» ترجمات
يوم وليلة في أحد سجون البحرين – الجزء الثاني
2012-03-05 - 2:36 م
راديكا ساينث*، صحيفة منداويز
ترجمة: مرآة البحرين
في أزقة المنامة، صاح أحد قادة رجال الشرطة البحرينيين في وجهي بأنني كنت لا أبدي الاحترام، بينما كان آخرون من رجال الشرطة يجرون الشاب بعيدا. والمرأة التي حاولت حمايته بذراعيها وجسدها أجهشت بالبكاء. فمن المؤكد أنه سوف يتعرض للضرب وربما للتعذيب. شكرتني، على الرغم أنني شعرت بأنني قد فشلت.
عدت مسرعة عبر الأزقة الضيقة، والبيوت القديمة الرملية اللون ومنها إلى الطريق الرئيسي. أصوات القنابل الصوتية أرشدتني إلى المكان الذي أعاد الناشطون البحرينيون المطالبون بالديمقراطية تجمعهم فيه.
كل شيء بدا مطروحا في الضوء الأبيض الناعم. إن وسط المدينة في البحرين يمكن أن يكون كأي مدينة. فالمتاجر الصغيرة تصطف على الطريق الرئيسي الواسع، بعضها مفتوح، و البعض الآخر بأبواب معدنية جرارة تنزل من فوق الزجاج. خرج العشرات من الهنود، ربما كانوا من العمال أو من صغار رجال الأعمال، من محلاتهم، يراقبون الشرطة، الذين راحوا يركضون وراء امرأة نحيلة متموجة الشعر وهي أمريكية من أصل فلسطيني كانت هاربة منهم.
أبقيت رأسي بالأرض وعيناي مسمرتان بالآي باد، أمشي على الرصيف، ومن ثم توجهت إلى اليسار ودخلت بين شاحنتين متوقفتين. تجنبت النظر إلى عيني هويدا عراف وهي تمر بجانبي، تمشي بسرعة هربا من رجال الشرطة الذين كانوا يلاحقونها.
ابتعدت إلى أسفل الشارع، المسافة التي اعتقدت أنها آمنة، وأرسلت صورة للشرطة وهم محيطون بهويدا عبر تويتر. لم أستطع أن أراهم، فلقد كانوا عشرة رجال شرطة، وربما أكثر. وكان هناك عدد من النساء البحرينيات يحطن بها، ويحاولن مساعدتها.
رآني أحد رجال الشرطة فصاح في وجهي " التصوير ممنوع". فدسست الآي باد في الجيب الخلفي من حقيبة الظهر، وعدت إلى الوراء بضعة أقدام وانضممت إلى مجموعة الهنود الذين كانوا واقفين يشاهدون. أطلقت الشرطة عدة طلقات من القنابل الصوتية في الاتجاه الآخر. بووم بووم بوووم. فتفرق الحشد من حول هويدا، ولم يبق سوى هويدا، والشرطة، والهنود وأنا.
فكرت أنه ربما أستطيع أن أختلط مع أصحاب المحلات التجارية الهنود وأراقب الشرطة وهم يركبون هويدا في السيارة. وعندما حاولت أن ألتقط صورة أخرى، لاحظت أن الشرطة ينظرون إليّ. تقدم عدد منهم وطلبوا مني جواز سفري. قالوا، "نريد فقط رؤية اسمك". أعطيتهم الجواز. انحنوا إلى الأمام، يحدقون باسمي. نظر أحدهم إلى البلاك بري الذي بحوزته، وراح يبحث عن اسمي. وبدأ يقول باللغة العربية " Haida hiyye ". يعني "إنها هي".
لقد انتهى أمري. انه اسمي الذي كان في البيان الصحفي الأول ل(شاهد البحرين) الذي أعلن قبل يوم من مشاركتنا. وكانت هويدا قد أرسلت تقريبا جميع المقابلات المصورة بالفيديو الخاص بنشطاء حقوق الإنسان في البحرين إلى موقعنا على الإنترنت. لقد كانوا يلاحقوننا.
أحاطت بي حوالي عشر شرطيات، مخرجات دروعهن، وواحدة منهن وقفت أمامي مباشرة. هل ظنوا أنني سأهرب؟ سألت عدة مرات لماذا تم احتجازي، إذا كنت مطلوبة للاعتقال، وما هي القوانين التي خالفتها، وإذا ما كانت لي الحرية بالانصراف. ولكن لم يشأ أحد التحدث معي. وما تمكنت من رؤيته من وراء الشرطيات، هو أن الشارع كان خاليا من الناس. نظرت إلى ساعتي. فكانت 04:15 بعد الظهر.
لم يعرف أحد أنه قد تم اعتقالي. لقد ظنوا أنني لجأت إلى أحد البيوت في القرى هربا من مسيلات الدموع كما يفعل الناس في القرى كل يوم وكل وليلة، وذلك حتى يطهر الشارع من الغازات والشرطة. فماذا سيحل بي؟
وضعوني في سيارة الشرطة ونقلوني إلى سجن في وسط المنامة. كان مملوءا برجال الشرطة الذين كانوا يرتدون أحذية قتالية سوداء، وكان عناصر شرطة مكافحة الشغب، يحدقون بي، ولكن لم يتفوهوا بأية كلمة. مررت بالغرفة التي كانوا قد احتجزوا فيها هويدا وأبقوني في غرفة أخرى.
جلست هناك لساعات عديدة، يستجوبونني على نحو متقطع. أرادوا أن يروا صوري لكنني رفضت. أرادوا مني أن أسمي بعض الأسماء، لكنني رفضت.وسمعت أن محامياً بحرينياً وصل إلى السجن، ولكنهم ردوه من حيث أتى. سألت مرارا ما هي الجريمة التي ارتكبتها. فقيل لي، " سوف نصل إلى ذلك لاحقا".
ثم جاءني السؤال، سأله الضابط بلهجة تهديد والذي يجعل الشخص يرغب في إنكار كل شيء. ثم اتكأ إلى الامام كما لو كان يحاول أن يوقعني في الفخ قائلا لي: " تدعمين حقوق الإنسان، أليس كذلك؟".توقفت للحظة. "بالطبع أنا أدعم حقوق الانسان".
"إذا أنت تعترفين بذلك!" لقد حصلوا علي ما يريدون. ففي البحرين، دعم حقوق الإنسان هو شيء يشبه الإرهاب، وأنا قد اعترفت بذلك.
ولم يأخذوني أنا وهويدا إلا عند منتصف الليل تقريبا للقاء نائب قنصل الولايات المتحدة الأمريكية جينيفر سميث، ومساعدتها، السيدة جويس. وكانت السيدة سميث أول من أبلغنا عما يقوله البحرينيون عن اعتقالي: وهو أني كنت في مظاهرة غير قانونية. سألنا إذا كان بإمكاننا التحدث على انفراد مع السيدة سميث، ولكن الشرطة رفضت. وفي نهاية المطاف، همسنا إلى السيدة سميث عن قلقنا الرئيسي، وهو أن مقاطع الفيديو والصور التي بحوزتنا تظهر وجوه الكثير من المتظاهرين، الذين أجرينا معهم مقابلات وطلبوا منا إخفاء هوياتهم. فإذا سلمنا هذه المعدات، فمن الممكن أن تعرضهم للتعذيب. فقالت السيدة سميث: "كان يجب عليك أن تفكري بذلك قبل تسجيل الفيديو".
أخذونا حوالي الساعة 1:00صباحا إلى مكتب المدعي العام، حيث انتظرنا في غرفة باردة. وكانت هويدا ليست على ما يرام، فاستلقت على سلسلة من الكراسي البلاستيكية غير المريحة.
أدخلونا إلى مكتب المدعي العام، وهو رجل في أواخر العشرينات أو أوائل الثلاثينات يرتدي جلبابا أبيض متدفقاً وكان يجلس وراء مكتبه. وأخيرا، سوف يخبرنا أحدهم ما الخطأ الذي ارتكبناه.
قال المترجم، "أنتما متهمتان بالاحتجاج". [لم يقل protest بل قال protestation]
"ماذا؟"
"دعارة [prostitution]، أقصد الاحتجاج، أقصد، لا أعرف كيف تقولونها أنتم."
المدعي العام، كان غير مرتاح، فترجم بنفسه، موضحا أننا كنا في مظاهرة احتجاج.
سألته "هل يمكن أن تخبرني ما هي التعليمات التي تدعي بأنني انتهكتها؟".
قال: "سوف تعلمين ذلك لاحقا". لا أرى شهودا ضدي، جادلت للدفاع عن نفسي بقدر استطاعتي ضد المدعي العام الذي كان يمثل دور القاضي أيضاً.
وبعد بضع ساعات، وبعد أن تمت مصادرة أجهزة اللاب توب، وكاميرا الفيديو، والآي باد، والكاميرا الرقمية، والبلاك بيري والهاتف النقال، ومحتوى المحفظات ودفاتر الملاحظات، تم طلب ترحيلي أنا وهويدا. ولكن لم نكن حاضرين عندما صدر الحكم علينا.
احتجزونا في غرفة خاصة في المطار، حاولت أن أنام على الأرض الباردة. ولما اقترب الصباح، شعرت بأنني مريضة وأن حرارتي مرتفعة، أرتعش، ووجهي مشدود وجاف بسبب مخلفات الغاز المسيل للدموع. و كنت أتقيأ وعندي صعوبة في التنفس. سألت رجلا طويل القامة يلبس ثوبا بنيا كان يراقبنا أن يأخذنا إلى الطبيب.
وكان كل ما قاله لي: " في وقت لاحق ".
مررنا بالأمن، ومن ثم إلى الطائرة وأنا ما زلت اتقيأ في دلو بلاستيكي رمادي اللون كان مخصصاً للساعات ومحافظ النقود والعملات المعدنية. طلبت مرارا أن أتحدث مع السفارة الأمريكية وإلى طبيب. ولكنهم تجاهلونني. سألت الرجل الذي يرتدي ثوبا بنيا عن اسمه.
قال، وهو خارج الممر: "نبيل رجب"، لقد ذكر اسم شخص معروف في مجال حقوق الانسان. فسألته مرة أخرى. فذكر اسم سجين سياسي معروف أيضا. ثم مرة أخرى. وفي النهاية جاء من خلفي، انحنى إلى كتفي الأيسر وهمس في أذني اسما. ثم قال: "وزارة الداخلية". وزارة الداخلية، المعروفة باستخدام أساليب مثل الصعق بالكهرباء، والضرب، والحرمان من النوم، والتهديد بالاغتصاب، وأشكال أخرى من تعذيب السجناء السياسيين.
ألقوا بي إلى صف فارغ، في مكان اكتشفت لاحقا أنه طائرة الخليج التابعة للبحرين. ثم شعرت بأن ذراعي سحبتا فجأة إلى الخلف والأعلى، وأن أيدي تدفع برأسي إلى المقعد. وقبضة ما ضربت رأسي ثلاث مرات من الخلف. وأصفاد بلاستيكية تشد يدي بشدة إلى وراء ظهري.
يجب أن أكون قد فقدت وعيي، لأنه في مرحلة ما كان الظلام انقشع، واكتشفت نفسي منحنية إلى الأمام في وضع مؤلم، أحدق بدون هدف في الفراغ.
تم إحضار العصير والوجبات الخفيفة. المضيفون والمضيفات تجنبوا النظر إليّ وهم يقدمون أكواب عصير البرتقال والمشروبات الغازية. أحدهم رمى بعلبة من الوجبات الخفيفة على طاولتي. لم أذق الطعام منذ حوالي 24 ساعة تقريبا. والآن يمكنني فقط النظر إلى وجبة الطعام، فيداي مكبلتان.
جاء صحفي من تلغراف المملكة المتحدة لإجراء مقابلة معي، ولكن رجلاً في بدلة سوداء مخططة وبرأس أصلع يدعى صلاح قال له إن الطيار نهى عن ذلك. فالتحدث معي هو "نشاط سياسي"، والأنشطة السياسية ممنوعة في هذه الطائرة، التي كانت ملكا للبحرين، وبالتالي، ضمن الأراضي البحرينية. ابتعد الصحفي، سألت صلاح إذا كان بإمكاني استخدام الحمام.
فقال لي، وهو منحنٍ إلى الامام بالقرب من وجهي: "إذا كنت ترغبين في الذهاب إلى الحمام، فيمكنك الذهاب بنفسك".
سافرت لمدة سبع ساعات وأنا على هذه الحال. بدأ بلاستيك الأصفاد يجرح معصمي وهو مشدود كثيرا، سواء من الحركة أو التورم، حتى صار الألم لا يطاق. ويمكنني فقط الجلوس على الجانبين، في زاوية 45 درجة أو يمكنني وضع رأسي على الدرج المجاور لي. لم أستطع لمس عيني أو وجهي المكسو بالبصاق والدموع الجافة بسبب التقيؤ. سألت صلاح على الأقل أربع مرات لإرخاء الأصفاد، لكنه اكتفى بالقول أنها لم تكن مشدودة وأنه يكبل أيدي الناس في كل وقت على هذا النحو.
أخيرا، وصلت الطائرة إلى لندن. العالم الحر! لم يسبق لي أن كنت سعيدة للغاية لأكون على هذه الجزيرة الصغيرة الرمادية، سيدة الاستعمار لبلدي الحالي وبلد الأجداد.
ترجل الركاب وقام صلاح بقطع الأصفاد وأرجع لي جواز سفري الأمريكي. وكانت معاصمي حمراء من الأصفاد، ومجروحة في ثلاثة مواضع. تأذت كتفي وعنقي، ولكني أرجع ذلك إلى إصابة، وفي وقت لاحق عرفت أن العضلة في أحسن الأحوال قد فصلت جزئيا من العظم، مما تسبب في تسرب الدم. سأذهب إلى جراح عظام هذا الأسبوع. أجهزتنا الإلكترونية ما زالت محتجزة في البحرين.
وهكذا، أعود إلى نيويورك، فلقد تم طردي من البحرين في وقت مبكر جدا. أفتقد كثيرا أصدقائي البحرينيين الشجعان، ليس فقط زينب الخواجة ونبيل رجب، ولكن العشرات الذين لا يمكنني الكشف عن أسمائهم، الذين يواجهون الغازات المسيلة للدموع والرصاص والضرب والصعق بالكهرباء وكل ذلك لأجل الحرية. فأنتم أبطالي.
* راديكا ساينث هي محامية في مجال الحقوق المدنية تعيش في نيويورك. بالإضافة إلى كونها واحدة من الأعضاء المؤسسين" لشاهد البحرين"، وكانت قد قدمت الدعم لحقوق الإنسان والحركات الديمقراطية في المكسيك وباكستان وفلسطين والفلبين.
20 فبراير 2012
عدت مسرعة عبر الأزقة الضيقة، والبيوت القديمة الرملية اللون ومنها إلى الطريق الرئيسي. أصوات القنابل الصوتية أرشدتني إلى المكان الذي أعاد الناشطون البحرينيون المطالبون بالديمقراطية تجمعهم فيه.
كل شيء بدا مطروحا في الضوء الأبيض الناعم. إن وسط المدينة في البحرين يمكن أن يكون كأي مدينة. فالمتاجر الصغيرة تصطف على الطريق الرئيسي الواسع، بعضها مفتوح، و البعض الآخر بأبواب معدنية جرارة تنزل من فوق الزجاج. خرج العشرات من الهنود، ربما كانوا من العمال أو من صغار رجال الأعمال، من محلاتهم، يراقبون الشرطة، الذين راحوا يركضون وراء امرأة نحيلة متموجة الشعر وهي أمريكية من أصل فلسطيني كانت هاربة منهم.
أبقيت رأسي بالأرض وعيناي مسمرتان بالآي باد، أمشي على الرصيف، ومن ثم توجهت إلى اليسار ودخلت بين شاحنتين متوقفتين. تجنبت النظر إلى عيني هويدا عراف وهي تمر بجانبي، تمشي بسرعة هربا من رجال الشرطة الذين كانوا يلاحقونها.
ابتعدت إلى أسفل الشارع، المسافة التي اعتقدت أنها آمنة، وأرسلت صورة للشرطة وهم محيطون بهويدا عبر تويتر. لم أستطع أن أراهم، فلقد كانوا عشرة رجال شرطة، وربما أكثر. وكان هناك عدد من النساء البحرينيات يحطن بها، ويحاولن مساعدتها.
إحدى الصور من آي باد راديكا |
فكرت أنه ربما أستطيع أن أختلط مع أصحاب المحلات التجارية الهنود وأراقب الشرطة وهم يركبون هويدا في السيارة. وعندما حاولت أن ألتقط صورة أخرى، لاحظت أن الشرطة ينظرون إليّ. تقدم عدد منهم وطلبوا مني جواز سفري. قالوا، "نريد فقط رؤية اسمك". أعطيتهم الجواز. انحنوا إلى الأمام، يحدقون باسمي. نظر أحدهم إلى البلاك بري الذي بحوزته، وراح يبحث عن اسمي. وبدأ يقول باللغة العربية " Haida hiyye ". يعني "إنها هي".
لقد انتهى أمري. انه اسمي الذي كان في البيان الصحفي الأول ل(شاهد البحرين) الذي أعلن قبل يوم من مشاركتنا. وكانت هويدا قد أرسلت تقريبا جميع المقابلات المصورة بالفيديو الخاص بنشطاء حقوق الإنسان في البحرين إلى موقعنا على الإنترنت. لقد كانوا يلاحقوننا.
أحاطت بي حوالي عشر شرطيات، مخرجات دروعهن، وواحدة منهن وقفت أمامي مباشرة. هل ظنوا أنني سأهرب؟ سألت عدة مرات لماذا تم احتجازي، إذا كنت مطلوبة للاعتقال، وما هي القوانين التي خالفتها، وإذا ما كانت لي الحرية بالانصراف. ولكن لم يشأ أحد التحدث معي. وما تمكنت من رؤيته من وراء الشرطيات، هو أن الشارع كان خاليا من الناس. نظرت إلى ساعتي. فكانت 04:15 بعد الظهر.
لم يعرف أحد أنه قد تم اعتقالي. لقد ظنوا أنني لجأت إلى أحد البيوت في القرى هربا من مسيلات الدموع كما يفعل الناس في القرى كل يوم وكل وليلة، وذلك حتى يطهر الشارع من الغازات والشرطة. فماذا سيحل بي؟
وضعوني في سيارة الشرطة ونقلوني إلى سجن في وسط المنامة. كان مملوءا برجال الشرطة الذين كانوا يرتدون أحذية قتالية سوداء، وكان عناصر شرطة مكافحة الشغب، يحدقون بي، ولكن لم يتفوهوا بأية كلمة. مررت بالغرفة التي كانوا قد احتجزوا فيها هويدا وأبقوني في غرفة أخرى.
جلست هناك لساعات عديدة، يستجوبونني على نحو متقطع. أرادوا أن يروا صوري لكنني رفضت. أرادوا مني أن أسمي بعض الأسماء، لكنني رفضت.وسمعت أن محامياً بحرينياً وصل إلى السجن، ولكنهم ردوه من حيث أتى. سألت مرارا ما هي الجريمة التي ارتكبتها. فقيل لي، " سوف نصل إلى ذلك لاحقا".
ثم جاءني السؤال، سأله الضابط بلهجة تهديد والذي يجعل الشخص يرغب في إنكار كل شيء. ثم اتكأ إلى الامام كما لو كان يحاول أن يوقعني في الفخ قائلا لي: " تدعمين حقوق الإنسان، أليس كذلك؟".توقفت للحظة. "بالطبع أنا أدعم حقوق الانسان".
"إذا أنت تعترفين بذلك!" لقد حصلوا علي ما يريدون. ففي البحرين، دعم حقوق الإنسان هو شيء يشبه الإرهاب، وأنا قد اعترفت بذلك.
ولم يأخذوني أنا وهويدا إلا عند منتصف الليل تقريبا للقاء نائب قنصل الولايات المتحدة الأمريكية جينيفر سميث، ومساعدتها، السيدة جويس. وكانت السيدة سميث أول من أبلغنا عما يقوله البحرينيون عن اعتقالي: وهو أني كنت في مظاهرة غير قانونية. سألنا إذا كان بإمكاننا التحدث على انفراد مع السيدة سميث، ولكن الشرطة رفضت. وفي نهاية المطاف، همسنا إلى السيدة سميث عن قلقنا الرئيسي، وهو أن مقاطع الفيديو والصور التي بحوزتنا تظهر وجوه الكثير من المتظاهرين، الذين أجرينا معهم مقابلات وطلبوا منا إخفاء هوياتهم. فإذا سلمنا هذه المعدات، فمن الممكن أن تعرضهم للتعذيب. فقالت السيدة سميث: "كان يجب عليك أن تفكري بذلك قبل تسجيل الفيديو".
أخذونا حوالي الساعة 1:00صباحا إلى مكتب المدعي العام، حيث انتظرنا في غرفة باردة. وكانت هويدا ليست على ما يرام، فاستلقت على سلسلة من الكراسي البلاستيكية غير المريحة.
أدخلونا إلى مكتب المدعي العام، وهو رجل في أواخر العشرينات أو أوائل الثلاثينات يرتدي جلبابا أبيض متدفقاً وكان يجلس وراء مكتبه. وأخيرا، سوف يخبرنا أحدهم ما الخطأ الذي ارتكبناه.
قال المترجم، "أنتما متهمتان بالاحتجاج". [لم يقل protest بل قال protestation]
"ماذا؟"
"دعارة [prostitution]، أقصد الاحتجاج، أقصد، لا أعرف كيف تقولونها أنتم."
المدعي العام، كان غير مرتاح، فترجم بنفسه، موضحا أننا كنا في مظاهرة احتجاج.
سألته "هل يمكن أن تخبرني ما هي التعليمات التي تدعي بأنني انتهكتها؟".
قال: "سوف تعلمين ذلك لاحقا". لا أرى شهودا ضدي، جادلت للدفاع عن نفسي بقدر استطاعتي ضد المدعي العام الذي كان يمثل دور القاضي أيضاً.
وبعد بضع ساعات، وبعد أن تمت مصادرة أجهزة اللاب توب، وكاميرا الفيديو، والآي باد، والكاميرا الرقمية، والبلاك بيري والهاتف النقال، ومحتوى المحفظات ودفاتر الملاحظات، تم طلب ترحيلي أنا وهويدا. ولكن لم نكن حاضرين عندما صدر الحكم علينا.
احتجزونا في غرفة خاصة في المطار، حاولت أن أنام على الأرض الباردة. ولما اقترب الصباح، شعرت بأنني مريضة وأن حرارتي مرتفعة، أرتعش، ووجهي مشدود وجاف بسبب مخلفات الغاز المسيل للدموع. و كنت أتقيأ وعندي صعوبة في التنفس. سألت رجلا طويل القامة يلبس ثوبا بنيا كان يراقبنا أن يأخذنا إلى الطبيب.
وكان كل ما قاله لي: " في وقت لاحق ".
مررنا بالأمن، ومن ثم إلى الطائرة وأنا ما زلت اتقيأ في دلو بلاستيكي رمادي اللون كان مخصصاً للساعات ومحافظ النقود والعملات المعدنية. طلبت مرارا أن أتحدث مع السفارة الأمريكية وإلى طبيب. ولكنهم تجاهلونني. سألت الرجل الذي يرتدي ثوبا بنيا عن اسمه.
قال، وهو خارج الممر: "نبيل رجب"، لقد ذكر اسم شخص معروف في مجال حقوق الانسان. فسألته مرة أخرى. فذكر اسم سجين سياسي معروف أيضا. ثم مرة أخرى. وفي النهاية جاء من خلفي، انحنى إلى كتفي الأيسر وهمس في أذني اسما. ثم قال: "وزارة الداخلية". وزارة الداخلية، المعروفة باستخدام أساليب مثل الصعق بالكهرباء، والضرب، والحرمان من النوم، والتهديد بالاغتصاب، وأشكال أخرى من تعذيب السجناء السياسيين.
ألقوا بي إلى صف فارغ، في مكان اكتشفت لاحقا أنه طائرة الخليج التابعة للبحرين. ثم شعرت بأن ذراعي سحبتا فجأة إلى الخلف والأعلى، وأن أيدي تدفع برأسي إلى المقعد. وقبضة ما ضربت رأسي ثلاث مرات من الخلف. وأصفاد بلاستيكية تشد يدي بشدة إلى وراء ظهري.
يجب أن أكون قد فقدت وعيي، لأنه في مرحلة ما كان الظلام انقشع، واكتشفت نفسي منحنية إلى الأمام في وضع مؤلم، أحدق بدون هدف في الفراغ.
راديكا مغللة بالأصفاد في الطائرة |
جاء صحفي من تلغراف المملكة المتحدة لإجراء مقابلة معي، ولكن رجلاً في بدلة سوداء مخططة وبرأس أصلع يدعى صلاح قال له إن الطيار نهى عن ذلك. فالتحدث معي هو "نشاط سياسي"، والأنشطة السياسية ممنوعة في هذه الطائرة، التي كانت ملكا للبحرين، وبالتالي، ضمن الأراضي البحرينية. ابتعد الصحفي، سألت صلاح إذا كان بإمكاني استخدام الحمام.
فقال لي، وهو منحنٍ إلى الامام بالقرب من وجهي: "إذا كنت ترغبين في الذهاب إلى الحمام، فيمكنك الذهاب بنفسك".
سافرت لمدة سبع ساعات وأنا على هذه الحال. بدأ بلاستيك الأصفاد يجرح معصمي وهو مشدود كثيرا، سواء من الحركة أو التورم، حتى صار الألم لا يطاق. ويمكنني فقط الجلوس على الجانبين، في زاوية 45 درجة أو يمكنني وضع رأسي على الدرج المجاور لي. لم أستطع لمس عيني أو وجهي المكسو بالبصاق والدموع الجافة بسبب التقيؤ. سألت صلاح على الأقل أربع مرات لإرخاء الأصفاد، لكنه اكتفى بالقول أنها لم تكن مشدودة وأنه يكبل أيدي الناس في كل وقت على هذا النحو.
أخيرا، وصلت الطائرة إلى لندن. العالم الحر! لم يسبق لي أن كنت سعيدة للغاية لأكون على هذه الجزيرة الصغيرة الرمادية، سيدة الاستعمار لبلدي الحالي وبلد الأجداد.
ترجل الركاب وقام صلاح بقطع الأصفاد وأرجع لي جواز سفري الأمريكي. وكانت معاصمي حمراء من الأصفاد، ومجروحة في ثلاثة مواضع. تأذت كتفي وعنقي، ولكني أرجع ذلك إلى إصابة، وفي وقت لاحق عرفت أن العضلة في أحسن الأحوال قد فصلت جزئيا من العظم، مما تسبب في تسرب الدم. سأذهب إلى جراح عظام هذا الأسبوع. أجهزتنا الإلكترونية ما زالت محتجزة في البحرين.
وهكذا، أعود إلى نيويورك، فلقد تم طردي من البحرين في وقت مبكر جدا. أفتقد كثيرا أصدقائي البحرينيين الشجعان، ليس فقط زينب الخواجة ونبيل رجب، ولكن العشرات الذين لا يمكنني الكشف عن أسمائهم، الذين يواجهون الغازات المسيلة للدموع والرصاص والضرب والصعق بالكهرباء وكل ذلك لأجل الحرية. فأنتم أبطالي.
* راديكا ساينث هي محامية في مجال الحقوق المدنية تعيش في نيويورك. بالإضافة إلى كونها واحدة من الأعضاء المؤسسين" لشاهد البحرين"، وكانت قد قدمت الدعم لحقوق الإنسان والحركات الديمقراطية في المكسيك وباكستان وفلسطين والفلبين.
20 فبراير 2012
اقرأ أيضا
- 2024-11-13وسط انتقادات للزيارة .. ملك بريطانيا يستضيف ملك البحرين في وندسور
- 2024-08-19"تعذيب نفسي" للمعتقلين في سجن جو
- 2024-07-07علي الحاجي في إطلالة داخلية على قوانين إصلاح السجون في البحرين: 10 أعوام من الفشل في التنفيذ
- 2024-07-02الوداعي يحصل على الجنسية البريطانية بعد أن هدّد باتخاذ إجراءات قانونية
- 2024-06-21وزارة الخارجية تمنع الجنسية البريطانية عن ناشط بحريني بارز