» رأي
خطابي في الرابع عشر من فبراير...إلى جلالة القاتل
علي شريف - 2012-02-17 - 9:31 ص
علي شريف *
مر عام أيها الملك، عام علي بعد أن تركت كل عملي الذي وصلت إليه بسنين شاقة من الاجتهاد، لم أكن كاتبا ولم أكن صحفيا، وكانت دراستي الجامعية في تخصص علمي بحت، كنت أعمل حتى وأنا أدرس لأنني من عائلة فقيرة، حصلت على شهادة البكالريوس من جامعة البحرين ببعثة من وزارة التربية لأنني كنت طالبا متفوقا.
لم أحتج قبل هذه السنة لأية إعانة من أحد، فقد كان دخلي مرتفعا، وصرت أعيش في صفوف الطبقة المتوسطة. لكنني أيها الملك كنت أهتم بالناس منذ كان عمري 12 عاما، كنت أراهم كيف يعيشون في تلك القرية الفقيرة ويضطرون لأن يعملوا في وظائف متدنية جدا ومن الدرجة العاشرة حتى يوفروا نصف قوت يومهم، كنت أراهم كيف يركبون أبسط السيارات، وكيف يجلسون على الحصير أو على أرض ليست مفروشة داخل منازلهم.
كنت أرى بيوتهم كيف كانت تغص بعوائل أبنائها الذين لا يستطيعون استئجار شقة ولا الحصول على بيت، كنت أرى أطفالهم كيف يلعبون في الطرق الرديئة وكيف يحافظون على مصروف جيبهم البسيط ويقسمونه على فترتين، كنت في المدرسة الحكومية أرى كيف يأتي أبناء القرى إلى المدرسة بملابس رثة هي ربما نفس ملابسهم في العام الماضي، وكيف كانت أغراضهم وحقائبهم رخيصة وبسيطة.
كنت أيها الملك حين أزور أهلي في القرى الأخرى أو في العاصمة أرى الفقراء يتجولون في كل الشوارع يسألون الناس أعطياتهم، وأرى كيف أن الكثير من الشباب تصل أعمارهم إلى 25 وهم دون عمل، وكيف أن كثيرا من النساء والفتيات يعملن في بيوتهم ليكفين عوائلهن شر الحاجة والسؤال.
كنت أرى وكنت أرى الكثير الكثير أيها الملك، وكنت واحدا من هؤلاء الذين طالما أعوزت عائلته الحاجة، لأنك ببساطة أنت وعائلتك سرقتم كل خير هذا البلد، واعتبرتموه بمنطق القبيلة الغازية غنيمة فتح، على حساب كل من يعيش فيه سنة وشيعة. لكن هذا كله لم يكن ما حرك عدائي وكراهيتي لك أيها الملك، لأنك سلبت أهم ما نذرت نفسي لأن أعيش من أجله، وهو أن أعيش عزيزا.
أيها الملك.. كنت أنوي بمناسبة هذه الذكرى المجيدة أن أستعرض مع الشعب البحريني عاما من خطاباتك الكاذبة، عبر الوقوف عليها وتحليلها بلغة المتابع السياسي، لكنني حين بدأت مراجعتها وجدت أنه من العيب أن أضيع كل هذا الوقت لأجل خطابات ضعيفة ينقصها الصدق. لقد قررت أيها الملك أن أخطب فيك أنا اليوم!
أيها الملك، قبل عام ومع اندلاع ثورة الرابع عشر من فبراير، شاركت أهلي وأصدقائي وأبناء وطني العظيم حلم التحول السياسي الذي راودني منذ كنت ابن 12 عاما، حين سمعت لأول مرة بانتفاضة التسعينات التي قادها الزعيم الراحل الشيخ عبد الأمير الجمري (قدس)، لقد عشقت هذا الشيخ لأن قلبه خفق بحريتي.
حين مر صديقي (الذي هاجر من البحرين خوفا من قمع قواتك المرتزقة) بالبقعة التي سقطت فيها دماء الشهيد عبد الرضا بو حميد قرب دوار اللؤلؤة، انحنى عليها مقبّلا. دخلنا دوار اللؤلؤة لكن جيوش قبيلتك الغازية اغتالت حراكنا السلمي، واستباحت قرانا، وهتكت حرمة بيوتنا، واعتقلت حريتنا. لقد حاصرتنا جنود عرشك لكننا لم نخضع.
في مايو 2011 اتصلت بأستاذي لبدء تحرك منظم نستعد فيه إلى مواجهة أطول مع قتلة التاريخ من أمثالك. التقينا وكان في فمي كلام كثير، كنا أنا وهو ومجموعة من الكتاب والأكاديميين قد التقينا سابقا عند أحد أعمدة دوار اللؤلؤة.
منذ ذلك اليوم أيها الملك، وأنا قد تركت كل مجال عملي وتخصصي، وتفرغت للعمل مع زملائي الذين ينتشرون في كل أنحاء العالم، لنكون جزءا بسيطا من عطاء هذا الشعب العظيم في مواجهة طاغوت مثلك، عبر هذه الصحيفة (مرآة البحرين) التي تعمل بفيض من دماء الشهداء ليس إلا.
لقد قتلت من أصدقائنا وأبناء خالاتنا وعمومتنا من قتلت، وهجرت من هجرت، وفصلت من فصلت، لقد اعتديت على شبابنا وأطفالنا ولم تسلم من بطشك حتى نساؤنا الكريمات، شربت من دمائنا، لكننا لم نخف ولو للحظة.
لتعلم أيها الملك، أننا مستعدون لتحدي العالم أجمع إذا تطلب ذلك إسقاط عرشك المهزوز، فأنت لم تختبرنا بعد، ولم تر شيئا من بأسنا، كل فرد فينا أمة وتاريخ.
لقد سرت في أجسادنا دماء الشهداء واستنسخت فينا أرواحهم، لقد انتهى زمن الشعارات أيها الملك، فقد صارت المقاومة فننا وهي ما يشغلنا فرداً فرداً. لم تعش بعد لحظات الألم التي عشناها منك، لكنني أقول لك: ستخسر، وستخذلك كل تلك الدول في لحظة ضعف، كما خذلت آباءك من قبل، لحكمة واحدة، وهو أن التاريخ لا يتوقف أبدا، وهو ما لم تتعلمه من كل ما مضى وكل ما سيأتي.
تخرجت من كلية العلوم، ثم أصبحت أكاديميا، والآن ومن أجلك أصبحت كاتبا صحافيا، لكنني اليوم وبقلب صادق لا أريد سوى أن أكون شهيدا، يقلب ابني حبات التراب على قبري، ويذكر أنك قتلتني يا جلالة القاتل.
أخيرا... التاريخ تغيره الفكرة لا القوة... أيها الملك
* كاتب بحريني.