مُستشار وزارة الداخلية الأمريكي جون تيموني: اقتل ولكن لا تدع أحدًا يتعرّف عليك
عباس المرشد - 2012-06-27 - 11:56 ص
عباس المرشد*
المأزق الذي تعانيه الأجهزة الأمنية في البحرين دون شك يعتبر معقّدًا جدًا، ولا يبدو أن هناك أنصاف حلولٍ له في الأجل القريب، فالكثير من عناصر هذه الأجهزة هم من الأجانب الذين يمارسون مهامًّا أمنية مقابل أجرٍ مادي، وهو وضعٌ ينطبق عليه تعريف المرتزقة دوليًا. من جهةٍ ثانية، تُعتبر الإشادات المتكررة والمبالغ فيها من قبل ملك البلاد بأداء هذه العناصر، وتبجيل قياداتها، أمرًا مثيرًا جدًا، ويتسبب بشكلٍ مباشر في تعميق الفجوة بين المعارضة ورأس الدولة. بربرية تصرفات الأجهزة الأمنية ليست محصورةً في انتهاكات حقوق الإنسان كالتعذيب، أو الاعتقال التسعفي، أو حتى القتل العمدي، فمثل هذه الحالة تتطلّب قابليةً تفرضها طبيعة الاستبداد السياسي المترسّخة في بنية نظامٍ سلطاني محدث.
لا أعتقد أنّ السيد بسيوني يبدو راضيًا عن جهوده في ترويض القوات الأمنية في البحرين، خصوصًا وأنّ فشله طال حتى المسؤولين أيضًا، وهو حاول بحرفيةٍ عالية الدفاع عنهم، ونفي التراتبية المتّبعة في تنفيذ الإجراءات على أرض الواقع. فمن ضمن وقائع عديدة غير قابلة للحصر، أبرزت حادثة مسيرة الجمعيات السياسية في بلاد القديم أنّ عقلية الهمجي التي تحدّث عنها بسيوني كعقيدة أمنية راسخة، ستظل سيدة الموقف، وغالبةً على كلِّ جهود الترقيع.
بالطبع ليس السيد بسيوني هو من يتحمّل مسؤولية وقوع تلك الانتهاكات الفظيعة، فدوره لم يختلف عن دور المحلّل الذي تحدث عنه دوريكهايم، وقتما بحث المقدّس والمدنّس، فمهّمته كانت تقديس المدنّس وتدنيس المقدّس. ليس بسيوني هو الذي خسر كلَّ رهاناته الخاسرة أصلًا، فقد ورث بسيوني عاهة جديدة على المواطنين في البحرين، ولم يعد خافيًا حجم الاتصالات التي دارت بين الإدارة الأمريكية والسيد بسوني والمسؤولين في الحكومة البحرينية لاختيار أسوأ قائد شرطة في ميامي ونيويورك، وهو السيد جون تيموني. الأخير يُعتبر الأب الروحي لاستراتيجية القتل الناعم، حيث استُشهد أكثر من عشرة مواطنين تحت تأثير الغازات الخانقة، والتي كانت تُطلق بكثافة عالية تحت إدارة تيموني نفسه، تحاشيًا لاستخدام سلاح الشوزن، الذي أُعيد للخدمة بأمرٍ واستشارة منه، عبّر عنها في مقابلةٍ صحفية قال فيها إنّ رجال الشرطة يتعرّضون لهجماتٍ خطيرة لا تُجدي معها قنابل الغاز.
تيموني نفسه اعترف أخيرًا أنّ التصحيحات في سلك الأجهزة الأمنية غير مُجدية، وهو يعي ما يقوله، فمرجعية العقيدة الأمنية في البحرين عصيّة على التغيير من جهة، وغير قابلة لأن تخضع للمركزيّة، بسبب غياب المحاسبة والمساءلة كركنٍ أساسي في أيِّ عقيدة أمنية. وربّما كانت المُحاسبة والمُساءلة تذهب لطريق آخر، هو لماذا لم تَقتل أو تُعذِّب بصورةٍ أبشع، أو أنّ لسان حالها اقتل ولكن لا تدع أحدًا يتعرّف عليك.
بالطبع فإن الإدارة الأمريكية تتنصّل من مسؤولية المُستشار الأمريكي لدى الأجهزة الأمنية جون تيموني، كما هي الحكومة البريطانية، التي لم تعترف بصلتها بإيان هندرسون وغيره من المستشارين الأمنيين طوال أربعة عقود. وبطريقةٍ ما، فإنّ الإدارة الأمريكية تعلم يقينًا أنّ وجود مواطنٍ أمريكي يعمل في جهازٍ أمني متورّط في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان على مستوياتٍ عالية، قد تصل لجرائم ضدّ الإنسانية، يُحمّلها جزءًا كبيرًا من المسؤولية السياسية على الأقل، إن لم تكن مسؤوليةً قانونية.
وإذا كانت حوادث القتل التي حدثت منذ التعاقد مع تيموني غير مُكتملة الأركان، وفق الرؤية الأمريكية، فإنَّ حادثة الشاب (علي الموالي) والإصابة التي أُصيب بها على مسافة أقل من مترين، ومحاولة قتل الأمين العام لجمعية الوفاق علانية في مسيرة البلاد القديم، في وقتٍ كان الضابط المسؤول يشيح بوجه عن إطلاق النار على المحتجين من قادة الجمعيات السياسية، تؤكّد أنّ أمرًا فوقيًا صدر من جهةٍ أعلى من الضابط المناوب، ومن الشرطي المُباشر لعملية القتل. وهُنا تتضّح ملامح الخيوط الأمريكية في إدارة الصراع السياسي في البحرين على أرض الواقع.
في اللحظة التي طالبت فيها الجمعيات السياسية المدّعي العام لرفع دعوى ضدَّ وزير الداخلية، غاب عنها أنّ المجلس العسكري، الذي تشكّل بعد إعلان قانون السلامة الوطنية في 16 مارس 2011، لا يزال مُنعقدًا، ويُمارس صلاحياتٍ أوسع من صلاحيات وزير الداخلية، الذي هو عضوٌ فيه ليس إلا. وفي هذا الإطار تبرز أهمية المستشار الامريكي، وتورّطه في تشجيع المجلس العسكري على مواجهة الحراك المدني، بمزيدٍ من القوّة، وبمزيدٍ من تحمّل الضغط الدولي، تماشيًا مع تجربته في قمع الاحتجاجات المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية. ولعلَّ هذا الجزء المسكوت عنه يُفسّر قيام السفير الأمريكي في البحرين بالظهور في لقاءٍ صحفي مع صحيفة الديوان الملكي، وهو يسمك العصا من الوسط، وكأنّ الأمر سلفة يتديّنها السفير في حال إثارة مسؤولية تيموني عن جرائم الأجهزة الأمنية.
إنّ هناك أزمة عميقة تعيشها الأجهزة الأمنية، وهي تعيش حالةً من الفوضى في ظلِّ عجزها التام عن السيطرة على الوضع الميداني، كما تعجز عن فرملة الخطاب السياسي، وهذا يتأكد في تضارب خطواتها وإجراءاتها مع مرجعيات دولية ومبادئ لا تعرف التزوير أو الالتفاف. في المقابل، فإنّ الإدارة الأمريكية، باعتبارها حليفًا استراتيجيًا للنظام، وطرفًا مؤثّرًا في صوغ أي سياساتٍ أمنية، تتحمّل مسؤولية ما يحدث للمواطنين داخل البحرين، وإنَّ عليها مسئولية قانونية وسياسية في متابعة المستشار الأمني جون تيموني، وملاحقته قضائيًا بتهم انتهاكات حقوق الإنسان.
بالتأكيد لا مناص من الأخذ بالرأي القائل أنّ العنف المُمارَس ضدّ أنشطة الجمعيات السياسية هو حاصل ضرب جمع معادلات محلية، ممثّلة في خطاب الأمين العام لجمعية الوفاق في ذكرى رفع قانون السلامة الوطنية في منطقة سار، والذي وبّخ فيه المشير خليفة بن أحمد، وتوعّده بمزيدٍ من المُقاومة، ومعادلاتٍ إقليمية تسعى فيها الحكومة السعودية للحفاظ على هيبتها وسيادتها في المنطقة العربية، في ظل هواجس انفراط هذه الهيمنة وتداعيها خلال فترةٍ قصيرة تنتهي بموت الملك عبدالله.
وكإجابةٍ على سؤال ما إذا كانت الإدارة الأمريكية قد أعطت الضوء الأخضر للحكومة البحرينية في رفع مستوى التصدّي للحراك السلمي والمدني اليومي، فإنّ قلب السؤال هو الأجدر بالقبول، أي ومتى وضعت الإدارة الأمريكية ضوءًا أحمر، وهي المرهونة منذ أكثر من عامين للنفط السعودي، وصفقات الأسلحة الخيالية.
وقد يُقال هنا أنَّ الإدارة الأمريكية بدأت منذ الآن بممارسة الضغط المباشر على الجمعيات السياسية المُعارضة لإجبارها على القبول بالعروض الحالية، وتخفيف سقف مطالبها لحدود متواضعة لا تعلو كثيرًا عن سقف وخطوط النظام البحريني. يُشار هنا إلى أنّ مخرج الإدارة الأمريكية الدائم هو إعلانها عن وجود جناح متطرف داخل نظام الحكم يقود أغلب السياسات القمعية، وهي تشير صراحةً لرئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي خالد بن أحمد، وفي يونيه 2011 أصدرت الخارجية الأمريكية تقريرًا حول جدوى بقاء الأسطول الأمريكي في البحرين، في ظل استمرار هذا الجناح حاكمًا وفاعلًا.
رغم ذلك فإن الإدارة الأمريكية لا تعني كثيرًا من ما تقوله دراساتها وتقاريرها بقدر ما تنظر لحجم المصالح المترتبة على خياراتها هي، وليست خيارات الشعوب أو الجماعات السياسية الأخرى.
*كاتب بحريني.