التعليق السياسي: لماذا على خليفة بن سلمان أن لا يصدّق ناصر بن حمد؟ "مكيافيلّي" يُجيب!
2018-03-31 - 8:12 م
مرآة البحرين (خاص): في السّياسة، عندما تنفي شيئاً فأنت تثبته. غالباً، لا يُصدّقُ السياسيُّون بعضهم البعض لما يقولونه في العلَن. صحيح بأنّهم يتعاملون مع المجاملات وحفلات النفاق الاجتماعيّ بالمثل. لكنْ في المحطّات المفصليّة تُحرِّك المواقف همسات الأروقة والهَسهسات الخفيّة التي لم تكن قد قيلت في العلن. تلعب تقارير المخابرات والأجهزة السرّيّة الدور الأبرز في رصْد هذه الهمسات والهسْهَسات وإيصالها إلى من يهمه الأمر.
السياسة والكذب توأمان لا ينفصلان. لذلك أُطلق على عالم السياسة باستمرار بأنه عالم الكذب والخداع وفنّ المناورة. "من لا يكتم عقيدته فهو غير وفيّ" هي القاعدة العليا الحاكمة في دهاليز الأحزاب وفي الصّراع على الحكم.
لذلك؛ فحين ينفي قائدُ الحرس الملكيّ ناصر بن حمد آل خليفة صلته بـ"الحسابات المدسوسة التي تروّج الأكاذيب والشائعات"، فهذا يعني بأنّ صلته عميقة مع "الحسابات المدسوسة الّتي تروج الأكاذيب والشائعات". وحين يحذّر "أي طرف كان من الزج باسمنا في هذه الفتنة والحديث بلساننا بأي شكل من الأشكال"، قائلا "لن نتهاون مع كل من يحاول العبث بأركان الدولة"، فهو يوظّف تقنية ميكافيلية قديمة للكذب من الّدرجة الثانية يهدف من ورائها تنويم خصْمه في الكلمات المعسولة. وهي واحدة من أكثر تقنيات الكذب انحرافاً وفساداً، كما يخبرنا "كويري" أحد دارسي فكر ميكافيلّي، "إذ يصبح فيها قول الحقيقة هو نفسه مجرد آلة خالصة للخداع".
إذا كان رئيس الحكومة خليفة بن سلمان آل خليفة سيصدّق إعلان الاستقامة الأخلاقيّة الذي بثّة ناصر بن حمد في بيانه أمس فسيكون "الشخص السّاذج" الذي لم نعرفه طيلة خمسة عقود من عمله على رأس الحكومة. لقد كان باستمرار الشخصَ الأرعن القاسي الّذي لا يرحم ولا يكترث لإشعارات النوايا الحسنة التي يبديها خصومه. في هذا الأمر بالذّات ينبغي عليه أن يصدّق ميكافيلّي الذي يقول إن "ما يُعتبر من الأخلاق الحميدة والاستقامة بين الأفراد قد لا يصلح في السياسة والحكم".
لقد أوصى ميكافيلي بأنْ "يجمع الأمير بين خداع الثعلب ومكر الذئب وضراوة الأسد" وأن "يتقن الكذب والمراوغة ليحقق مآربه بأية وسيلة ملتوية".
لقد كانت هذه الصفات باستمرار صفات "الأمير" خليفة بن سلمان. لم يصدّق المعارضة في أيّ يوم حتّى ولو أظهر أنه يصدّقها. لا حين كانت تنفي صلتها بالناصريّة أو البعث. ولا حين كانت تنفي صلتها بالاتحاد السوفييتي. ولا حين تنفي صلتها بإيران! لقد حفظ درس الميكافيلّية جيّداً واستطاع بواسطته أن ينجو على مدى عقود خمسة من وسْط شباك معارضة شرسة هي الأكثر تنظيماً وتجذّراً من بين كل دول الخليج. كما عبَرَ بواسطته أيضاً من تحوّلات كبيرة حصلت في بيت الحكم مع تسلّم ابن أخيه، الملك الحالي دفّته.
يتغيّر المعارضون، تتعثّر أحلامهم أو يتقلّب بعضهم يميناً وشمال. أما هو فثابتٌ بقوّة في مواقعه. فقد الكثير منها صحيح؛ لكن على قاعدة حرب العصابات (يتخلّى عنها كي يعود لها) وليس الحروب التقليديّة التي تعطي قيمةً كبيرة للتشبّث بالأرض والموت فيها.
أما إذا كان سيُصدّق، الآن، عرْض النفاق العالي الّذي أبداه حفيدُ أخيه في بيانه فهذا سيكونُ واحداً من أعراض الشيخوخة والذي سينقله رسميّاً من أمير "ميكافيلي" الدّاهية إلى الأمير "ميشكين" الأبله. في رواية "الأبله" لدوستويفسكي يسعى الأمير "ميشكين" بطيبته الطفوليّة التي اكتسبها إثر مرضٍ عُضال إلى أن يجسّد صورة الرجل المثاليّ طيّب النيّة الذي يرغب في تحقيق السعادةَ لأعدائه وأصدقائه على حدٍّ سواء. لكن ماذا يلقى في قبال ذلك من أصحاب النوايا الشرّيرة؟ على خليفة بن سلمان المسارعة إلى اقتناء وقراءة رواية "الأبله" للتعرّف على المزيد من المزايا الافتراضيّة لموقعه الجديد في صراع السلطة.