» رأي
رومانسية أنور الرشيد والقضية البحرينية
أنور الرشيد - 2012-05-14 - 8:16 ص
أنور الرشيد*
في أكثر من مناسبة نقاش حول الأزمة البحرينية يصفني بعص المتحدثين بأن رأيي في هذه الأزمة رومانسي أي أن العاطفة هي التي تتحكم برأيي الذي أبديه وأكتبه، هؤلاء يذكرونني في مرحلة الدراسة عندما كنا شبابا متحمسا للتغيير وطرح الرؤى التي نريدها أن تكون في المستقبل، فكانوا ينعتونني بأني أحلم بغد مشرق فأرد عليهم ولماذا لا أحلم بغد مشرق!؟
أتضح لي لاحقا بأنهم يتحدثون بما هو ليس في نطاق اهتمامهم، ونقاشهم للنقاش فقط، وعندما كبرنا واحتككنا بالكثير من العقبات والمشاكل التي لن ولم تنتهِ طالما أننا دائما نعالج مشاكلنا بدون تفكير متعمق، أتضح لي بأني على صواب وليس كما يصفونني بأني أحلم. فما هو حلم بذلك الوقت أصبح اليوم حقيقة. أما بالنسبة لرأيي بشأن الأزمة البحرينية فأني أصر عليه وسنحتفل إن شاء الله بهذا اليوم وقريبا جدا ولن يتغير رأيي لسبب بسيط هو أني مبدئي -أي أعتنق المذهب المبدئي- والمبدأ ليس كالسياسية تتغير بها المواقف بتغير ظروفها، ومن أمثلة المواقف المبدئية هي حرية الإنسان بشكلها المطلق.
الحرية هي شيء سامٍ لا يمكن التنازل عنه سواء لنفسي أو لغيري وسواء كان المعني به بحرينيا أو نيجيريا حتى ولو كان من الهوتو أو التوتسي، فالحرية هي قيمة لا يملك أي إنسان أن يمنعها عن إنسان آخر، هذا من جانب. أما الجانب الآخر الذي أود الدخول فيه هو المعالجة التي تقوم بها الأسرة المالكة البحرينية لشعب يريد حريته، وهي معالجة عفا عليها الزمن ولن تكون ذات فائدة في مثل هذه الظروف المحتقنة سياسيا، وليس طائفيا كما يحلو للكثيرين تصوره، وإن كنت لا أنكر بأن هناك احتقا طائفيا، لكنه احتقان بفعل فاعل ونتيجة لما ترتكبة الأسرة المالكة من حماقات أثرت وستؤثر على جميع شعوب المنطقة، فبطبيعة الحال عندما تقوم الأسرة المالكة بحماقتها بفصل وضرب واعتقال أبناء الطائفة الشيعية وتتهمهم بأنهم موالون لدولة أخرى وهي تعرف وتدرك تمام الإدراك بأن هذا الاتهام عارٍ عن الصحة، فهي بذلك تشق صف المجتمع الذي لم يكن في يوم من الأيام تعنيه هذه الفتنة التي تثيرها الأسرة المالكة.
كل الشواهد والوقائع تؤكد ذلك وهي ليست الوحيدة -أي الأسرة المالكة- التي استخدمت هذه الفزاعة الطائفية فكل الأنظمة القمعية تستخدمها لكي لا تتوحد جهود المجتمع ضدها، فما تقوم به الأسرة المالكة من سياسات اتجاه شعبها سياسات ستؤثر على استقرر منطقتنا كلها وليس مملكة البحرين الجميلة التي حرمونا من دخولها، وعلى ذلك أين الرومانسية في ذلك عندما يعتصر قلبي خوفا على مستقبل المنطقة في ظل سياسات خرقاء، لا يمكن أن تؤدي إلا لمزيد من التمزق وضرب وحدتنا ولحمتنا، ناهيكم عن القادم من الأيام والتي أرجو أن لا يتم هذا الاتحاد المزعوم وإن شاء الله يموت هذا الاتحاد في مهده، لأنه سيفتح أبواب جهنم على الخليج كله، وليس على السعودية والبحرين، لأن هذا الاتحاد جاء نتيجة للضغط المتواصل الذي يمارسه شعب البحرين لنيل حريته من هذه الأسرة التي كثيرا ما نكثت بوعودها لشعبها وأشهرها انقلابها على دستور العام 1973وما تلاه من تشريد وسجن واعتقال. نعم أنا اثق بأن هناك متطرفين وهناك من رفع شعار الجمهورية، وهناك من قام بأفعال لا أقرها وأعارضها معارضة شديدة. لكن قياس أحداث الماضي على أحداث اليوم هو خطأ استراتيجي يقع به الكثيرون من الذين يدلون بدلوهم في مثل هذه الأحداث.
إن التخوف من أن تصبح مملكة البحرين مملكة دينية ويسيطر على قرارها رجال الدين كما حصل في دول مجاورة عندما وصلوا للحكم، لا مبرر له فهذا أمر لن ولم يحدث في هذا العصر، وحتى الأخوان المسلمين في تونس ومصر وليبيا يستحيل عليهم اليوم أن يعلنوا الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة مثل ما طبقتها طلبان وطبقها النميري ولن يستطيعوا بأي حال من الأحوال حتى لو سيطروا على البرلمان ورئاسة الجمهورية أن ينقلبوا على المجتمع ويطبقون ما كانوا ينادون به، وها هي اليوم كل التيارات الإسلامية تتحدث عن الدولة المدنية وتداول السلطة.
قد يقول قائل: بأن هذا الأمر للاستهلاك الجماهيري وسينقلبون عليه وسيتحججون بأنهم يطبقون كتاب الله، أقول: نعم يمكن أن يحدث ذلك ولكن لن ينجحوا به، فالمجتمع المحلي والدولي لن يقبل أن تتكرر المأساة الإنسانية مرة أخرى ولن يقبل المجتمع الإنساني أن يتم قطع يد سارق أو رجم زانٍ. فالشعوب اليوم تختلف عن شعوب الأمس يا سادة، والأجيال التي طالبت بحقها عرفت طريق الحرية وذاقت حلاوته ولن تتنازل عنه مهما قدمت من تضحيات.
وأخيرا رومانسيتي ستنجح وسنحتفل بانتصار المبادئ والقيم الإنسانية وما سيحصل، ولا أستبعد أن يكون هناك صراع بعد نجاح التغيير المنشود، وهذا أمر يحدث وحدث بكل المجتمعات البشرية عندما انتقل المجتمع من مرحلة إلى أخرى، فهذه هي طبيعة التغير ولابد وأن يتلوه صرع ومن ثم استقرار، والمجتمعات التي وصلت للمرحلة التي ننشدها مرت بظروف أسوأ من الظروف التي نمر بها وقدمت الملايين من الضحايا. وفي النهاية لا ديمقراطية إن لم تعّمد بدماء أبنائها وهذه هي الضريبة وإن شاء الله تكون ضريبة أهل البحرين وانتقالهم لمرحلة جديدة بأقل الخسائر.
* الأمين العام لمنتدى الخليج ومؤسسات المجتمع المدني
** ينشر بالتزامن مع مرآة البحرين
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق