مرافعة متخيلة للشيخ علي سلمان: طريق الأذى نحو الممالك الدستورية
2015-05-20 - 2:24 م
مرآة البحرين (خاص): القاضي علي خليفة الظهراني والقاضي محمد جمال عوض، والقاضي حمد بن سلمان آل خليفة.. أنا المواطن علي سلمان أحمد سلمان، من قرية البلاد القديم التي كانت في أحد الأيام عاصمة لهذه الجزيرة المضطربة. وُلدت على هذه الأرض في 1965.
قضيت 4 سنين من عمري في الدراسة الجامعية بالرياض، 6 أخرى في دراسة العلوم الدينية في مدينة قم بإيران، وعدت لأمارس دوري في البحرين كرجل دينٍ شيعي.
شاركت في الحركة المطلبية. كنت أحد الموقعين على العريضة النخبوية في 1992 وأحد المتبنين للعريضة الشعبية في 1994. وجراء هذا النشاط تعرّضت للاعتقال، فكنت السجين حامل الرقم 5181.
تم إبعادي قسراً لدولة الإمارات العربية المتحدة في 15 يناير/كانون الثاني 1995، أي قبل أكثر من 20 عاماً من الآن، برفقة رجلي الدين السيد حيدر الستري والشيخ حمزة الديري. توجهنا إلى المملكة المتحدة وتقدمنا بطلب لجوء سياسي، وقضيت في تلك الغربة القسرية 6 أعوام، حتى عدت إلى الوطن في 2001، حاملاً معي حلماً بأجمل الأيام التي لم نعشها، وبحرينٍ ديمقراطية.
أسست وجمع من إخوتي جمعية الوفاق، شاركنا في العملية السياسية رغم عقمها، وترأس والدك البرلمان الذي استشهد من أجله ومن أجل الحركة المطلبية في التسعينات ما يقارب الـ 45 شهيداً، كنتم تسخرون من جراحنا، وتخونونا، لكنكم لاحقاً قطفتم الثمار التي أزهرتها تلك الأشجار التي رويت بدماء الشهداء، وأنات الثكلى وصراخ اليتامى وآلام المعتقلين وحسرة المبعدين.
أيها القاضي،
لربما لم يسعفك العمر لتشهد تلك الأحداث التي تكلمنا عنها، لربما كنت صغيراً حينها، لكن المشهد الآن يتكرر أمامك بسوداوية أكبر، وبقساوةٍ أشد، وظلمٍ أوضح، وتمييز أقبح.
لقد خرج شباب هذا البلد في 14 فبراير/شباط 2011 معلنين عن مطالبهم، وقد استنجد الحُكم بقواتٍ سعودية وإماراتية لسحق المحتجين، وسقط العشرات من الشهداء رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، شيوخاً ورضعاً، وتعرض الآلاف من أبناء شعبي للفصل من العمل في سياسة تجويعٍ انتهجتها السلطة لعقاب المحتجين وأسرهم، ويقبع اليوم في السجن ما يقارب الـ 4000 معتقل سياسي، تعرضوا في المعتقلات لأبشع صنوف التعذيب، وجاء السيد محمود شريف بسيوني ليُقر بتلك المأساة، ووثّق هدم 38 مسجداً للشيعة، ما زالت السلطة تماطل في بناء جزءٍ منها، فيما غيرت مواقع مساجد أخرى.
لقد اعتقلت السلطات رجال الدين والنساء والرموز السياسية، تعرضّوا للتعذيب والتحرش الجنسي، ولم تراع أية حُرُمات لهذا الشعب المستضعف. دوهمت المنازل في منتصف الليل، وتعرضت العوائل والأطفال للترويع وهُتكت حرمة المنازل، ولم يتغير شيء منذ تقرير القاضي الذي عينه الملك في 2011، حتى الآن.
ولقد وثّقت المنظمات الحقوقية الدولية تلك المحاكمات الصورية ووصفتها بالسياسية التي لا ترتقى لمعايير العدالة الدولية، ووثّقت انتهاك البحرين للعديد من المواثيق الدولية التي وقعتها دون أن تلتزم بها، كما وثّقت انتزاع منتسبي الداخلية وأعضاء النيابة لاعترافات المتهمين تحت التعذيب، وما بمحاكمتكم هذه لأفضل من تلك المحاكمات التي يقضي بسببها المعارضون أحكاماً بالسجن ولمدد قاسية.
أيها القضاة،
إن ما سردته في بداية حديثي من تاريخي في العمل السياسي، تم توثيقه من قبل أجهزة الأمن قبل الناس، ربما يستطيع جهاز أمن الدولة أن يزودك بأشرطة عن خطبي السياسية والدينية التي ألقيتها منذ منتصف التسعينات قبل إبعادي، ولاحقاً بعد مجيئي للبحرين في 2001، ستجد أنني اخترت السلمية منهجاً لعملي السياسي.
لقد اخترت الطريق الصعب للملكية الدستورية، اخترت المطالبة السلمية بهذا المطلب، يعلم الملك الذي عاد لتوّه من مشاهدة سباق الخيول في المملكة المتحدة ما قلته له مساء 15 فبراير/شباط 2011، نعم أيها القاضي، لقد التقيت الملك بناءً على طلبة ذلك اليوم، وكان الناس للتو وصلوا إلى دوار اللؤلؤة، قلت له مطالب شعبي بكل أمانة، ولربما والدك العارف ببعض خبايا الحُكم لقربه من أقدم رئيس وزراء في العالم (خليفة بن سلمان)، أقول ربما، يستطيع أن يخبرك عن بعض تفاصيل ذلك اللقاء.
يعلم الملك الذي عيّنك كما عيّن باقي القضاة ورؤساء النيابة وأعضاءها، أننا لم نحد عن نهجنا السلمي يوماً، ربما حسب الأمر ضعفاً، فاستدعى قواتٍ أجنبية لسحق المحتجين في منتصف مارس/آذار 2011، لكن حساباته بالطبع كانت خاطئة، فها نحن دخلنا عامنا الخامس، ووهج الثورة ما زال مشتعلاً، تجده في أجساد المحتجين الممزقة برصاص الشوزن الذي تطلقه قوات الأمن الأجنبية، وتجده في آلاف المعتقلين في سجون النظام.
أيها القاضي،
إن شهادة خالد السعيدي بُنيت على مقاطع مقتطفة من خطاباتي السياسية، وقد شهدت المنظمات الدولية حثّي في خطبي على السلمية وابتعادي عن نهج العنف الذي تتهموني به، وما وثيقة اللاعنف إلا ترجمة أخرى لتلك السياسة التي أنتهجها والتي آمن بها شعبي المسالم الذي يُقمع كل يوم في القرى والبلدات البحرينية.
إن شهادة نقيبٍ في الداخلية هي دليل براءتي لا إدانتي، وإن رفضك أيها القاضي لطلب الدفاع بإحضار وزير الداخلية ورئيس الأمن العام هو دليل براءة آخر.
أيها القضاة،
أعرف أن كلماتي ثقيلة على عدالتكم التي وصفتها منظمة العفو الدولية بالعدالة الزائفة، لقد أجلتم الاستماع لمرافعتي أربع مرات، ورفضتم النظر في مقاطع من خطبي التي استشهد بها المدعي العام كدليل إدانة. وأعرف أنكم لن تكونوا في التاريخ أفضل حالا من القضاة (الشيخ دعيج بن حمد الخليفة شقيق الحاكم، والشيخ عبدالله بن عيسى الخليفة، والشيخ علي بن أحمد الخليفة) الذين حاكموا هيئة الاتحاد الوطني بقيادة عبدالرحمن الباكر.
أيها القضاة،
إذا كانت خطبي ثقيلة على ميزان عدالتكم، إلى حد عدم السماح من عرض البيانات والأدلة التي تثبت براءتي، فاستمعوا إلى شهادة عضو منظمة العفو الدولية الحقوقي، سعيد بومدوحة، وهي بين أيديكم، اجعلوها بين آذانكم، وأنتم تستمعون شهادة شاهد الاثبات الوحيد في هذه القضية، وهي شهادة الموظف في وزارة الداخلية النقيب خالد السعيدي.
أيها القضاة،
مُحاكمتي نتائجها معروفة، وتلك هي المُحاكمة السياسية، ونتائجُها معروفةٌ ليس لأنَّ قانونها واضح وجريمتها واضحة، بل لأنّها غيرُ حيادية ونتائجُها معروفة لأنَّ قُضاةَ هذه المحاكمة لا يحتكمون إلى البيِّنات التي تُقدَّمُ لهم، ولا يأخذون بمرافعات المُتّهمين والمحامين التي تُقرأ أمامهم، بل يحتكمون إلى البيانات التي تقرأها السلطة السياسية عليهم، لذلك هؤلاء القضاة لا يَفصِلون في خصومةٍ قانونية، بل هم يَفصِلون في خصومةٍ سياسية. والفاصلُ ليس الضميرُ الذي يَحكم، بل الضامنُ الذي يُعطي. هذه هي المُحاكمة السياسية، مبنيةٌ على عدالةٍ زائفة، وهي عدالة القويِّ الظالم.