» رأي
من "السخرة" الى "السخرية"
عادل مرزوق - 2011-12-02 - 9:25 ص
عادل مرزوق*
تعج الرسائل الإلكترونية المتداولة في البحرين بانماط وتعابير وتعليقات مليئة بـ "السخرية" و"الفكاهة". بدأتها مجاميع المتظاهرين في دوار اللؤلؤة بمفردة "شحوال"، ولا زالت المفردات والتعابير والأفلام الكارتونية في ازدياد. تحتاج أن يسهر أحد على توثيق ما أنتجته هذه الحركة الوطنية من كوميديا سياسية، سواء بالتعليق أو الكلشيهات أو الصورة أو المادة الفلمية الكرتونية.
فعلاً، هي مفارقة غريبة أن تتعامل الشعوب مع هذا الكم الهائل من المآسي والأوجاع والأحزان بالفكاهة والنكتة والابتسامة، ومن الواجب في هذا السياق أن نقول، إن هذه السمة لم تكن سمة بحرينية فقط، فقد شهدت تونس والقاهرة قبل المنامة، الظاهرة ذاتها. ولعلها كانت أكثر تمركزاً ووضوحاً في القاهرة، حيث لا كعب يعلو فوق كعب كوميديا أبناء النيل.
الفارق الدقيق في الكوميديا السياسية البحرينية عما سواها، هو ما عرف سابقاً عن الشعبين التونسي والمصري من حضور ثابت للكوميديا السياسية، فالنكتة السياسية المصرية كانت على الدوام حاضرة وبامتياز، كما أن للتوانسة تحديداً قالبهم الفكاهي الخاص في تداول قضاياهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الفارق الدقيق في الحالة البحرينية هو أنها لم تعش حالة الكوميديا السياسية إبان حركاتها الوطنية السابقة، إذ كانت الأوضاع المأساوية التي رافقت جل الحركات الوطنية المطلبية – خصوصاً حركة التسعينات المطلبية – ممزوجة بمشاعر الإحباط واليأس والحزن.
لقد عانى أجداد وأباء المتظاهرين في البحرين لعقود طويلة من سياسيات تمييزية وقمعية من لدن النظام الحاكم، وكان في مقدمة هذه السياسات القمعية والأنظمة الفاسدة نظام "السخرة" الذي أراد الحكم منه تحويل أبناء الشعب لعمال مملوكين لصالح أربابهم وأسيادهم من الشيوخ، ولم يكن في أوج تلك الحركات التحررية والمطالبة بالإصلاحات السياسية وإطلاق الحريات فضاء يسع تداول الكوميديا السياسية، خصوصاً وأن وسائل الإعلام العالمية في تلك الأوقات لم تكن لتصل قرى البحرين لتعرض حقيقة ما كان يتعرض له الأهالي من استبداد وظلم ومهانة.
نعم، لم تكن الفكاهة والكوميديا السياسية تليق بسنوات السخرة والذل والمهانة والعبودية، لكنها اليوم تتمثل بوضوح كعنصر رئيس ضمن عناصر هذا الحراك الوطني المطالب بالمزيد من الإصلاحات السياسية نحو تأسيس ملكية دستورية يكون الشعب فيها شريكاً حقيقياً في الحكم. وهي أيضاً، رسالة واضحة للدولة، مفادها أن "الشيخ" برمزيته التاريخية لم يعد يخيف/ أن القوة والهمجية والعنف لم تعد أدوات الضبط والسيطرة على الموقف / أن عصر البحريني المملوك الذي تخيفه العصا انتهى/ أن ركب الضحايا - رغم وجعه وألمه - لا يبعث في قلوب الناس الخوف أو التراجع أو الإحساس بالهزيمة.
تعج مواقع التواصل الإجتماعي مثل "تويتر" و"الفايس بوك" والمدونات وكذلك "يوتيوب" بالعديد من النماذج الحية للكوميديا السياسية في البحرين. واستخدم المتظاهرون البحرينيون عنصر الكوميديا السياسية في مواقف حساسة ومهمة تصل الى تموضع هذا العنصر بوصفه الرد الرسمي والمباشر على بعض الحوادث التي شهدتها البلاد منذ 14 فبراير 2011، خصوصا فيما يتعلق بمسرحيات السلطة حول اكتشاف الخلايا الإرهابية، واختطاف رجال الأمن، وكذلك بعض البرامج التلفزيونية التي حاولت النيل من الثورة أو تشويه مطالبها وصورتها للعالم.
أخيراً، أعتقد جازماً ان الكوميديا السياسية التي انتجها البحرينيون في هذه الحركة هي إحدى دلالات سمو حركتهم المطلبية ورفعتها ووطنيتها، فالإرهابيون لم يكونوا - في أي حقبة من حقب التاريخ - صُناعاً للكوميديا.
نماذج من الكوميديا السياسية في البحرين: