الإعلاميون بعد توصيات بسيوني.. مثل ما رحتِ جيتي..

2012-05-03 - 10:15 ص





مرآة البحرين (خاص):
مؤخراً، ُقدم للملك تقرير (اللجنة الوطنية) لتنفيذ توصيات تقرير (لجنة تقصي الحقائق) برئاسة علي الصالح. أكدت اللجنة أن توصيات الأخيرة تم تنفيذها على أرض الواقع، وأن كل الأمور (عال العال) و(البلد بخير وتمام). لكن في الواقع، لم يتم تنفيذ ولو جزئية بسيطة من التوصيات المتعلقة بحرية الإعلام والصحافة والانتهاكات التي طالت الإعلاميين، ولا ما يخص فتح القنوات الإعلامية أمام المعارضين، بل زاد التهجم على المعارضة ورموزها بشكل أكبر، ولا زال التضييق على الصحفيين يزداد حده، وتهميش المعارضين يزداد ضراوة، والإصرار على عدم إرجاع الإعلاميين المفصولين في مختلف المواقع مستمرا، يحدث هذا خلافاً لكل التوصيات الواردة في تقرير (بسيوني).

تغييب وتحريض

ففي الباب العاشر من تقرير بسيوني المتعلق بالمضايقات الإعلامية جاءت التوصية رقم 1641" بأن تتبنى الحكومة نهجاً أكثر مرونة في ممارستها للرقابة وأن تسمح للمعارضة بمجال أوسع في البث التلفزيوني والإذاعي ووسائل الإعلام المطبوعة"، في حين لم يتم - قبل التقرير أو بعده- استضافة شخصية واحدة في التلفزيون الرسمي محسوبة على المعارضة، بل لا يزال التهميش هو (سيد الموقف) والتلميح والهجوم في أحيان أخرى على المعارضين هو الغالب، فضلا عن الإذاعة والصحف الرسمية التي لا تزال تتهجم على الشخصيات المعارضة ولا من حسيب أو رقيب.

وكانت لجنة بسيوني قد أكدت في النتيجة رقم 1629 الواردة في التقرير أن المواد التي عُرضت في تلفزيون البحرين والإذاعة الرسمية ووسائل الإعلام المطبوعة الموالية للحكومة قد "تضمنت لغة مهينة وتغطية تحريضية للأحداث، وقد يكون بعضها قد انطوى على التشهير". في حين لا يزال المسؤولون ممن قادوا هذه الحملات التشهرية والتحريضية ينعمون في مواقعهم الإعلامية ويمارسون الأسلوب ذاته من التحريض والتهميش للمعارضة خلافا لتوصيات "بسيوني".

فصل من العمل

وكما أكد تقرير بسيوني في النتيجة رقم 1634 بشأن ملاحقة الصحفيين والانتهاكات ضدهم أن "عدد من الصحفيين قد اتهموا بالمشاركة في تجمعات غير مرخص بها عندما كانوا يغطون الأحداث، (...) وحاولت السلطات تقييد حرية التعبير والرأي لدى الصحفيين والمصورين والمدونين وغيرهم من الإعلاميين البحرينيين، وقد أدت هذه الحملة إلى الفصل من العمل، وفرض الرقابة على المقالات، والقيام بعمليات قبض وتوقيف بل وإلى إساءة المعاملة في بعض الحالات أثناء التوقيف".

ورغم التوصية بإرجاع المفصولين لمواقع عملهم وتأكيد الملك نفسه على ذلك، إلا أن المؤسسات الإعلامية الرسمية لا تزال تصر على عدم إرجاع الصحفيين لمواقع عملهم، مستمرة في فصلهم تعسفياً.

تخوين وترهيب

وأورد تقرير بسيوني في نتيجته رقم 1599 تقرير لجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة دولية غير حكومية، أكدت أن "العديد من الصحفيين الذين كانوا ينتقدون حكومة البحرين تعرضوا لحملة مضايقات وترهيب من السلطات، كما وثقت اللجنة العشرات من حالات توقيف الصحفيين، ووفاة صحفيين أثنين أثناء التوقيف، وتوقيف المدونين المنتقدين للحكومة لفترات طويلة، وإغلاق الصحيفة اليومية المستقلة الأولى في البلاد، والترحيل التعسفي، وإنشاء لوحات إعلانية وعمل إعلانات برعاية الحكومة تهدف إلى تلطيخ سمعة الصحفيين والناشطين، وعدد كبير من الاعتداءات البدنية على الصحفيين".

الاتحاد الدولي للصحفيين، يؤكد الانتهاكات الفظيعة التي طالت الإعلاميين خلال تلك الفترة ولا زالت مستمرة، أصدر بيان شديد اللهجة في مايو العام الماضي أدان حملة الترهيب التي تستهدف الصحفيين الذين يعملون في الصحف التي تنتقد الحكومة البحرينية، موجهاً الاتهام للسلطات البحرينية بالتضييق الممنهج على الإعلام في أعقاب الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

بيان الاتحاد الدولي للصحفيين، أكد أن "هناك ما لا يقل عن 68 صحفيا قد تم فصلهم من عملهم، أو اعتقالهم، أو اتهامهم بالخيانة، في حين اضطر آخرون للهرب إلى المنافي لتفادي الاعتقال في ظل حملة الترهيب المستمرة"، وأشار إلى أن "هناك حملة مروعة لإسكات المعارضة والصحافيين في البحرين. حيث تتدخل السلطات في شؤون الاعلام وتلجأ للترهيب الفاضح في محاولة للسيطرة على المعلومات وتحجيم التغطية المستقلة"، مبدياً قلقله العميق "لحالة الصحفيين في البحرين الذين تأثروا بهذه الحملة، سواء كانوا قيد الاعتقال، أو في انتظار المحكمة، أو المشردون في المنافي".

اعتقال وتعذيب

وهذا ما أكدته النتيجة رقم 1591 من تقرير بسيوني من أنه "ألقي القبض على عدد من الإعلاميين وخضعوا للسؤال خلال أحداث فبراير ومارس 2011 وتوفي اثنان من الصحفيين أثناء توقيفهم لدى الشرطة أو جهاز الأمن الوطني"، في الإشارة إلى الشهيدين الإعلاميين كريم فخراوي وزكريا العشيري الذين استشهدا تحت وطأة التعذيب في المعتقلات خلال فترة وجيزة.

ونموذج للانتهاكات التي طالت الإعلاميين من اعتقالات وتعذيب وتنكيل، هو ما تعرض له الصحافي فيصل هيات في السجن من تعذيب منذ أول يوم من اعتقاله،   وأيضا المدون العالمي محمود اليوسف، وكذلك الإعلامية نزيهة سعيد التي وثق تقرير بسيوني قضيتها في النتيجة رقم 1603 من التقرير حيث كانت تغطي الأحداث لصالح وكالة (فرانس 24) وراديو (مونت كارلو)، فضلا عن الإقالات الجماعية والفصل من العمل في وزارة الإعلام والثقافة للإعلاميين.

وذكر التقرير قصة نزيهة سعيد وما تعرضت له من تعذيب في السجن – كنموذج لما نال الإعلاميين من انتهاكات -   بعد اتهامهما بالمطالبة بإسقاط النظام، حيث حققوا معها عن التقارير الصحفية التي كانت تكتبها لوسائل الإعلام العالمية، وقد نالت الكثير من الركل والضرب بخرطوم مطاطي، وتعريضها للصعق بالكهرباء على ذراعيها، وسكب البول على وجهها، وحشر حذاء في فمها، كما أكرهت على التوقيع على ورقة لم يسمح لها بقراءتها.

منع وترحيل

ولم تقتصر الانتهاكات ضد الإعلاميين من المواطنين، بل طالت حتى الإعلاميين الأجانب العاملين في البحرين أو المراسلين لمحطات فضائية عالمية.

ومثال على ذلك، ما ذكره تقرير بسيوني في الفقرة رقم 1611 من إساءة معاملة التي طالت الأجانب العاملين في وسائل الإعلام الوطنية، وهو مواطن عراقي يعمل في صحيفة الوسط، حيث تم اعتقاله بعد استدعائه لهيئة شئون الإعلام، وقد تم تعذيبه في مركز الشرطة ضربا وتهديداً أثناء التحقيق، وترحيله فيما بعد هو وعائلته من البحرين، ومنعه من دخول البلاد مرة أخرى وتعميم ذلك المنع على دول عربية أخرى، حيث منع من دخول الأردن وسلطنة عمان في وقت لاحق.

 وبعد كل هذه الأنتهاكات والعذابات والترهيب الذي نال الصحفيين من السلطات، نددت نقابة الصحفيين البحرينية – حينذاك – بعمليات إلقاء القبض على الصحفيين وتوقيفهم لتغطيتهم أحداث فبراير ومارس 2011، وذهب النقابة إلى أن عمليات القبض تشكل جزءاً من الحملة المنظمة التي قادتها حكومة البحرين ضد الصحفيين والمصورين والمدونين وغيرهم من الإعلاميين البحرينيين، وتبلورت تلك الحملة في شكل الفصل من العمل والرقابة على ما ينشر والاعتقالات وإساءة المعاملة.

وبعد تقرير بسيوني الذي صدر منذ أشهر، وبعد تقرير لجنة تنفيذ توصيات تقرير بسيوني الذي ُسلم للملك مؤخراً، لا يزال الإعلاميون منتهكة حقوقهم ومضيق عليهم، مفصولين من أعمالهم، ومشردين في المنافي، ولم ينفذ من تقرير بسيوني وتوصياته بشأن ذلك (إلا الهواء)، والحبر الذي على الورق، وكما يقول المثل الشعبي: تيتي تيتي، مثل ما رحتِ جيتي..


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus