(الطائفة المخطوفة): خلفنة البحرين وظهور شعب خليفة بن سلمان

عباس المرشد - 2012-03-21 - 8:23 ص





عباس المرشد*

في فترة صعود الثورة في البحرين (فبراير/شباط2011) فقدت السلطة مبررات شرعيّتها من قبل أغلبية الشعب، ولم يعد من الممكن تغطية الشرعيّة الحربيّة التي يستند عليها النظام في تدشين رؤيته السياسية الممانعة للديموقراطية، إلا عبر استثمار مشروع (خلفنة البحرين) وبعث (شعب خليفة بن سلمان).

في18مارس/آذار2011 صرّح زعيم الإخوان المسلمين الروحي يوسف القرضاوي بأخطر تصريح مسّ ثورة الربيع البحريني. تصريح القرضاوي جاء بعد عدة أيام من دخول الربيع البحريني مرحلة الحسم العسكري من خلال فرض قانون (السلامة الوطنية) في 15 مارس/آذار ونزول قوات الجيش البحريني لتطبيقه بمعيّة قوات درع الجزيرة العربية.

وللتذكير، فإن خطبة القرضاوي التي تمت إذاعتها على الهواء مباشرة في تلفزيون البحرين احتوت اتهامات خطيرة جدا على قائمتها، منها أن الثورة في البحرين طائفيّة وأنها موجهة ضد السنّة. واستمر القرضاوي في سرد أدلة وجدها مُقنعة من قبيل قيام المتظاهرين باستهداف السنّة بالأسلحة كما البلطجيّة في مصر واليمن، وأنهم استولوا على مساجد لأهل السنّة، مؤكدا على أن مظاهرات المُحتجين كانت تحمل صورا للإمام الخامنئي وللسيد حسن نصر الله.

ولتبرئة نفسه من هذه الاتهامات، قال القرضاوي أنه اتصل بمن يثق بهم في البحرين وأنهم أطلعوه على هذه الحقائق. بالنظر لموقع القرضاوي من ثورات الربيع العربي فقد كان هذا الشيخ أيقونة شاشة الجزيرة، إضافة للمفكر العربي  عزمي بشارة، وعبره كانت تصل كافة التعليمات إلى الإخوان المسلمين في بلاد الربيع العربي (تونس/مصر/ليبيا).

وبعيدا عن سيرة الشيخ القرضاوي والمواقف السلبيّة المتخذة بحقه قبل وبعد الربيع العربي، فقد مثّل الرجل شرعيّة المفتي العام لأهل السنّة المتدينين على الأقل. رغم ذلك، فإن انعكاس  وجهة نظر القرضاوي وتأثيرها بشأن البحرين على المستوى العربي، كان ضعيفا جدا، ولم يعط الثمار المرجوة منه خلافا لما هو عليه الوضع المحليّ في البحرين، إذ كانت خطبة القرضاوي بمثابة التأسيس الشرعي لما سنعرفه بظاهرة "شعب خليفة" القائمة على اختطاف الطائفة السنّية في البحرين، وعزلها عن الربيع العربي وحيويته.
بالرجوع إلى نص خطبة القرضاوي في (18مارس/آذار2011) تكشف  أبعاد عمليّة اختطاف الطائفة السنيّة في البحرين، وأيضا الأطر العامة والتفصيلية التي أُريد لها أن تتحرك من خلالها.

 
بالطبع لا يمكن فهم ذلك دون الرجوع لأرشيف ضخم ومتكاثر من عمليات الاختطاف التي لجأت إليها السلطة والقيادات الموالية لها في تثبيت عزل الطائفة السنيّة عن مجريات العمل السياسي وتأسيس"شعب خليفة بن سلمان".

وهنا سنسترجع التاريخ أيضا عبر كلمة ألقاها محمد خالد قبل يوم واحد أي في (20 فبراير/شباط) من تجمع الفاتح الأول (21 فبراير/شباط2011)، قال فيها بعد شتم الشيعة والقيادات السياسية والدينية المعارضة:" إن البحرين هي ديار (ملك) لثلاثة فقط هم حمد وخليفة وسلمان"، في الاجتماع الذي عُقد في مقر جمعيّة الأصالة السلفيّة حضره ممثلون عن جمعية المنبر الإسلامي (الذراع السياسي للإخوان المسلمين في البحرين). وبالطبع ستزيد هذه النعرات حضورها لدى الطائفة السنيّة في كلمة زعيم تجمع الفاتح وقتها. ولاحقا أجمع تجمّع الوحدة الوطنية الشيخ عبد اللطيف المحمود على أن الطائفة السنيّة في البحرين هي تحت (ستارة العائلة الحاكمة)، وأن مواقفها السياسيّة لن تكون على حساب إضعاف موقع العائلة الخليفيّة في أي هيكليّة سياسيّة.

لنبدأ الآن في التعرّف على ما سببّته هذه الخطب الدينية من استمرار اختطاف الطائفة السنيّة ودورها في مشروع "خلفنة البحرين" و"شعب خليفة بن سلمان". فقد أصبحنا على مقربة شبه واقعيّة من الأطراف التي مارست اختطاف الطائفة السنيّة وعزلتها عن الربيع البحريني.

فقد أشار أكثر من واحد إلى مجموعة الأسباب التي عجلّت بإظهار الشيخ عبد اللطيف المحمود في هذه الفترة ليكون قائدا للعمليّة برمتها داخليا وخارجيا حيث كان على رأسها ورود اسم الشيخ المحمود كقيادة بديلة للطائفة السنيّة في تقرير البندر الذي أعدّه الديوان الملكي في 2006، تولية القيادة للشيخ المحمود لم تكن عملية سهلة، رغم تمريرها، فقد أظهرت بعض الجهات المواليّة رفضها الانصياع لقيادة دينية، وحاولت تأسيس تجمّع على هامش تجمّع الفاتح يقوده ليبراليون إلا ان هذه الخطوة لم تكن في مسرد خطة الديوان الملكي.

لذا، سرعان ما توجهت تلك الأقلام لدعم تجمّع الفاتح واعتباره المارد السنيّ الذي سيواجه الشيطان الشيعيّ ويقمعه،  لزيادة الإيهام بقيادة تجمّع الفاتح لكافة الفئات السنيّة وقهر من يرفض الإنصياع للأوامر الصادرة من تجمّع الفاتح.

كما عكفت الصحف المحليّة على نفيّ الطابع السنيّ عن كل معارض سياسي وقلعه من طائفته التي ينتمي إليها أساسا، وفي الوقت نفسه كانت استراتيجية الخطاب الإعلامي آنذاك هي الكسب العدديّ وصفّ الأجساد مجتمعة ومعلبّة كما هي حال سمك السردين، فكانت أرقام حضور تجمّع الفاتح الأول والثاني تتزايد لتصل إلى عشرات الآلاف في دقائق معدودة حتى وصل العدد لأكثر من 400 ألف، على مساحة أقصاها 5 كلم مربع أي بمعدل 80 شخصا في المتر الواحد بسياراتهم.

إنها لعبة الأجساد المرقمّة التي سعى النظام لأن يتمم عملية اختطاف الطائفة السنيّة بها، فهولاء مجرد أرقام يمكن وضعهم في أي فضاء جغرافي وفي أي حلقة زار تعقدها قيادات الموالاة.

اللعبة لم تنته عند هذا الحدّ المقرف، فثمة ما يدور إعلاميا وعلى أرض الواقع، فالفئات السنيّة المعارضة لا تزال تتمسك بموقفها والفئات غير المعنيّة بدهاليز السياسة لا تزال أغلبيتها بعيدة عن هذه المائدة، فالرقم 400 ألف ليس إلا وهما وخدعة حُشرت فيها قيادات الموالاة وجماهيرها.

المفتاح السحري لمثل هذه المعادلة في أعراف النظم الديكتاتورية والمستبدة هو الخوف بكل ما يحمل المفهوم من دلالات إنسانية وسياسية من قبيل إشاعة الخوف وزرعه وتنميته ورعايته وحمايته ومكافأته.

فعندما لا تملك السلطة شرعيتها من أغلبية الشعب، تصبح وسيلة الحكم القمعيّة ضاغطة على أفراد المجتمع، ولمدة طويلة، يطور خلالها الأفراد علاقة خوف من النظام، فيصبح المجتمع ضحيّة النظام، ويدرك النظام هذه الحالة مع الوقت، حتى يتقن لعبة الابتزاز في حالات ارتجاجه ورغبته في الانعتاق والتحرر.

بالرجوع لتوصيف حالة الطائفة السنيّة قبل الربيع البحريني، نجد أن الجهاز الأمنيّ خلق حالة من الرعب كان هدفها تصفية المواطن نفسيّا لا جسديّا، ليذعن لإرادة قاهريه، ويرضى بالمقسوم، ويزكيّ السياسات المرسومة، ويهتف لها، وإن كانت بعيدة عن مصلحة الوطن، ولاغية للعدالة، ومخالفة للقناعات.

نجحت هذه السياسة باصطياد بعض الفئات من الطائفة السنيّة في الثلاثين سنة الماضيّة، لكنها الآن تنطلق عبر فتنة طائفيّة مصممة بامتياز، فلا طريق لزرع الخوف سوى بالابتعاد عنه ووضع مسافة حاجزة تسمى جدار الخوف.

يتحرك الشيخ عبد اللطيف المحمود ومعه جوقة من القيادات إلى المناطق السنيّة ليقول لهم إنهم في وضع غير آمن، وأن الشيعة يسهدفون ترحيل آل خليفة لترحيل أهل السنّة من بعدهم، وأن القادر على حمايتكم وتثبيتكم في الأرض هو خليفة بن سلمان.

الوقت لا يزال مُبكرا على إظهار شعب خليفة بن سلمان، فالتاريخ لم يبارح (13 مارس/آذار) بعد تاريخ دخول القوات السعودية إلى البحرين والإعداد يستمر بجهد ودون كلل.

في تقرير أصدرته الاستخبارات الأميركية ونشرته مجلة (روزاليوسف) لتفسير تأييد بعض المصريين لحسني مبارك، قدّم التقرير "متلازمة ستوكهولم" كسبب مناسب، ويقول التقرير:" تحدث تلك الظاهرة المرضيّة عندما تتعرض الضحية (الشعب) لضغط نفسي كبير ومتواصل، وكلما ازدادت فترة الضغط  كان المرض أعمق لدى البعض من أفراد ذلك الشعب الضحية، وفي الحالة المرضيّة يبدأ المرضى بتكوين آليّة نفسيّة خاصة للدفاع عن أنفسهم بشكل  لا إرادي، وذلك من خلال الشعور بالاطمئنان للجاني، خاصة إذا أبدى الجاني أية حركة تنمّ عن الحنان أو الاهتمام بالضحيّة حتى ولو كانت متناهية في الصغر، فالضحية تقوم بتضخيمها بحيث تبدو الحركة في عقليّة الضحيّة المريضة كبيرة للغاية ومؤثرة. وفي بعض الأحيان المدروسة، تؤمن الضحيّة بأن هناك خطورة في إنقاذها وأنها من الممكن أن تتأذى إذا حاول أحد ما مساعدتها أو إنقاذها. ولذلك تتعلق الضحية بالجاني (حسني مبارك في الحالة المصرية) بوتيرة متصاعدة، كلما شعرت أن نهاية الجاني قد اقتربت. والحركات الحانيّة والتعاطفي"

 في حالة "شعب خليفة" لم تكن سوى استقبالات رسمية لقيادات الموالاة من قبل أقطاب النظام، وخطابات إعلامية تؤكد على إرهاب الشيعة وترّبصهم بالمكونات السنيّة في البحرين.

مرة أخرى، يحتاج الخوف لعنف أشد وقمع مستمر وممنهج كي يُؤتي ثماره، وهذه المرة سيكون العنف من (قبضة المشير) وبلطجية موزعين على دوائر الدولة ومؤسساتها.

وفي  إطار هذه العلاقة غير السوية، التي تطوّرت بين أفراد الطائفتين السنيّة والشيعيّة ، حالة وعلاقة من الخوف من النظام وأعوانه حتى تحوّل المجتمع إلى ضحية كبيرة للنظام. فقد أدرك النظام أن الوقت قد حان لأن يُطوّر العديد من الحيل السياسيّة لابتزاز الشعب الضحيّة.

والسؤال هو هل كانت هناك مقاومة سنيّة لعملية الاختطاف؟ وكيف تمّ التعامل معها؟ ولماذا لم تظهر للإعلام؟ وأين تمركزت؟

هذا ما سنتطرق إليه في الحلقة الثالثة.




*كاتب بحريني.



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus