست سوى "الثيوقراطية" التي كرّرها مع أخواتها "الثيوقراط" و"الثيوقراطيين" نحو خمس مرّات.
ويقول في مقالته "رغم مرور 15 عاما منذ بداية الحرب الحالية على الإرهاب، يبدو أننا لا نقترب كثيرا من فهم العدو حتى نهزمه". كيف نفهمه؟ لنستمع إلى إجابة الفيلسوف "لو بدأنا بتعريف أنفسنا، وأننا في حرب مع الثيوقراطيين، فأعتقد أننا بهذه الطريقة سنقوم بمواجهة التهديد معاً". ما شاء الله! لقد أصبح لدى وليّ عهد البحرين شغلٌ أخيراً. الرجل التائه الباحث عن دور سئم أهوال السياسة وبحرها وها هو ذا يدير لعبة النرد في الفلسفة. إنه مستغرق في التأمّل. لقد وجد الثيوقراطيّة؛ فلا تسلبوه لعبته.