» رأي
16 ديسمبر: إصلاح لا تقية
عادل مرزوق - 2011-12-16 - 10:49 ص
عادل مرزوق*
ما هو شكل الإصلاح السياسي الذي قد يصدقه/يقبل به/ يثق فيه البحرينيون من هذا النظام؟، والأهم من ذلك، كيف يستطيع البحريني أن يأمن مجدداً تلك الوحشية التي اختبرتها أجساد الضحايا والآف من المعذبين في السجون. إن أهم ما كشف عنه الخامس عشر من مارس 2011 بالنسبة للبحرينيين هو أن هذا النظام كان يمارس ولعشر سنوات مضت "تقية" سياسية محكمة، ولقد أماط إعلان حالة السلامة الوطنية اللثام عن وجهها، فرأينا ورأى العالم كله، أي وجه طائفي قبيح مجرم هو وجه هذه السلطة.
وفي الوقت الذي تطل فيه ذكرى السادس عشر من ديسمبر، ذكرى شهداء البحرين، يؤكد البحرينيون من جديد أن لا قبول بإصلاح سياسي مخادع لا يزيد في حقيقته عن "تقية" سياسية تبقي المجرمين والمعذبين طلقاء، بل ومكرمين في وزارات الدولة ومؤسساتها. وإن كانت مؤسسة الحكم تحمي أبناءها المعذبين المجرمين ومنتهكي حقوق الإنسان، فإن من واجبنا أن لا نفرط في دماء أبنائنا ممن قدموا أرواحهم فداء لهذا الشعب. والوفاء الوحيد الذي نقدمه لهذه الدماء، هو بالثبات على المواقف التي تحقق ما يضمن أن لا تكون للنظام وجوه مجرمة مستترة يهدد أبناء الشعب بها، غداً، أو بعد غد.
لقد أغلق تقرير بسيوني وما بعده رهاناتنا في أن النظام قابل للتصالح والتسوية من تلقاء نفسه، فلقد بقى المجرمون والمعذبين طلقاء بل وتمت ترقية الكثير منهم، وبقى المعتقلون في السجون، وبقت الأحكام القضائية الجائرة، وبقت آلة القتل والتنكيل بأبناء البحرين تجوب المدن والقرى دون رحمة. وعليه، فإن أي تحرك لإنضاج تسوية سياسية خلال الفترة المقبلة هو بالضرورة نتاج الضغوط الدولية وصمود هذا الشعب بمختلف توجهاته وتنظيماته السياسية. وليس من يُقدم على الإصلاح من تلقاء نفسه، كمن يجرون رجله للإصلاح جراً. وهو ما يحيل بالضرورة، بأن لا ثقة مجدداً بهذا النظام، ولا بتسويته، وأن على المعارضة أن لا تنجر لإنضاج تسوية تبقي لمعسكر الشر في الأسرة الحاكمة مكاناً أو قراراً تصب منه على الشعب أمراضها، وضغائنها، وأحقادها.
إن كان النظام مصراً على إبقاء من تلوثت أيديهم بدماء الشهداء وآهات المعتقلين وترويع الآمنين في مواقعهم ومراكزهم الريادية في الدولة، فلا فضاء لإنضاج أي تسوية حقيقية تستطيع المعارضة أن تثق بها أو أن تؤسس عليها انتقالاً للدولة من فضاء الديكتاتورية والحكم المتسلط لفضاء الديمقراطية والتعددية والعدالة والمساواة. وتخطئ المعارضة إن قبلت الذهاب في أي تسوية مع القبول ببقاء هذه الأسماء وتحكمها بحراك الدولة ومسرحها وتحولاتها. لقد احترقت هذه الأوراق ولا تحتاج إلا لمن ينفخ في رمادها، لتذهب، ولتذهب معها جرائمها التي عانى منها أبناء هذا الشعب لسنوات طوال.
إن بقاء رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، وإن بقاء وزارته القائمة، خصوصاً الوزراء المرتبطين بالتيار المتشدد من الأسرة الحاكمة والمسؤولين عن الانتهاكات والجرائم التي شهدتها البحرين، هو حجر الوصول لتسوية سياسية في البحرين، ولا يفيد في ذلك تقديم أي مبادرات حسن نية من تجاه مؤسسة الحكم. فلا إصلاح سياسي ولا مصالحة وطنية مع بقاء رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة أو أي وزير أو مسؤول من الوزراء والمسؤولين عما حدث من انتهاكات وجرائم بحق هذا الشعب منذ 14 فبراير وحتى اليوم.
ولا يتصل هذا العائق بموقف المعارضة وحساباتها أمام جمهورها وحسب، بل كان العائق وسد التسوية منذ بدء احداث 14 فبراير حين أجهز على مبادرة ولي العهد الامير سلمان بن حمد آل خليفة عبر العبث بالسلم الأهلي واصطناع تجمع الوحدة الوطنية بصفته الطائفية التي أدخلت البلاد في النفق الطائفي المقيت، وذلك عوض أن يساهم في أن تقي البحرين نفسها تبعات الأحداث أسوة بما أسست له سلطنة عمان والمملكة المغربية من إصلاحات سياسية، على التوالي.
نعم، تستطيع الدولة أن تبقي الوضع الراهن في البلاد على حاله، وأن تحاول امتصاص الحراك الشعبي عبر استثمار لعنة (الوقت). لكنها في المقابل، لن تنجح في تطويق الأزمة، ولن تخمدها. فهذه حركة تمتد هيكليتها للبحرينيين كافة، كل بيت، وكل مواطن، ولا أحد يستطيع التنبؤ بمآل الأمور، ولقد أثبتت التجربة للدولة، أن مستشاريها إبان فترة السلامة الوطنية قد بالغوا في توقع أن يكون للعصا تأثيرها في الحد من الاحتجاجات والمظاهرات المناوئة للحكم.
مهما اختلفت روى المعارضة داخل البحرين أو خارجها، في حاضنة الجمعيات السياسية أو عبر التنظيمات السياسية في خط الممانعة، يبدو التشبث بإقالة رئيس الوزراء وحكومته قاسماً مشتركاً لا خلاف عليه، بقى أن يتم الإعلان عن ذلك صراحة دون مواربة. فهذه الإقالة هو ما تحتاجه مؤسسة الحكم ذاتها، قبل المعارضة. نقول ذلك، لا من باب "الثقة" بمؤسسة الحكم، لكن من باب "الأمل"، فلم يبقَ لدينا مجال لإعمال ما درج أدب الكلمات تسميته بـ "حسن النية". فلقد رأينا من "حسن النية" و"الثقة" ما يكفينا، وقبور الضحايا وأجساد المعذبين وآهات اليتامى والأرامل والمهجرين شواهد وأدلة.
*صحفي بحريني.