خطابات الملك تكذبها الأيام التي لم نعشها قبل #kingSpeechBH
2012-01-15 - 8:55 ص
مرآة البحرين(خاص): "على ضوء ما جرى من حوادث متفرقة يوم أمس واليوم وكانت هناك للأسف وفاة لاثنين من أبنائنا الأعزاء، وعليه نتقدم بتعازينا الحارة لذويهما وأن يلهمهم العلي القدير الصبر والسكينة والسلوان. كما ليعلم الجميع بأننا قد كلفنا سعادة الأخ جواد بن سالم العريض نائب رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة خاصة لمعرفة الأسباب التي أدت إلى تلك الأحداث المؤسفة".
كانت تلك فقرة من أول خطابات الموت التي أرسلها ملك البحرين وإذاعه تلفزيون البحرين في الخامس عشر من فبراير 2011، بعد يوم من سقوط أول شهداء الثورة علي مشيمع، وفي نفس يوم سقوط ثاني الشهداء فاضل المتروك، رسالة بدا أنها تحمل شيئا من الأمل، غير أنها لم تكن سوى التدشين الفعلي لحفلات الزار الدموية، صورة بدأت تتكشف لحقيقة النوايا التي أضمرها الملك حمد بن عيسى لأبناء شعبه.
خطاب أول مقتضب، لم يزد على مئتين وأربع وسبعون كلمة، لم يدر في خلد الملك نفسه أنه سيمنح الشعب الثائر جناحين للتحليق عاليا بحثا عن سماء حرة، بعيدا عن حقيقة النوايا المتوارية بين سطوره، اعتصم الناس في دوار اللؤلؤة، نصبت الخيام، وتوالى تدفق الناس.
وبعد يومين فقط من ذلك الخطاب، تحديدا في 17 فبراير، سقط أربعة شهداء في اليوم ذاته، الشهيد محمود أحمد، الشهيد علي خضير، الشهيد عيسى عبدالحسن، والشهيد علي المؤمن، فيما عرف بالخميس الدامي، لفض الاعتصام بالقوة والخداع، عندما هجمت قوات الأمن على المعتصمين فجرا، وحولت الدوار إلى ما يشبه ساحة الحرب.
الخطاب الأول أسقط أربعة شهداء دفعة واحدة، توارى بعده الملك خلف ستار، وخرج نيابة عنه نجله وولي عهده، ليطالب الناس بالهدوء والعودة إلى عقولهم، وكان من ملامح ذلك تحديد يوم لتأبين الشهداء، أصيب خلاله الشهيد عبدالرضا بوحميد أثناء مسيرة لاستعادة الدوار قبل أن يلتحق بركب الشهداء بعد ثلاثة أيام، عندما نجح الثوار فعلا في تحرير الدوار واستعادته.
اعتصامات ومسيرات استمرت حوالي شهرا أو أقل، تحركت في كل مكان، دار الحكومة، المجلس الوطني، الديوان الملكي، قصر الصافرية، هزت العرش الخليفي، ودفعته إلى طلب المعونة من الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية التي أعلنت رفضها القاطع لأي تنازل يعطي الشعب ولو النزر اليسير من حقوقه.
اختفاء الملك في تلك الفترة، صاحبه، فتح المجال أمام ولي العهد ليقود حملة للتفاوض مع المعارضة، المهمة التي أجهضت في السادس عشر من مارس في الهجوم الغادر المدعوم بقوات درع الجزيرة على المعتصمين في دوار اللؤلؤة، حلقت الطائرات، ولوحق المعتصمون في كل مكان، لتبدأ بعدها مرحلة من تبادل الأدوار، ولي العهد يختفي ليعود الملك إلى لعبته المسلية، لعبة الخطابة وهذه المرة بلغة عنترية فتحت المجال أمام اتساع رقعة التخوين.
لغة المهادنة والسلام التي غلفت لغة الخطاب الأول، اختفت تماما من الخطاب الثاني، في الثامن عشر من مارس، ظهر الملك في تلفزيونه ليلقي خطابا موتورا، أعلن خلاله إفشال مخطط خارجي يحاك منذ ثلاثين عاما ضد البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي.
ولعل أبرز ما ذكره الملك خلال زيارته لقوات درع الجزيرة، تصريح واضح يفسر كل عمليات القتل التي حصلت لاحقا وتواصلت حتى نهاية العام، قال متباهيا: "هذا اليوم هو يوم عيد لرؤيتكم وحضوركم للقيام بالواجب على أكمل وجه وبأسرع ما يمكن وهذه هي عهود ومواثيق وثقتها المحبة والمودة بين شعوبنا وقيادتنا في المنطقة عبر السنين وليست وليدة أمس أو اليوم إنما هي من أصل قديم وهذا هو الصحيح".
واصل قائلا: "أن تواجد قوات درع الجزيرة في البحرين ليس للقيام بدور حفظ النظام الداخلي حيث أن هذه القوة قد شكلت بواجب الدفاع العام عن أي بلد من دول مجلس التعاون كما كلفهم جلالته بنقل تحياته إلى ضباط وضباط صف وأفراد هذه القوة الباسلة في مختلف مواقعهم"
مثل هذا الإيعاز الصريح لا يترك مجالا للملك للتلاعب بالتاريخ، حيث يحاصره الحساب والجغرافيا، أزيل الدوار وبدأت مرحلة سحق المحتجين وملاحقتهم في كل مكان، تحت شعار النيل من الخونة وهو ما تجسد فعليا في الحالة المكارثية التي بات عليها مؤيدو النظام، وكان تلفزيون البحرين لاعبا أساسيا فيها.
مع الدخول في حالة السلامة الوطنية التي استمرت ما بين 15 مارس 2011 وحتى نهاية شهر يونيو من العام ذاته، دخلت البحرين في قبضة المشير، المئات من المواطنين أرسلوا إلى السجون ومحاكم السلامة الوطنية، وسط شعور مخادع أن الثورة أجهضت مبكرا، لترفع حالة السلامة الوطنية قبل موعدها المحدد بأسبوعين.
صدر ذلك على شكل مرسوم ملكي يوم الأحد الموافق للثامن من مايو 2011 برفع حالة السلامة الوطنية. وجاء في المادة 1 من المرسوم أنه ترفع حالة السلامة الوطنية في جميع أنحاء مملكة البحرين اعتبارا من أول يونيو/ حزيران 2011. كما جاء في المادة 2 أنه على رئيس مجلس الوزراء والقائد العام لقوة دفاع البحرين ورئيس الحرس الوطني والوزراء كل فيما يخصه تنفيذ أحكام هذا المرسوم، ويعمل به من تاريخ صدوره، وينشر في الجريدة الرسمية.
مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، سارع الملك بصورة مؤقتة إلى خلع بدلته العسكرية وارتداء بدلة الورع والتقوى، خرج للناس في خطاب كان ظاهره حلول الشهير الفضيل، أما باطنه فهو التأكيد على وجوده في الساحة بعد فترة من تزايد نفوذ المشير.
وكما لو أن الملك يحتفل بنفسه مع نفسه حين قال في كلمته: "فإنا في الوقت ذاته نشكركم خالص الشكر مقدرين ما أظهرتموه من مشاعر الفرح المخلص بمناسبة عودتنا إلى ربوع الوطن والتئام شملنا معكم بفضل الله ورعايته".
الخطاب التالي للملك، كان بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، مناورة جديدة، هدفت إلى نقل البحرين إلى مرحلة جديدة، تنسيهم حفلات الزار التي أقامها رجال الأمن خلال فترة السلامة الوطنية التي كان حصيلتها استشهاد ثلاثة مواطنين تحت وطأة التعذيب في السجون هم كريم فخراوي، علي صقر، وزكريا العشيري، بخلاف المئات من المصابين وضحايا التعذيب، والموقوفين والمفصولين من أعمالهم.
الملك حاول في خطابه أن يقفز على هامة الواقع، ودخل في رهان خاسر مع نفسه حول قدرته على الانتقال بالوطن إلى مرحلة حقيقية من الإصلاح، أسهب في الحديث عن الوطن الواحد، الوئام، الاستقرار، والإصلاح كما لو كان المختار المرسل من السماء لتخليص الناس من عذاباتهم.
يقول في ذلك الخطاب: "يطيب لنا أن نتحدث إليكم ونحن نسعد بالأيام والليالي المباركة من هذا الشهر الفضيل الذي نعيش في أيام عشره الأخيرة المفعمة بالمغفرة والرضوان، ونهنئكم تهنئة عطرة صادقة ببلوغكم موسم الخير في رمضان معتزين بإحيائكم المجالس الرمضانية، وتلاقيكم الجميل في رحابها، فالالتقاء ونبذ الفرقة بين أبناء الشعب الواحد من العادات الحميدة التي ينبغي أن تستمر دائماً وأبداً".
كانت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، قد بدأت أعمالها منذ حين، فكانت إحدى قراءاته الخاطئة، لأنه ظن أنها ستبرئه من مسئولية الدمار الذي انتشر في الوطن، أرضه وبحره وهوائه، قال إنها ستعطي كل ذي حقه، كما لو كان يقول ستعطي لكل مواطن قبره.
.خطاب طويل، تحدث عن نقل المحاكمات إلى القضاء المدني بعد حين من سريان المحاكم العسكرية، عن عفوه الخاص عمن وصفهم بأنهم أساءوا إليه شخصيا، وتحويل عدد من رجال الأمن للمحاسبة مع تزايد الشكاوى من الانتهاكات التي تعرض له المئات من معتقلين، ثم ختم خطابه بوعد المتضررين بالتعويض!
يشير في خطابه قائلا: "ونود أن نؤكد إننا لا نتطلع إلى محاكمة الجميع ، فهناك من اتهموا بالإساءة لشخصنا ولرجال المملكة ونحن في هذا اليوم نصفح عنهم ، آملين أن يعوا أن الإساءة لنا ولغيرنا هي إساءة للجميع ولا تفيد بشيء.
وهناك من مواطنينا من تعرض للإصابة وللمعاملة السيئة وللوفاة من مختلف الأطراف. فهناك رجال أمن استشهدوا وهم يقومون بواجبهم تجاه وطنهم ونحن مسئولون عنهم وعن عوائلهم. وهناك من قبض عليه ومن ثم اثبت التحقيق بأنه قد تعرض، وبصفة فردية، للمعاملة السيئة والإساءة وهو قيد الاحتجاز وهذا شيء لا يرضي الله سبحانه وتعالى ولا يرضينا. فمن مسؤولية الدولة أن توفر لهم الحماية اللازمة حتى يأخذ القانون مجراه".
ويضيف: "ولا بد أن يعلم الجميع أن في البحرين لدينا قانون يسمح للمتضررين من سوء المعاملة بطلب التعويض، وربما لا يفهم البعض هذه القوانين أو يظنون إنها لن تطبق بعدالة، لذلك سنطلب من المجلس الأعلى للقضاء لمتابعة تحقيق ما تقدم، وما اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إلا خير دليل على التزامنا الكامل لمعرفة الحقيقة، ولإعطاء كل ذي حق حقه".
في العيد وبعد أيام قليلة، سقط الشهيد علي الشيخ، بعد حملة قمع قامت بها قوات الأمن في منطقة سترة، وكانت تلك ترجمة فورية وواضحة لحالة الإصلاح التي كان يتحدث عنها ملك البحرين.
لجنة تقصي الحقائق المشكلة بأمر الملك نفسه، كانت تقوم بمهامها وسط حالات القمع وتساقط الشهداء، إلى أن انتهى فريق بسيوني من تحقيق ما جاء من أجله، وسلم التقرير، ليأتي دور الملك للرد في المكان والزمان إياهما.
تقبل الملك كما قال كل ما جاء في التقرير كما لو كان يعيش في كوكبا آخر لينفي عن نفسه العلم بما يدور في الشوارع والغرفة المغلقة في السجون، لكن ذلك لم يغير من الواقع شيئا، تواصل القمع وأعداد المصابين، فالخطاب الذي زادت كلماته على ألف و400 كلمة، ترك الكلمة العليا لوزارة الداخلية في التعامل بالطريقة التي تريد مع مختلف أوجه الاحتجاج، كان حصيلة ذلك سقوط أكثر من خمسة مواطنين قتلا بنيران رجال الأمن خلال الفترة اللاحقة للخطاب نفسه.
يقول الملك في رده على رئيس لجنة تقصي الحقائق: "إن تقريركم هذا يغطي مسائل خلافية هامة، ولقد سعيتم للوصول إلى حقائق تتعلق بفترة صعبة آلمتنا جميعاً، وعرفتم التحديات الغير مسبوقة التي واجهتها الجهات الرسمية، والاستفزازات العدائية المتواصلة من مختلف الجهات، داخل وخارج البلاد، وقدرتم مسؤوليتها في إعادة بسط النظام وسلطة القانون في مواجهة العنف وأساليب الترويع ضد المواطنين وضد المؤسسات الحيوية في الدولة، وفي نفس الوقت وجدتم تقصيراً حقيقياً من جانب بعض الأجهزة الحكومية، وبالأخص في عدم منع حالات من التعامل الأمني المفرط وسوء معاملة الأشخاص قيد الاحتجاز من قبل البعض"
.
يعود لأداء دور البريء حين يقول: "وإن تسائل البعض عن سبب طلبنا لجنة من الخبراء من خارج البلاد للنظر في مجريات أحداث شهري فبراير ومارس 2011، وما نجم عنها من تداعيات لاحقة، فإن جوابنا هو أن أية حكومة لديها الرغبة الصادقة في الإصلاح والتقدم، يجب أن تعي الفائدة من النقد الموضوعي الهادف والبناء".
الملك دأب في كافة خطاباته على التأكيد والإشادة "بالدور الوطني للقوات المسلحة لحفظ الأمن وسلامة البلاد من كل ما يهددها من أخطار"، في حالة انفصام واضحة في الشخصية بين ما يردده على المستوى الإعلامي، وما يحدث يوميا في القرى. والمحصلة أكثر من 50 شهيدا، آخرهم فتى في الخامسة عشرة من عمره قتل عشية الاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة.