فيديو دعائي لشركة «فيفا» في سينما البحرين يصوّر مشهد تعذيب

2015-09-28 - 11:05 ص

مرآة البحرين (خاص): يصوّر فيديو دعائي مثير لشركة «فيفا»، عُرض في صالات سينما البحرين، مشهدا تمثيليا محاكيا لغرف التعذيب، التي لا تزال التقارير تثبت استمراره في سجون النظام، حتى اليوم.

وبينما أريد للفيديو الدعائي أن يلفت بصبغة فكاهية نظر المشاهدين، إلى خدمة حجز مقاعد السينما عن طريق الإنترنت، والتي تقدّمها شركة «فيفا»، كشف المشهد (بشكل غير مقصود على ما يبدو) عن وعي عميق بانتشار هذه الممارسات وسط أجهزة الأمن، لتظهر غرف التعذيب وكأنّها شيء معتاد في الثقافة البحرينية، وفي المخيّلة الشعبية.

ويعرض الفيديو في فقرة الإعلانات التي تسبق كل فيلم في صالات سينما البحرين. ولهذه السينما 7 فروع في مجمع السيف، مجمع سيتي سنتر، سار، المحرق، واثنتين في المنامة.

كما أطلق الفيديو على موقع اليوتيوب، ضمن قناة الشركة، في 4 سبتمبر/أيلول الجاري.

ويظهر في المشهد 3 بحرينيين، يمثّل أحدهم دور المتّهم، يقف إلى جانبه حارس، ويمثّل الثالث دور المحقّق. ويبدأ المشهد بصوت المتّهم وهو يلهث، في الوقت الذي يدخل فيه المحقّق حاملا سيجارة، إلى غرفة التعذيب، التي بدت شبه مظلمة.

وفي حين لم تكن محتويات الغرفة واضحة، إلا أنّ المشهد أظهر أجهزة ومعدّات غريبة (من بينها على ما يبدو مكائن وعتاد سيارات، ومخرطة)، فيما يفسّره مراقبون بأنّه إما إلهاء، أو محاولة حذرة ومموّهة لتقريب صورة أجهزة ومعدّات التعذيب.

وبينما كان المتّهم مقيّدا إلى كرسي، في حالة مزرية، والكدمات ظاهرة على وجهه، وهو يبدي الخوف والهلع، يبدأ المحقق باستجوابه بشكل قاس، محاولا إظهار أي ثغرات أو تناقضات أو كذب في إجاباته. يصرخ في وجهه معيدا سؤالا سابقا، تماما كما يحدث في غرف التحقيق، "أين كنت الساعة 10؟"، يجيب المتّهم بصوت متعب وخائف "قلت لك كنت في السينما"، يسأله المحقق "مع من؟"، فيجيب "لوحدي".

ينتقل المشهد عند ذلك إلى لقطة مثيرة، مصحوبا بموسيقى تصويرية تناسب أجواء تمثيل التحقييق في غرف التعذيب تماما، حين يصرخ المحقق في وجه المتّهم "كذّاب"، فيحرّك الحارس المتسمّر يديه مطقطقا ومهدّدا، في إشارة إلى استعداده لتلقّي الأوامر بتعذيبه، فيصرخ المتّهم مصطنعا البكاء بشكل فكاهي، ويحاول الدفاع عن إجابته بالتأكيد على أنّه وحيد دائما.

يتّجه المحقّق للمتّهم، ويضع يديه على كتفيه، ويقف خلفه تماما، ليزيد هلع المتّهم، خوفا مما سيأتي. وبعد سؤال آخر، يدفع المحقّق رأس المتّهم وهو يسأله عن تفاصيل أخرى.

يكون السؤال الأخير، محور فكرة الفيديو وهدفه الدعائي (الذي ربما يضيع في زحمة المضامين الأخرى)، يقول المحقق "المعلومات التي لدي تقول إنك لم تقطع التذكرة من شبّاك السينما، فكيف دخلت الفيلم؟"، في محاولة لتكذيب كل كلامه، يجيب المتّهم "أون لاين"، فيثار تعجب المحقق "نعم؟"، يعيد المتّهم "أون لاين"!

لا ينتهي المشهد بإظهار بلاهة المحقّق، ومظلومية المتّهم، في سبيل إلقاء الضوء على روعة هذه الخدمة التقنية، بل يظهر المحقّق بعدها، وهو يأكل الفشار (النفيش popcorn)، آمرا المتّهم (الذي كان يمسك بجهاز موبايل)، بأن يحجز له تذكرتين (أون لاين)، وعلى حسابه!

«فيفا»، التي تقدّم هذه الخدمة التقنية حصريا، هي فرع شركة الاتصالات السعودية STC، وهي ثالث مشغّل للهاتف النقّال في البحرين، وقد امتلكت بعروضها التجارية الضخمة حصّة كبيرة جدا في السوق.

وتسند «فيفا» إنتاج موادها الدعائية هذه، إلى شركة إنتاج فني خاصة، ولا يبدو أن الجهتين قصدتا إثارة أية أبعاد سياسية من الفيديو، الذي لاقت فكرته (من جانبها الفكاهي) صدى واسعا، إذا حصد الفيديو على يوتيوب أكثر من 41 ألف مشاهدة، والعديد من التعليقات التي بدت أغلبها إيجابية، ومعجبة بظرافة المشهد.

ولكن، ليس هناك قياس واضح لانطباعات جمهور السينما عن الفيديو، وكيف تلقاه مشاهدو الأفلام الذين يمثّلون مختلف أطياف السكّان في البحرين، وخصوصا المشاهدون الأجانب، الذين حرص الفيديو على مراعاة وجودهم، بإضافة ترجمة إنجليزية للحوار.

ومع أن هناك الكثير من التفسيرات، للخلفية التي دفعت المنتجين لتقديم مثل هذه المادة، إلا أنّه وفي حالة مثل البحرين، سيكون من الصعب الابتعاد عن الواقع المفزع الذي تعيشه البلاد، على خلفية قيام السلطات بتعذيب آلاف المعارضين الشيعة في السجون منذ العام 2011.

وزاد من اقتراب المشهد لما يحدث في البحرين، كون ممثليه بحرينيون، يستخدمون لهجة محلّية.

وقد أثبت تحقيق مستقل، أمر به ملك البلاد، أن أجهزة النظام استخدمت وسائل تعذيب مروّعة، لانتزاع اعترافات بالإكراه، أو لمجرد العقاب والانتقام من آلاف السجناء السياسيين، منذ أن شنّت في مارس/آذار 2011 حملة قمع قاسية ضد المعارضة التي تقودها الأغلبية الشيعية.

وجاء من بين هذه الأساليب الموثّقة، في تقرير لجنة تقصي الحقائق: تعصيب العينين، وتكبيل اليدين، والإجبار على الوقوف لفترات  طويلة، والضرب المبرح، واللكم، والضرب بخراطيم مطاطية وأسلاك كهربائية على  القدمين، والضرب بالسياط وقضبان معدنية وخشبية وأشياء أخرى، والصعق بالكهرباء، والحرمان من النوم، والتعريض لدرجات حرارة شديدة، والاعتداءات اللفظية، والتهديد بالاغتصاب، وإهانة الطائفة الدينية للموقوفين من الشيعة.

وقالت اللجنة إن حجم وطبيعة سوء المعاملة النفسي والبدني، يدل على ممارسة متعمدة وممنهجة، تجاه "فئات بعينها من الموقوفين"، وهم المعتقلون السياسيون الشيعة.

ورغم الوعود التي أطلقها الملك لمعالجة كل الفضائح التي خرج بها التقرير، ومعاقبة المسئولين عن هذه الجرائم، تؤكّد المنظّمات الدّولية أن التعذيب لا يزال مستمرا بكل أوجهه في مراكز الشرطة، والسجون البحرينية، وأنه لم تجر أية محاسبة للمسئولين عن هذه الجرائم، وأن جميع الإدانات التي صدرت من قبل المحاكم البحرينينة، استندت إلى اعترافات انتزعت تحت التعذيب.

وعوضا عن الإفراج عن المعتقلين، وخصوصا الناشطين الذين اشتهرت قضايا تعذيبهم، أيّدت المحاكم المدنية سجن غالبيتهم، وأعادت بعض من أفرجت عنهم إلى السجن، بما فيهم طبيب، أجبرته السلطات على أكل برازه!


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus