إلى عباس السميع
2017-01-16 - 5:34 ص
مرآة البحرين (خاص): نحن الآن عشية يوم شهادتك، ابتسامتك هي المتبقي فينا منك، كلما فتحنا صورتك انفتح علينا طيف من نور حضورك فينا. لم نسمح لصورتك الأخيرة وأنت على دكة المغتسل، أن تغسل عن أذهاننا ابتسامتك التي لا نعرف وجهك بدونها. ورغم وحشية الرصاصات الأربع اللاتي اخترقن قلبك، إلا أن وجهك السمح بقي كما هو، لم تغادره وداعته بمقدار شعرة، وإن غادرته ابتسامتك، وكفّت عيونك عن الإشعاع.
نفتح رواية «جو» على صفحة ابتسامتك. يخبرنا المعتقل (جهاد) عن تلك الابتسامة التي لم يتمكّن جحيم عذاب سجن جو من إسكاتها، كما لم يتمكّن من إخماد صمودك وصلابتك. الجلادون كانوا يؤكدون هزيمتهم أمام ابتسامتك حين لم يجدوا حلاً لإعدامها سوى تكسير أسنانك. هكذا ظنّوا أنهم قد يهزمونها لكنهم لم يستطيعوا.
لقد أدخلوا عليك أفراد عائلة الشحي في المعتقل لينفسّوا فيك انتقامهم، وكان أكبر همّك حينها وأنت تتلقى عذاباتهم وضربهم المبرح أن تؤكد لهم براءتك. لم يكن يهزّك الموت الذي تنتظره. تردّد لرفاقك في السجن: "ما دمت على الحق فلا يهمّني إن وقع الموت عليّ أو وقعت عليه"، لكن كان يوجعك كثيراً أن يظنّ شعب الإمارات وعائلة الشحي أنك أنت من قتل ابنهم. ولهذا كان يهمّك أن تُخبرهم أنك بريء من الجريمة التي لفقت لك بسبب نشاطك السياسي المعارض، ولهذا عرضت نفسك للمخاطر أكثر من مرّة وأنت تقوم بتصوير رسائلك من داخل السجن، وتوجهها لشعب الإمارات: أنا وإخوتي بريئون من دم الضابط الشحّي براءة الذئب من دم يوسف. لقد أقسمت ويدك على القرآن مراراً، وفي كل مرّة كنت ترجو أن تصدّقك عائلة الشحي، حتى لو أعدمك النظام البحريني.
لا أحد يعرف كيف كانت لحظة إعدامك. على الأغلب أنك شاهدت ساعتها وجوه من عائلة الضابط الإماراتي مرة أخرى، وربما تكون قد قرأت في أعينهم ثأر الغضب القبلي، وربما تكون الرصاصات الأربع التي اخترقت جسدك النحيل، بيد أحد أفرادهم. إذا كانوا هم قد أطلقوا عليك الرصاص الذي يميت في لحظة، فقد أطلقت أنت الرسائل التي ستعذّب ضمائر أحفادهم، سيعرفون حين ينجلي عماء الحقد والانتقام، وتهدأ غرائز القتل، أن قميصك هو قميص يوسف. سيدرك من سيأتي منهم أنهم قتلوا ابنهم مرتين، مرة حين أرسلوه لقتل شعب يوسف البريء، وليخوض معركة هي ليست معركته، معركة بين شعب مضطهد ونظام ظالم مستبد، ومرّة حين يعرفون صدق براءتك وصدق صوتك. سيدركون أن ابنهم راح ضحية قضية غير عادلة في الدفاع عن طاغية يريد أن يأكل شعبه.
لقد حضرت أمك يا عباس بقوة في مشهد هذا الصباح، قالت كلاماً لا نعرف إن كنت أنت من أودعته فيها، أم هي من أودعته في سرّ بطولتك الاستثنائية؟ أبّنتك بما يليق بشهادتك. لقد منحتنا قوّة أخرى كان يظنّ الطاغية أننا سنفقدها في لحظة إعدامك. لقد أتقنت اللحظة وهي تحمّل كل مجرم مسؤوليته أمام قتلك، خاطبتهم: أنت الذي وقّعت، وأنت الذي أعدمت، وأنت الذي ساندت، وشمتَّ على قتل ولدي الأستاذ عباس، سأتقابل معكم في يوم القيامة عند الله، هو من يأخذ الحق، وحسبنا الله ونعم الوكيل..