إنها باريس يا غبي: سفارة البحرين تنزع ملصقاً يحوي اسم نزيهة سعيد
2015-11-03 - 4:06 م
مرآة البحرين (خاص): لم تتحمل سلطات المنامة وجود اسم صحافية على إحدى قنصلياتها في الخارج فقررت انتهاج سلوك العصابات. كان يمكن لاسم نزيهة سعيد، الصحافية البحرينية، مراسلة قناة فرنسا 24 وراديو مونتيكارلو الدولي، أن يبقى معلقا لأيام أو أسابيع قليلة على سفارة بلادها في العاصمة الفرنسية "باريس". دلالة رمزية أرادت منها منظمة "مراسلون بلا حدود" إيصال رسالة إلى من يهمه الأمر.
أيا ما كانت الرسالة، فهو ليس سوى ملصق بسيط بالأسود والأخضر، يحاكي لوحات الطرقات في عاصمة العطور. لكنّ السلطات في المنامة كان لها رأي آخر.
لقد قرّرت إزالة الملصق فيما لم تكن قد مرّت أربع وعشرون ساعة على تعليقه من جانب المنظمة التي تعنى بالدفاع عن الصحافيين وتمتلك صفة مستشار لدى الأمم المتحدة. أظهرت الصور ثلاثة رجال فظّين يسددون نظرات سوداء حانقة قبل أن يهم أحدهم بنزعه. لم يكن سوى ملصق بسيط؛ فكيف ولّد فيهم كل هذا الغضب!
لقد اختارت "مراسلون بلا حدود" 12 صحافياً عالمياً تعرضوا إما للقتل أو التعذيب أو الاختفاء القسري في بلدانهم عنواناً لحملة أطلقتها ترتكز على إعادة تسمية عدد من الشوارع الباريسية بأسمائهم. لسوء حظ النظام في البحرين أن نزيهة سعيد هي واحدة من هؤلاء.
لقد استدعيت إلى التحقيق في مركز للشرطة جنوبي المنامة مايو/ أيار 2011 بعد أن شاهدت شرطيا يضع فوهة بندقيته في رأس رجل ستيني ويفجره بطلقة نثرت مخه على الجدارن. وهناك تولت ضابطة اسمها سارة الموسى بتعذيبها لمدة اثنتي عشرة ساعة متواصلة بواسطة أنبوب بلاستيكي. لقد قامت بوضع كيس قماشي أسود على رأسها وإجلاسها على كرسي بطريقة معاكسة وانهالت عليها بالضرب والركل. كما أجبرت على شرب "البول" ثم تم جرّها لحمّام في غرفة التحقيق "إذا لم يعجبك البول فهنا شيء آخر".
وقد تدخلت السفارة الفرنسية في المنامة التي عاينت آثار التعذيب على جسمها حيث قررت إرسالها إلى العلاج في باريس. في العام 2013 برأ القضاء البحريني الذي يهيمن عليه الملك الضابطة التي عذبتها.
لم يكن أكثر القائمين على حملة "مراسلون بلا حدود" تفاؤلاً يتمني من خلال وضع ملصق يحمل اسمها على شارع يقع لصق سفارة البحرين غير إعادة التذكير بقصتها وزملائها من الصحافيين في ذكرى اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب. ذكرى رمزية أريد من خلالها بعث رسالة احتجاج وتسليط الضوء على حقيقة أن جرائم العنف ضد الصحفيين عادة ما تمر دون عقاب.
وقد صرّحت المنظمة في بيان وزّعته بالتزامن مع بدء الحملة "تم تغيير عناوين السفارات للفت الانتباه إلى فشل هذه الدول في اتخاذ إجراءات، وتذكيرها بواجبها في القيام بكل ما هو مطلوب لتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة".
لكنّ هذا لم يكن ليسعد السلطات في المنامة. لقد قرّر موظفون تابعون إلى السفارة البحرينيّة إزالة الملصق الذي يحوي اسمها ومهنتها كإعلامية وأيضاً تاريخ تعذيبها. ظنّ الرجال الفظّون ذوو النظرات السوداء الحانقة أنهم بنزع الملصق البسيط قد أنهوا الحكاية. لكن الحقيقة أن الحكاية للتوّ قد بدأت. والحكايات - كما سبق لسعد الله ونوس أن عبّر - لا تموت.
في عام 1789 اقتحم الثوار الفرنسيون سجن "الباستيل" الذي يعود تاريخ إنشائه إلى القرون الوسطى وكان يمثل رمزًا للسلطة الحاكمة وسط باريس. وبالرغم من أنه لم يكن يقبع في السجن وقت اقتحامه سوى سبعة أسرى إلا أن سقوطه كان بمثابة شرارة اندلاع للثورة الفرنسية. لقد ذهب سجن الباستيل وأصبح ذكرى. وحين تهتز أركان قنصليّة دولة من ملصق بسيط يحوي اسم صحافي فوق أحد جدرانها فاعلم أن الباستيل لم يذهب أو ينته وحده. فيما يبدو أن هناك أكثر من باستيل سيلحقه في الطريق.