رسالة إلى حمدان بن ناصر بن حمد آل خليفة… لا ترث خبال أبيك تسلَم
2018-10-29 - 9:38 م
مرآة البحرين (خاص): مرحباً بك أوّلاً عضواً جديداً في العائلة البشريّة. في الوقت الذي أكتب لك هذه الرّسالة سيكون قد مرّ على ولادتك يوم واحد. على الأرجح فإنّ هذه هي أوّل رسالة تتلقّاها في بريدك الخاصّ. لعلّك لن تتمكن من قراءتها الآن، وقت كتابتها، ولكنّ تلك ليست مشكلة أبداً. يوماً ما ستكبر وتضع اسمك في محرّك "غوغل" وستصادفها بطريقة ما. لاعتبارات عدّة قمت بإرسال النسخة الأصلية والمكتوبة بخطّ يدي، على عنوان منزلكم أيضا. إذا لم تصلك الرسالة فاعلم أن أحداً عمل على ألا تصل لك فلم يتبقَّ أمامك غير النسخة الرقمية.
في هذه الرّسالة يا حمدان أودّ أن أطلعك على أقاصيص من حياة والدك وعمّك خالد. أشياء مرحة اخترتها لك بعناية. لعلّك لن تكون فخوراً بها؛ لكن أؤكد لك بأنه لا ذنب لك إطلاقاً. فحين حَصَلت كلها لم تكن أنت قد تلمّستَ خطاك بعدُ في هذه الدنيا. لكن إذا استطعت أن تختطّ لنفسك طريقاً مغايرة عما ستقرأه في هذه الأقاصيص فستكون قد أسديتَ خدمةً جليلة لنفسك وعائلتك.
منذ وعينا على الدنيا يا حمدان ووالدك وعمّك يفعلان أشياء غريبة. أشياء يريدان أن يسجّلها التاريخ لهما كأشياء كبيرة؛ لكنْ عبثاً يعاندهما فيسجّلها أشياء تافهة صغيرة. يعملان في ظلّ ضوضاء ضخمة على أن يتركا بصمة؛ لكنّ ما يتركانه في الحقيقة ليس سوى وصمة. يبذلان مساعٍ حثيثة كي يصبحا مفخرة؛ لكنّ تلك المساعي تنتهي عادةً بجعلهما مسخرة. دعني أطلعك على آخر أقصوصة.
قبل أسبوع بالضّبط من ولادتك أعلن والدك إحرازه بطولة العالم للرّجل الحديديّ. إنّ إنجازاً مهمّاً بهذا المستوى كانت لتطير به كل وكالات الأنباء العالميّة. لكنّ أحداً في العالم لم يسمع به إطلاقاً، ولا أيّ أحد ما عدا حسابات والدك في السوشيال ميديا. لا يوجد في الموقع الرسمي للمسابقة أي شيء يثبت فوز والدك بأيّ بطولة. على العكس تظهر النتائج الرسمية للسباق أن والدك قد حقّق أرقاماً مضحكة. فقد أتى في المرتبة واحد وخمسين بعد المائتين. وهذه مرتبة مخجلة جدا كفيلة بجعل الواحد يعتزل الناس مدّة شهر على الأقلّ.
هل تعرف يا حمدان ما هي المشكلة؟ إن والدك لم يعشْ حياة واقعيّة. لقد نشأ في بيئة كدّسَت تحت يديه سلطة كبيرة في فترة قصيرة. على كتف والدك نياشين لم يحصل على نصفها قائد القوات المسلحة في حرب الخليج الجنرال شوارتزكوف. هذه السلطة كان لها ضرر بالغ عليه بحيث جعلته يخفق في معرفة الحدود بين الوهم واللاوهم والخيال والحقيقة والمعجزة والعادة.
يعيش والدك حالة مستعصية من جنون الذّات. لقد بلغ ضياع الحدود حدّاً صار معه يكتب قصائد عن نفسه يثني فيها على نفسه. "لي في جميع الدول تقدير واواصر من زود هيبه ما هو من ضعف ومسالم/ اخالط الناس واقاصر من يقاصر وامشي بدرب الخطر واطلع وانا سالم".
خلال القاطع الزّمني الذي وُلدتَ فيه يا حمدان هناك العديد من الأبطال العالميين الذين تهزّ سمعتهم الدنيا. حين تكبر سيكون هؤلاء قد أصبحوا من التراث وظهر أبطال غيرهم آمل أن تكون ـــ أنت ـــ أحدهم. مثلاً، ميسي ورونالدو ومحمد صلاح في كرة القدم. مثلاً، ألونسو وسيباستيان فيتيل في الفورمولا واحد. مثلاً، ليبرون جيمس وستيفن كوري في كرة السلة. مثلاً، تايسون فيري وفلاديمير كليتشكو في الملاكمة. جميع هؤلاء أبطال كبار طبقت أسماؤهم الآفاق. لكنهم بشر في النهاية؛ إنهم يحققون إنجازات كثيرة مع فرقهم لكنهم يخفقون أيضاً. كم هي كثيرة المبارزات التي انتهت بخسارتهم والبطولات التي ضاعت منهم.
أمّا والدك وعمّك ـــ الذين بالكاد يعرفهم خمسة أشخاص ـــ فلا يريدان أن يقتنعا بأنهما كائنات تخسر ككل البشر الأسوياء. لقد رسما صورة لنفسهما تظهرهما كائنات خارقة ليست من هذا الكوكب. البطولة التي يشتركان فيها لابد أن تنتهي بتربّع أحدهما على العرش. في الشعر، ركوب الخيل، كرة القدم، السباحة، الدرّاجات، فنون القتال كل حاجة.
قبل يوم من ولادتك فقط؛ هدّد والدك بشنّ "حرب كبرى" على كل أحد يشكّك في فوزه ببطولة العالم للرجل الحديدي. وتوعّد بأنه سيريه "العين الحمراء" الذي هو تعبير يعني التعذيب كما حصل وفعل مع شيخ دين جليل في عمر جدك. وذات مرّة لاحق والدك خيّالاً بخيزرانة يابسة بعد أن تفوّق هذا عليه في سباق خيل محلي. مثل هذه التصرفات والتهديدات لن تجد مثيلاً لها عند الأبطال العالميين الذين أوردت لك أسماءهم للتوّ. إنّ هذا هو التأثير السلبي والفاسد للسلطة التي يملكها والدك ولا يملكها أي من هؤلاء الرياضيين.
لقد اصطحب والدك معه إلى مدينا "كونا" بالولايات المتّحدة؛ حيث جرت بطولة العالم للرجل الحديدي، طاقماً ضخماً من المرافقين 62 شخصاً على نفقة الدولة. لعلّ هذا العدد يصلح لافتراس عشرة خرفان مشويّة على نار هادئة. لكن ليس لاجتياز 226 كيلومتراً المسافة الإجمالية لجميع مراحل السباق في وقتٍ قياسيّ وتمرير نصر زائف عبر مسرحيّة. الأسبوع الماضي ألقى والدك خطبة شقشقية عن صولاته في انتزاع محافظة مأرب باليمن. تحدث عن كيف أنه مع ستمائة ضابط تمكنوا من إفناء عشرة آلاف حوثي في ساعات قليلة. لكن الحقيقة يا حمدان أن الفترة البسيطة التي قضاها والدك هناك كان قد استغرق ثلاثة أرباعها يلتقط الصور للسوشيال ميديا. تستطيع بنفسك أن تعود لحساباته والصحف المحلية في تلك الفترة لتكتشف كيف أن صوره مع عمك بمئزر النوم والنعال الزبيري تفوق عددا مجموع الرّصاصات التي يمكن أن يكونا قد أطلقاها سويّة.
في العام 2014 أراد عمّك خالد أن يقطع المسافة البحرية من السعودية إلى البحرين والبالغة 35 كيلومتر سباحة. وأراد والدك أن يجعل من هذا الحدث شيئاً عظيماً فأطلق قنبلة قويّة. قال إنه رأى شيئاً لم يره في حياته تمثّل في أنّ عمّك نام وهو يسبح في الماء. أمسك الناس بطونهم من الضحك حتّى صار عمّك مهزلة عظيمة. ولم يخرج من التأثير المضرّ لهذا التصريح إلا حين تدخّل جدّك الملك فقام بعمل استقبال حكوميّ لعمّك تعويضاً له وطبطبة عن موجة التنكيت التي طالته. إن النكتة السياسية سلاح خطر يشبه غاز الأعصاب آمل أنك تتفادى في المستقبل القيام بأمور شبيهة تجعلك عرضة لها.
إنّ الوقت الذي فتّحت عينيك فيه يا حمدان ليس الوقت المثالي في بلادنا. منذ ثلاثة أسابيع تلقت بلادُنا دعماً خليجيّاً عبارة عن 10 مليارات بعد أن شارفنا على الإفلاس. دولة الرّفاه التي عهدناها منذ اكتشاف النفط انتهت. ألغي دعم اللحوم ورفعت أسعار المحروقات وفرضت على فقراء الناس ضريبة القيمة المضافة البالغة 5 في المائة. كلّ ذلك ستقرأ عنه في المستقبل وستتاح لك أدوات دقيقة لتحليله. لكنّ ما أودّ أن أطلعك عليه هو أمرٌ آخر. في الوقت الذي حُمّل الفقراء كلفة السياسات الاقتصاديّة الفاشلة يتصرّف والدك وعمّك باستهتار غريب جدّاً.
لقد أُجبرت وزارات وهيئات الدولة على نشر إعلانات مدفوعة بآلاف الدنانير في الصحف المحلية لتهنئة والدك بفوز عالميّ لم يحصل ولا يُوجد إلا في خياله. وبعد يوم واحد فقط من ولادتك تطرّقت الصحف إلى قيام عمّك خالد أيضاً برعاية إقامة بطولة لفنون القتال في باكستان مكبّدا موازنة الدولة عشرات آلاف الدنانير. بصراحة، أنا عاجز فعلاً عن تفسير هذه السلوكيّات الغريبة لك. يعيش والدك وعمّك في فقاعة خطرة من انعدام الشعور يقف أمامها عاجزاً أكبر فيلسوف في العالم. سأتركها لك حين تكبر لعلّك تستطيع فك عقدها.
أتمنّى أنني لم أطل عليك يا حمدان. اسمح لي أن أختم رسالتي لك بمقطع من رسالة كافكا القاسية إلى والده التي آمل أنك تتمكن من قراءتها كاملة في المستقبل وتستخلص منها عِبَرا تفيدك في جعل رؤيتك لوالدك نقديّة حتّى مع عاطفتك الشديدة نحوه. "كم كنتُ سأكون محظوظاً لو أنك كنت لي بمثابة صديق، بمثابة مدير، بمثابة عم، بمثابة جد، بل حتى؛ ولو أني أتحفظ على هذا، بمثابة زوج أُم. أمّا أن تكون أباً فكم كان هذا ثقيلاً عليّ". كانت هذه كلمات كافكا لوالده. ولعلّك تكتب أنت أيضاً رسالة أخرى بطريقتك إلى والدك بعد أن عرفتَ كل ذلك.
ن. ي
- 2024-11-13صلاة الجمعة.. لا بيع أو شراء في الشعيرة المقدّسة
- 2024-11-13ملك المستعمرة أم ملك البحرين: كيف تتعامل المملكة المتحدة مع مستعمرتها القديمة؟ ولماذا لم تعد تثير أسئلة حقوق الإنسان على فارس صليبها الأعظم؟
- 2024-11-05الجولة الخائبة
- 2024-11-03هكذا نفخت السلطة في نار "الحرب" على غزة كتاب أمريكي جديد يكشف دور زعماء 5 دول عربية منها البحرين في تأييد عمليات الإبادة
- 2024-10-29هذه النماذج التي صدّرتها عائلة آل خليفة للعالم العربي