» حوارات
’مرآة البحرين’ تحاور وفد ’جنيف’ : يوم شهدت الأمم المتحدة على ’جحيم’ البحرينيين!
2012-05-28 - 5:45 م
** عبدالنبي العكري: إجماع دولي ضد البحرين لأول مرة منذ عقود في الهيئة الأممية.. وهذه هي الأسباب
** سيد هادي الموسوي: أكثر الدول انتقاداً وأكثرها في عدد التوصيات.. لقد خسروا الجولة
** عيسى الغائب: وجود دائم للمفوضية السامية.. هذا هو الحل.. وهم قد يخلصون إلى ذلك!
مرآة البحرين (خاص): هدأ غبار المعارك في جنيف. لكن ذلك ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد. فحتى سبتمبر/ أيلول المقبل، المهلة النهائية الممنوحة إلى حكومة البحرين للرد على التوصيات المائة والأربعة والسبعين التي اعتمدتها الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، ستكون البحرين أمام المجهر: توافق عليها أو تتحول إلى دولة مارقة!
على مدى أسبوع كامل، ظلت جنيف ساحة للحروب الخفية بين وفدي الحكومة والنشطاء ومؤسسات المجتمع المدني. النجاح يكمن في التأثير. تلك هي القضية. وعلى ذلك، استمات كل من الطرفين في شرح مواقفه. لدى النشطاء قصة قوية، واقعية ومؤثرة، تدعمها الصور والوثائق. ولدى الحكومة "ادعاءات"، مجرد ادعاءات، فإن رقت إلى خطوة أبعد، فهي "مزاعم" ليس إلا. على هذا، كانت جنيف مكاناً لصراع الحقائق مع المزاعم، وهي ليست سواء.
"مرآة البحرين" كانت حاضرة في الأجواء، وقد حاورت عدداً من وجوه وفد المؤسسات المجتمع المدني إلى جنيف، وفيما سيلي مقتطفات:
مرآة البحرين: هل توقعت أن يجيء رد حكومة البحرين بهذا الشكل على توصيات مجلس حقوق الإنسان، تأجيل كل شيء للدراسة؟
عبدالنبي العكري: لا، لأنه لاتوجد دولة ترفض القبول حتى بتوصية واحدة. هناك 174 توصية، وبعضها بديهي جداً، لذا كان أحرى لو أنها قبلت بعض التوصيات. رأينا الدول الأخرى، قبلت كل التوصيات خلا استثناءات قليلة. بما في ذلك دولتان عربيتان، هما تونس والمغرب. فالأولى قالت إنها ستدرس 3 توصيات من بين 162 توصية قبلت معظمها، والمغرب رفضت واحدة وأجلت 7 للدراسة من بين 48 توصية قبلتها. لذا، فإن عدم قبول البحرين حتى توصية واحدة، هو شيء غريب جداً.
المرآة: إلى ما تعزو ذلك؟
عبدالنبي العكري: إجماع دولي ضد البحرين لأول مرة منذ عقود.. |
السيد هادي الموسوي: وزير حقوق الإنسان صلاح علي استلم مهامه توا، وهو غير قادر على معالجة إشكالية حقوق الإنسان في البحرين، التي يبدو أنها تخضع لتجاذبات داخل المؤسسة الرسمية. لذا، من الصعب عليه البت في التوصيات خلال أيام معدودة، خشية من أن يوقع حكومته في حرج. لكن ذلك يكشف لنا، أن كل التوصيات، لو لم تكن ذات مصداقية عالية، لما كان تردد في القول إنه سيلتزم بها. غير أنها كانت كذلك. إن ذلك يعطينا مؤشراً واضحاً على أن اليد الطولى في البحرين اليوم لما تزل إلى الحل الأمني الذي يتعارض مع هذه التوصيات. إن كل التوصيات تتصل في غالبيتها العظمي بكبح جماح السلوك الأمني. بينما الوزير لايستطيع القفز على سلوك تعده السلطة "استراتيجيا".
لقد علل عدم الرد بالإيجاب على أي من التوصيات بأن بعضها يتعارض مع القوانين المحلية. هذا إقرار من الوزير بأن القوانين المحلية أدنى بكثير من سقف القانون الدولي. في حين نعرف أن القانون الدولي والمعاهدات الدولية تسمو على القوانين المحلية. السلطة معنية ابتداءً بترميم قانونها المحلي حتى يصل إلى أدنى سقوف القوانين والمعاهدات الدولية، ولكنها تتهرب من القيام بهذه الخطوة. خصوصا أنها نالت الكم الأكبر من التوصيات والانتقادات مقارنة مع الدول التي تمت مراجهة ملفاتها.
لاشيء عادي: كله تحت طائلة المساءلة
المرآة: بعض التوصيات عادي جداً، وهي تتعلق بالتعليم والطفل. مع ذلك، فالبحرين أجلت أيضاً الموافقة عليها!
العكري: كانت هناك توصيات عادية أيضاً في العام 2008، أعلنت البحرين الالتزام بها. وهي التوصية المتعلقة بوضع خطة وطنية لنشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال المناهج الدراسية. فماذا حدث؟ أنشأوا مقرراً عبارة عن إشادات مرسلة بالحكم وأركانه، وأسموه "تربية وطنية". لم يضعوا فعلا استراتيجية وطنية تستفيد من الخبرات المحلية والدولية. يفهمون ثقافة حقوق الإنسان أنها ثقافة تمجيد الحكم، وليست الثقافة التي تعرف المواطنين بحقوقهم. حتى "حقوق الإنسان" يريدون أن يضعوا لها تفسيرات أخرى. إنهم لا يريدون أن يلتزموا بها ببساطة. وحتى التوصية المتعلقة بالاعتداء البدني على الأطفال، كيف لهم أن يلتزموا بوضع استراتيجية على هذا الصعيد، في حين نعرف أن هناك أطفالاً معتقلون وجرى تعذيبهم. إن هذا سيساءلون عليه.
المرآة: تمسكت رئيسة المجلس (لورا ديبوي) بطلب حماية المشاركين في المراجعة الشاملة الذين مثلوا مؤسسات المجتمع المدني. رغم اعتراض البحرين واليمن والكويت وبيلاروسيا إلا أنها بدت مصرة.
العكري: أعتقد أن موقفها سليم جداً، لأنه استند إلى وقائع. لقد جرت حملة تشهير في الصحافة إزاء الوفد البحريني المستقل، الذي يمثل في الواقع منظمات المجتمع المدني الحقيقية. ونحن نستذكر ما حصل سابقا العام الماضي 2011، حين أصبحت حملات التشهير مقدمة إلى الاعتقال أو القيام بإجراءات حقيقية على الأرض. إن هذا من صميم مهمتها، كرئيسة لمجلس حقوق الإنسان، وهي قد اطلعت على النصوص التي نشرت في الصحافة، بعد أن تمت ترجمتها لها. إن هؤلاء الناس الذين جرت مهاجمتهم، والتشهير بهم، يشاركون في المراجعة الدورية الشاملة. وهناك آلية تقع من ضمن صميم عمل الأمم المتحدة، تقول إن من يتعاونون معها من النشطاء يجب أن يتمتعوا بالحماية الكاملة. إصرار الرئيسة إذن كان أمراً طبيعياً، فهي لفتت إلى أن هناك حملة ضد النشطاء الحقوقيين المشاركين في المؤتمر، وطلبت من الحكومة تأمين الحماية لهم. الشيء غير الطبيعي هو رد رئيس الوفد صلاح علي، بقوله إنه يرفض ذلك رفضاً باتاً. كان ينبغي أن يقول، نعم، حصل ذلك ونحن لانوافق على هذا التشهير في الأقل، ويؤكد أمام المجلس حماية هؤلاء الناس.
المرآة: قد يبدو اعتراض البحرين والكويت واليمن متفهماً. لكن ما تفسيرك لموقف بيلاروسيا؟
العكري: بيلاروسيا نظام ديكتاتوري استبدادي لايختلف عن الدول العربية، وهناك علاقات تجارية مشتركة بينها وبين البحرين. كما أن هناك صفقات ووفود مشتركة تروح وتأتي. أما اليمن، فهي خاضعة اليوم لابتزاز دول مجلس التعاون. لقد أصبحوا رهينة له بعد الحل الذي تم فرضه في اليمن. وهم يراهنون على إنقاذهم اقتصادياً. تحدثت شخصياً مع السفير اليمني بعد الجلسة، قلت له: كأنما لم تحدث ثورة عندكم! لكنه لم يعلق. موقف اليمن هو عملية تسديد فواتير، ليس إلا.
موقف دولي.. ليس أوروبيا فقط
المرآة: المواقف القوية التي عبرت عنها دول أوروبا في جلسة المراجعة الشاملة، بما فيها أوروبا الشرقية، غطت كافة الملفات: من التعذيب إلى الإفلات من العقاب إلى الاختفاء القسري إلى قوانين الصحافة إلى المفصولين إلى هدم المساجد إلخ. كيف تمكنتم من شرح موقفكم إلى هذا المستوى من الوضوح؟
العكري: هذا موقف دولي وليس أوروبياً فقط. على مدى 4 أعوام قدمت البحرين الوعود تلو الوعود ولكنها لم تف بها. بل أن أوضاع حقوق الإنسان تدهورت في الواقع بشكل خطير جداً. وهؤلاء لهم عيون وآذان، ويرون الحقائق أمامهم. الأكيد أنهم اطلعوا على تقرير حكومة البحرين، كما اطلعوا على تقارير مؤسسات المجتمع المدني، وأيضاً على تقرير خبراء الأمم المتحدة. وقد وجدوا بالمقارنة، أن تقرير البحرين ليست له مصداقية، فهو يحلق في الفضاء، ويمثل إنكارا كاملاً للوقائع على الأرض. لذا كان لابد أن يكون ذلك هو موقفهم.
الموسوي: كنا ننتظر بعد 4 سنوات من قبول البحرين بتوصيات العام 2008 أن تأتي الحكومة وتطرح تقريرها بحيث تتكلم عن قانون الصحافة مثلاً الذي أعطت وعوداً بشأنه. فقد مرت سنوات عديدة عليه، وهو لما يزل قيد الأدراج. كانت هناك في دورة المراجعة السابقة توصية تتعلق بحماية الأفراد من الاختفاء القسري، وهي تكررت هذا العام أيضاً، وكان رد الحكومة وقتئذ هو البدء في اتخاذ الإجراءات الدستورية للانضمام إلى اتفاقية حماية الاختفاء القسري. كما لو أنهم احتاجوا 4 سنوات من أجل أن يأتوا إلى هنا ويقولوا سندرسها. أعتقد أن البحرين أفرطت كثير في الوقت الذي منحت إياه، ولم تكن جادة بالفعل. وتفاقمت اللاجدية مع سوء حظها حين بدأت الحركة الاحتجاجية في فبراير/ شباط 2011، لنفاجأ بارتكابها كل هذه الجرائم التي غطتها مداخلات الدول الأعضاء، وهي في الحقيقة بمثابة كارثة حقوقية. يوم الاثنين كانت البحرين هي الأكثر انتقادا من قبل أكثرية الدول، وانتهاكاتها هي الأكثر وضوحا. وربما نمّ عن ذلك تعداد التوصيات التي ذكرت (174) والتي فاقت بها جميع الدول التي تمت مناقشة ملفاتها.
المرآة: لكن هذا الوضوح الذي بدا على مواقف الدول يقابله حالة من الإنكار التام عبر عنها الموقف الرسمي. بل أن رئيس الوفد لم يستنكف الزعم أمام مندوبي الدول بأنه: لايوجد عندنا سجين سياسي واحد. على ماذا كانت تعول البحرين؟
الموسوي: أعتقد أننا محظوظون بمثل هذه التصريحات لأنها تكشف للعالم مدى تعنت السلطة. حظنا ينبع من أن السلطة لاتعرف حتى أن تقدم التقرير الخاص بها بصورة مقنعة. أشار الوزير إلى انتهائهم من وضع تعريف إلى التعذيب. وأنا لا أعرف هو يود إقناع من بهذا الكلام، ذلك أن اتفاقية مناهضة التعذيب طرحت بشكل جامع مانع، تعريفاً للتعذيب. وربما تكتشف ذلك للوهلة من اسمها: "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". فأنت ماذا تريد أن تعرّف فيها إذن. أنت لن تجد فيها ثغرة واحدة حتى. وما هذه المماطلة، والزعم أنهم يناقشون وضع تعريف للتعذيب، إلا محاولة من أجل التوصل إلى تعريف يخرجون به السلوك العسكري أو الشرطي من ممارسة هذه الجريمة. حتى وإن صدر التعريف، فهو لاحق وليس سابقاً. أي أن ما حصل مدان بما هو متوفر في التعريف الدولي، حتى وإن لم يكن ثمة تعريف محلي له.
عيسى الغائب: إن تعريف التعذيب في قانون العقوبات البحريني يخالف تماماً ما جاء في المادة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب التي صدقت عليها البحرين في وقت سابق، وامتنعت عن إبداء أية تحفظات عليها. حين يتحدث الوزير اليوم عن تعديل تعريف التعذيب، ووضع تعريف جديد، فهو يضرب بذلك المعيار الدولي. فما دمت قد صدقت على الاتفاقية، فإذن ينبغي أن يكون التعريف متطابقاً معها. إن من المهم مواءمة القوانين المحلية مع القانون الدوليّ، وأي اتفاقية توقع عليها دولة البحرين، تعتبر قانونا وطنياً، كائناً ما كانت الاتفاقية. البحرين صدقت على 7 اتفاقيات دولية، لذا فإن عليها الالتزام بما جاء فيها، وليس البحث عن تعريفات خاصة. وإلا ما جدوى التصديق من الأصل.
حقائق لايمكن التلاعب بها
عيسى الغائب: وجود دائم للمفوضية السامية.. هذا هو الحل.. |
الغائب: طبقاً لما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة المحقق محمود شريف بسيوني، فإن أكثرية المحتجزين هم سجناء رأي. اعتقلوا على أساس التجمهر أو التعبير، وهما حقان مكفولان بحسب القوانين. في الوقت الذي نعرف أن كثيراً ممن حوكموا تمت محاكماتهم [في محكمة السلامة الوطنية] على أساس التجمهر أو التجمع السلمي. في محاكمات خاصة [داخل مبنى عسكري وبرئاسة قاض عسكري] قال عنها بسيوني نفسه: "لاتنطبق عليها صفة المحاكمات العادلة" بل أنها "تخالف المعاهدات الدولية". التقرير أشار أيضاً، إلى أن هؤلاء المسجونين لم يرفعوا السلاح، كما بحث في الدوافع بقوله "كلما سقطت ضحايا ارتفع سقف المطالب". بالتالي، لا أدري فعلاً على من يمكن أن تنطلي مزاعم من مثل القول إن هؤلاء أدينوا في جرائم جنائية. لقد قام بسيوني بتثبيت حالات التعذيب، كما رأى أن هناك منهجية فيها، إضافة إلى المنهجية في طريقة القبض والاعتقال. وهو أقرّ أيضاً بمن لقوا حتفهم داخل السجن. ونحن اليوم لدينا إحصائية تتألف من 84 شخصاً قتلوا، بينهم حوالي 13 طفلاً. هذه حقائق لايمكن التلاعب فيها.
المرآة: لحظت أن إحدى الدول وهي فنلندا توقفت عند القانون الجنائي البحريني، داعية إلى تعديل المواد التي قد يساء استخدامها ضد من يمارسون الحق في التجمع والتعبير عن الرأي. يبدو أن لا شيء خارج من تحت المهجر.
الموسوي: لأن القانون الجنائي في البحرين ليس عادلاً. إنه يفتقد إلى البحث في الدوافع التي تقع فيما وراء ارتكاب الجريمة. القانون الجنائي أو قانون العقوبات سيء جداً. وكثير من مواده مخالفة للعهدين الدوليين [العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية]. إن تعريف التعذيب الذي تفاخروا في جلسة اعتماد التوصيات بأنهم انتهوا من وضعه يربط التعذيب بحدوث ألم شديد.
المرآة: لكن الوزير تكلم في جلسة اعتماد التوصيات أيضاً عن أن التعذيب لايسقط بالتقادم.
العكري: هذا في القانون الدولي، لايسقط بالتقادم. ولكن من خلال التجربة فإن المئات من الضباط البحرينيين وأعضاء الشرطة متورطون في التعذيب ولم نرَ أحداً سيق إلى المحاكم. ثم أن هذا الكلام يناقض في الصميم المرسوم رقم (56) الصادر عام 2002 والذي منح عفواً لكل من قام بالتعذيب في الفترة السابقة. يمكن أن تقول البحرين إذن إن التعذيب لايسقط بالتقادم ولكن يمكن للملك بما أن لديه سلطة إصدار العفو العام العمل خلاف ذلك. وبالتالي فأنت لن تصل إلى نتيجة.
شرحنا موقفنا جيداً وحصدنا
المرآة: برأيك، كيف أتت المواقف الدولية في جلسة المراجعة بهذه الحدة. لنتوقف عند الجهود التي قامت بها مؤسسات المجتمع المدني؟
العكري: برأيي إن النشطاء والجمعيات الحقوقية في البحرين، وحتى المكاتب الحقوقية في الجمعيات السياسية اشتغلوا بشكل حرفي جدا وبتنسيق جيد، واستفادوا بشكل ممتاز من آليات الأمم المتحدة. ثم الأهم، أن قضيتهم عادلة، لذا فالدفاع عنها سهل. نحن لا نحتاج إلى جهود خارقة لنبين للعالم بأن هذه السلطة قامت بانتهاكات لاسابق له في تاريخ البحرين، وربما حتى في كثير من البلدان الأخرى. لم يكن النظام مهددا لكي يقوم بكل ما قام به، والمطالبة بتغيير النظام كانت محدودة جداً، وتفتقد إلى الوسائل العملية، ومن طرحها لم يمارس العنف.
إن ما حصل جاء نتيجة عوامل عدة: الحقوقيون اشتغلوا بشكل صحيح من جهة. دخلنا بحسن نية في آلية "لجنة التسيير"، على الرغم من معرفتنا بسوابق هذه السلطة. كنا نريد، كمجتمع مدني، أن ننجح هذه الشراكة. ولكن من الواضح أنهم في الأمم المتحدة اكتشفوا أن البحرين غير جادة في هذه الشراكة. كنا نشارك في الاجتماعات. وحاولنا أن نطور هذه الشراكة من أجل دفع الحكومة لأن تفي بالتزاماتها، كما تقدمنا باقتراحات عديدة، ولكن لم تكن هناك استجابة. بالنسبة إلينا في المجتمع المدني، فقد شكلنا "ائتلاف المرصد الوطني" لمتابعة تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق وغيرها من الأشياء الحقوقية. وأعددنا الملفات بشكل جيد ثم قدمناها إلى الأمم المتدحة في الوقت المحدد.
ثم من جهة أخرى، هناك المنظمات الدولية، العديد منها لها تجربتها وخبراتها مع حكومة البحرين. كانت على الأرض ترصد، وعانت كما عانينا نحن. وقد طردوا، هم والصحفيون الأجانب، وتم التحقيق معهم، وفي أحسن الأحوال منعوا من دخول البحرين. وهذا كله موثق بالصوت والصورة. إن هذا لم يحدث في بلدان أخرى. إضافة إلى كل ذلك طبعاً، هناك الوقائع، ضحايا من لحم ودم، لايوجد شيء أقوى من الوقائع. فهي ذات طبيعة دامغة.
بدورها، فإن الأمم المتحدة سعت بنفسها إلى المجيء إلى البحرين. المفوضة السامية أتت إلى البحرين، وحاولت أن تساعد الحكومة. لكن ماذا جرى؟ قامت الحكومة بالكذب على لسانها! ما اضطر (نافي بيللاي) للخروج والتصريح بالنفي، إن هذا لم يحدث مع أي دولة في العالم. زد على ذلك تأجيل وصول المفوضين. الحكومة وافقت على استقبال المفوضين، وهي موقعة على اتفاقيات ملزمة في هذا الجانب، لكنها ترفض استقبالهم، ولاتقدم التقارير المطلوبة منها. فماذا كنت تتوقع! برأيي، إن الدول أعطت البحرين فرصة أكثر من اللازم، وصبروا عليها ونصحوها، ولم يكن ثمة نتيجة. ثم جاءت القاصمة بتقديم تقرير لايمت إلى الواقع بصلة. أستذكر أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" أصدرت تقريراً العام 1996 عنوانه:" انتهاكات متواصلة، إنكار متواصل". نحن اليوم في العام 2012، فيما الحال هو نفسه. لذا لم يكن هناك مجال أمام الدول إلا أن تقول ما قالته. هي عبرت عن شيء فاقع. وشخصياً، صرحت من قبل ناصحا الحكومة أن تسحب التقرير. قلت لهم اسحبوه وقدموا تقريراً آخر. لكنه غرور القوة والصلف.
المرآة: عبرت بعد الجلسة بأن هذه أقوى لغة تصدر من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حيال حقوق الإنسان في البحرين طيلة تاريخها مع المنظمة.
العكري: نعم، لأن البحرين كانت تتمتع دائماً بحماية دولية، وحماية دول مجلس التعاون الخليجي، والدول الإسلامية، إضافة إلى مجموعة الدول77 (Group of 77). وهي على امتداد كل هذا التاريخ من الانتهاكات، لم تجد موقفا قويا حيالها، استثناء العام 1996، حين صدرت عن لجنة الخبراء (21) المنبثقة عن لجنة حقوق الإنسان إدانة إلى الانتهاكات. وفي ذلك الوقت كانت العبارات لينة. قالوا نتفهم ماتتعرض له البحرين من مخاطر، ولكن أكدوا على ضرورة أن تتوقف انتهاكات حقوق الإنسان. وكان الموضوع سيرفع إلى اللجنة العليا التي كانت تشغل محل مجلس حقوق الإنسان حاليا، وحيث كانت تسمى هيئة حقوق الإنسان وقتذاك. ولكن الحكومة دخلت في مفاوضات وعلى إثرها قامت بالتوقيع على بعض الاتفاقيات مثل اتفاقية مناهضة التعذيب. كما وعدت باستقبال مقرر الاعتقال التعسفي، وهي استقبلته فعلاً لكن بعد مرور 5 سنوات، حيث كان من المفترض أن يتم في العام 1996، في حين جرى استقباله العام 2001.
لكن هذه المرة كانت الأمور واضحة. لديك مواقف قوية حاسمة صادرة من أعلى هيئة أممية لحقوق الإنسان. لو دققت ستجد أن من انتقد وكشف الانتهاكات وطالب بوقفها، هم الغالبية العظمى ممن تحدثوا. أكثرية الدول تقدمت بمداخلات، ما اضطر إدارة الجلسة إلى إنقاص الوقت المخصص للمداخلة الواحدة إلى 1.7 من الدقيقة. خصوصا في المجموعات الأخيرة. استثناء طبعاً الدول الاستبدادية التي لاتوجد مصداقية لكلامها. الغريب أنه بعد كل ما جرى يخرج وزير حقوق الإنسان أمام الإعلام ليقول: إنهم امتدحوا البحرين. كما لو أنه يعيش في عالم افتراضي. في الوقت الذي نستطيع التعرف على كل ما دار في الجلسة بالصوت والصورة. برأيي، كانت لديهم فرصة أخيرة، فقط لو أنهم قالوا نقبل بالتوصيات ونريد أن نفتح صفحة جديدة. لكنهم لم يفعلوا.
ليس هذا شغلهم
سيد هادي الموسوي: لقد خسروا الجولة |
الموسوي: مجلس حقوق الإنسان ليس مجلس الأمن الدولي، وليس من وظائفه إصدار إدانات. لليس هذا شغلهم. إنهم يستندون إلى وقائع ليقدموا توصيات.
الغائب: إن ماقدمته الأمم المتحدة كان تجميعاً للمعلومات. تلك هي آلية عمل المراجعة الشاملة. أن تقوم الدولة المعنية بعرض تقريرها. يليه تقرير الأمم المتحدة الذي يعتمد أساساً على تجميع المعلومات من المنظمات الدولية والهيئات ذات المصلحة. لقد جمعوا معلومات كثيرة ونشروها بعد ترجمتها بلغات عدة، بما فيها اللغة العربية. هذه هي آلية عمل مجلس حقوق الإنسان. وليست من ضمنها إصدار الإدانات.
المرآة: كيف تقيم الموقفين الأميركي والبريطاني؟
الموسوي: مع ثقتنا في الإجراءات الداخلية للدول الديمقراطية، إلا أن لغتها لما تزل لينة. لكن المشكلة ليست هنا بنظري إنما في كون آلية المراجعة الشاملة آلية جديدة. لذا تجد آخر مادة فيها تنص على أنه إذا وجدت دولة تصر على ارتكاب الانتهاكات ولم تلتزم بالتوصيات ستكون هناك دعوة لإجراء تدابير للنظر في المسألة. فأنت تتكلم إذن، على إجراءات غير مكتملة. لاتوجد آلية حاسمة، حتى مع شدة المواقف المعبر عنها. رغم ذلك، أعتقد أن البحرين ستسرّع في تطوير هذه الآلية. إن عدم توقفها عن الانتهاكات سوف يشجع الدول على تطوير هذه الآلية وجعلها ذات جدوى.
المرآة: تحدثت دولتان في الأقل عن إرسال لجان دولية، وهما فنلندا وهولندا، للتحقيق في مزاعم التعذيب. وهذا يتلاقى مع رغبات داخلية. ما هو الشيء الممكن في هذا الأمر؟
العكري: إن هناك حاجة في وجود دائم للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في البحرين. هذا هو الحل، وقد يكون هذا ما سيخلصون إليه في النهاية.
الغائب: إن وجود مكتب دائم للمفوضية السامية من أجل مراقبة الانتهاكات، سواء وجدت أو لم توجد، هو الحل الأمثل.
اقرأ أيضا
- 2018-11-21الفائزة بجائزة منظمة التعليم الدولية جليلة السلمان: سياسات التربية منذ 2011 هي السبب الأكبر وراء تقاعد المعلمين!
- 2018-05-17الموسيقي البحريني محمد جواد يفكّ لغز "القيثارة الدلمونية" وينال براءة اختراعها
- 2017-10-03مترجمات «ما بعد الشيوخ» في حوار مع «مرآة البحرين»: كان الهدف أن نترجم ثقل الكتاب!
- 2017-10-03«مركز أوال للدراسات والتوثيق» في حوار مع «المرآة»: كتاب «ما بعد الشيوخ» طبع 6 مرات رغم تزوير الترجمة من جهات أخرى
- 2017-10-03فؤاد الخوري ليس كأيّ كتاب... مروة حيدر: رسالة "دعوة للضحك" وصلت… أنا مترجمة تبتسم!