يعقوب آل ناصر: ماذا أراد حمد بن عيسى من الميثاق؟
يعقوب آل ناصر - 2019-03-10 - 11:04 م
لا تعبّر الخطوات التي اتخذها حمد بن عيسى آل خليفة بعد توليه الحكم مارس/ آذار 1999 عن إرادة ولو جزئية للإصلاح السياسي، فالرجل لم يكن يحمل يوما مشروعا إصلاحيا، أو رؤية مغايرة للانتقال بالبلاد إلى فضاء غير الفضاء الذي عاشت فيه مع أبيه أو أجداده.
لقد كانت خطواته مجرد مناورة تهدف بالدرجة الأولى إلى إعادة رسم خارطة السلطة والهيمنة على القرار. بعبارة أخرى، كان الأمير الجديد يريد أن يخلق نظاما سياسيا يحكم فيه من غير منافسين بعد أن كان يقتسم السلطة مع أبيه، عمه خليفة بن سلمان بموجب اتفاق غير مكتوب. كان نقض هذا الاتفاق يتطلب إحداث تغيير ملموس في شكل النظام.
وإذا لم يكن حمد ليقبل مشاركة عمه في السلطة فإنه لن يقبل مشاركة المعارضة بالتأكيد، لكن الرجل وجد أن كسب أوسع تأييد منها في التصويت على مشروعٍ للعمل الوطني سيكون مدخلا للحصول على تفويض مفتوح لتحويل الإمارة إلى ملكية، وإجراء تغييرات يريدها على الدستور.
كان الأمر أشبه بانقلاب أبيض على عمه خليفة بن سلمان حتى وإن لم يتمكّن من عزله. لقد تمكن بوضوح من خلال الميثاق أن ينصّب نفسه ملكا ورئيسا للسلطات الثلاث. أصبح له النفوذ الأكبر في تعيين الحكومة والتصرف في موارد البلاد وأراضيها وبحارها.
أما المعارضة فقد تم توظيفها في المشروع، إذ استغلّ حمد بن عيسى على نحو كبير المعاناة الأمنية التي يعيشها شارعها العريض في تمرير مناورته. بدت وكأنها مقايضة يقوم بموجبها بوضع حد لوحشية جهاز محكمة وأمن الدولة مقابل الحصول على التأييد اللازم للميثاق.
صحيح أن الأمير الجديد لم يكن يقل ذلك علانيّة، لكنه كان يحاول أن يُظهر نفسه وكأنه في صراع مع مخلّفات العهد القديم ولابد له أن يحصل على مشروعية كافية لمواجهتها، قبل أن يعيد تشكيل تلك المخلّفات وفق نفوذه الخاص.
يصح القول أن الأمير الجديد التقى مع المعارضة في وضع حد لنفوذ خليفة بن سلمان حتى بعد الانقلاب على الدستور، لكن أجندة الطرفين لم تلتقيان على الإطلاق بشأن الإصلاح السياسي والإداري، فحمد بن عيسى كان يريد فقط أن يأخذ مكان عمه في ممارسة السلطة والسرقة.
وهذا ما حدث فعلا. لقد كان من بين المراسيم التي أصدرها حمد بن عيسى، فور إعلان الدستور، المرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2002 الذي يحضر التصرف في الأراضي إلا بموافقة منه. شكّل ذلك تعبيرا واضحا عن نية حمد في خوض سباق مع عمه على الاستحواذ على الأراضي.
لقد خلق هذا السباق داخل العائلة الحاكمة مشكلات كبيرة في إدارة الدولة وتسبب في نزيف هائل للثروات. ويمكن العودة لتحقيق نشرته صحيفة الفايننشال تايمز ديسمبر/ كانون الأول 2014 لمعرفة قيمة الأراضي التي استحوذ عليها الملك ضمن سباق واسع.
وظهر التسابق، في مضماره السياسي، للعلن لأول مرة عندما كتب ولي العهد سلمان بن حمد (14 يناير/ كانون الثاني 2008) إلى أبيه يشتكي من عدم تعاون الحكومة مع مجلس التنمية الاقتصادية، قبل أن يحذّر الأخير بأنه سيعفي أي عضو في الحكومة لا ينفّذ توجيهات نجله.
بعد 20 عاما من حكم الملك، لازال تضارب السياسات والتنافس بين مجلس التنمية والحكومة والديوان الملكي مستمرا وهو ما أضاف تعقيدا كبيرا على تعقيدات الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد، كان آخرها الخلاف الذي اندلع مارس/ آذار الماضي بين الديوان الملكي وديوان رئيس الوزراء، وهو الخلاف الذي استدعي تحذير ناصر بن حمد بشكل علني من «محاولات خبيثة تستهدف تقويض العلاقات بين الملك حمد بن عيسى آل خليفة ورئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة».
*بحريني مقيم في فنلندا