احلقْ لحيتك يا فوّاز
2015-07-22 - 4:35 م
مرآة البحرين (خاص): في العام 2009 أقالت صحيفة محلية "كاتباً" لديها بعد اكتشاف قيامه بالسطو على عشرات المقالات والدراسات ونشرها باسمه في الصّحيفة. وبعد سنوات من ذلك أصبح هذا "الكاتب" نفسه مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام في وزارة التربية والتعليم. فواز الشروقي، صحافي "الأيام" و"الوقت" سابقاً، والعضو السابق بجمعية "الإصلاح" ذراع الإخوان المسلمين الدينية، هو مثال نموذجيّ لما يُمكن أن يصل له منتحل كذّاب في البحرين.
في أي بلد محترم يحظى بقوانين جيّدة لحقوق النشر والملكيّة الفكريّة كان يمكن له أن يُحاكم، ويُجرجر من قفاه؛ حيث يتوجب عليه قضاء سنة أو سنتين إن لم يكن أكثر في السجن عقاباً له على سرقة مجهودات الآخرين الفكرية. لكن لأنه في البحرين؛ حيث ينتعش نظام قوي للامتيازات يحمي طائفيّين مجرمين من أمثاله، فسيصبح ذلك سانحة له لكي يُكرّم ويُرقّى. ليس ذلك فقط بل لكي يصبح مديراً في وزارة.
وربما هان ذلك إذا ما عُرفت الطامة الأخرى. وهي أن هذا الرجل، أي سارق المقالات المتلبّس إياه، سيصبح مسئولا عن صياغة الحقيقة ومتحدث الحكومة لإقناع البحرينيين الذين يحطم التمييز طموحات أبنائهم المستقبلية بأن معايير الوزارة "نظيفة". وأما شكاواهم جميعاً حول التوزيع الطائفي للبعثات فليست - بتعبيراته - سوى "كذب" و"ابتزاز سياسي". وقد صرّح في لقاء مع صحيفة محلية "الوزارة تعوّدت في كل عام على مثل هذه الحملات التي تتظاهر بالدفاع عن مصالح الطلبة".
في الجلسة التي عقدتها الصحيفة المحلية مع الشروقي لإطلاعه على جريمته اختارت إدارة الصحيفة أن تضع أمامه ملفاً متيناً يحوي كامل مقالاته التي نشرها تحت اسمه، وأصولها المسحوبة من الإنترنت بأسماء كتّابها الحقيقيين، مع التأشير بقلم أخضر على تواريخ نشرها لتسهيل مقارنة المنحول بالأصول. عشرات المقالات والموضوعات المنشورة التي تتحدث عن الإصلاح الديني وحرية المرأة والفهم الجديد للإسلام وانغلاق الجماعات المتأسلمة، كلها مسروقة.
لم ينبس المسئول ببنت شفة واكتفى بمناولته الملفّ كي يتصفّحه بنفسه ويمرر عليه أصابعه الباردة التي بدأت تسخن وتتعرّق.
بدا أن الأمر يحوي مفارقة كبرى. الرّجل الذي لم يكد ينهي وقتئذ أواصره مع ثلاثة تنظيمات إسلامية، "جماعة مسجد أسامة بن زيد" فـ"جماعة التبليغ" فـ"جمعية الإصلاح" معمّداً نفسه "صائداً" لخطاياها وكاتباً قصّة اغترابه فيها لثمانية عشر عاماً في كتاب "ثم حلقت لحيتي". الرّجل الذي قضى آخر سنيّ عمره في صحيفتي "الأيام" و"الوقت" يحصي "الرذائل" على الإسلاميين السنّة ويحاضر في "فضائل" التنوير والانفتاح والموسيقى ونقد الخطاب الديني. هو ذاته الرجل الذي ضُبط متلبّساً سارقاً للمقالات وناشراً لها في صفحة إسلاميّة بالذات "إشراقات". يا للمفارقة العجيبة.
سأله مسئول الصحيفة: ما رأيك؟
فواز الشروقي: الرأي ما تقررونه.
- فليكن إذاً هذا آخر يوم لك في الصّحيفة.
- حسناً.
في العام 2009 غادر فواز الشروقي الصحيفة المحلية وهو يواري سوأته مضبوطاً بجرم سرقة المقالات. وفي العام 2012 صدر القرار التالي رقم "53" عن رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة "يعين الأستاذ فواز أحمد الشروقي مديرا بالوكالة لإدارة العلاقات العامة والإعلام بوزارة التربية والتعليم". لا تبدو أقدار الشروقي مختلفة كثيراً عن العديد من المديرين "العيّارين" الذين يجري تسليمهم المناصب لا لشيء سوى إخلاصهم النهائي لنظام الامتيازات القائم الذي يتم من خلاله إقصاء طائفة كاملة من المواطنين.
أمام سيل الشكاوى للمتفوّقين الشيعة من حرمانهم من المنح والبعثات أو العبث في ترتيب رغباتهم الدراسية، اختار الشروقي التعقيب من موقعه كمسئول عبر سوْق الممحاكة التالية "هذه الجهات لو كان همها الدفاع عن مصالح الطلبة فلماذا لم تُصدر بياناً واحداً لاستنكار استهداف المدارس بالحرق والتكسير ولم تُطلق الحملات المندّدة بتعطيل الدراسة". ما دخل هذا بهذا! كان يمكن ببساطة إعلاء مبدأ الشفافية كما فعلت دولة خليجية وهي الكويت بنشر أسماء الطلبة المستحقين في الصحف اليومية مع معدلاتهم والمنح والبعثات الحاصلين عليها والسلام. لكنّ هذا الكلام البسيط الذي يبدو من عاديّات الأمور يحتاج إلى وسيلة إيضاح بالنسبة إلى مسئول تمّ تعميده شاعراً في "جماعة" يقوم جلّ خطابها على المراوغة والكذب.
إن الشخص نفسه الذي غادر "جماعة" الإخوان المسلمين بالأمس، هو هو إياه الذي يعود اليوم للمنافحة عن وكرها "التربية" والسياسات التمييزية التي تضربها طولاً وعرض. إذا لم تكن اللحمة تغار فهي تحن: من "الجماعة" إلى "الوزارة" يستأنف "حالق اللحية" سيرته في الجماعة الأولى منذ أن حطّم آلة "الغيتار" حال تلقينه مسألتين في "الحرام والحلال" ونكاية في أستاذه للموسيقى. أما اليوم فأمامه مهمة تحطيم أحلام العشرات من الطلبة المتفوّقين من المواطنين الشيعة.
وليس مستغرباً ذلك إذا ما عرفنا أن كلّ رحلة تحوّل "سارق المقالات" من التعصّب إلى "الأنوار" قد بدأت من عجيزة امرأة! لنستمع إلى ما يرويه فواز الشروقي بنفسه في كتابه "ثم حلقت لحيتي" عن اللحظة الحاسمة التي قلبت كلّ موازينه "الفكرية" بعد أيام من عمله في صحيفة "الأيام" التي ذكر بأنه دخلها "بلحية مبعثرة على الخدّين الطريين".
يقول "اقتربت منّي إحداهن وجلست على الطاولة التي أكتب عليها، وعلى الأوراق مباشرة، ولم يكن بين يدي وظهرها سوى عشرة سنتيمترات. صرت لا أرى من الحجرة إلا ظهرها، ولم تُبالِ بعتاب زميلتيها من هذا السلوك. جلست قرابة العشرين دقيقة، كانت كافية لأن تعلن لي أنني دخلت العالم الحقيقي. وها أنذا قد دخلت العالم بفضل عجيزة امرأة". باقي الكلام للقاريء.