كيف أصبح مواطنو البحرين مشاريع ضحايا لقرار الحكم منذ عام 1923؟
باقر درويش - 2019-03-27 - 9:03 ص
في 26 يوليو 2013م صدر أمر ملكي وسَّع من صلاحيات مجلس الدفاع الأعلى ومنحه سلطة إقرار الاستراتيجيات وبرامج تطوير الأمن الوطني، وعند مطالعة القوانين الناظمة لأداء هذا المجلس سيكون واضحا بأنَّ بناء العقيدة الأمنية ورسم السياسة الأمنية هي حصر بأعضاء هذا المجلس المكون من شخصيات من الصف الأول والثاني من آل خليفة وقد يعمل فيه بعض الأفراد من العوائل الموالية للعائلة الحاكمة حصرا.
وتُرجع أدبيات وزارة الداخلية البحرينية إلى أنَّ النواة الأساسية لتشكيل شرطة البحرين كانت في 1869م قبل 150 عاما بأمر من الحاكم المعزول الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1848-1932) بتشكيل تنظيم أمني تحت عنوان "الفداويه" وصولا إلى تغيير مسمى الفداويه إلى "النواطير" ولاحقا البدء بتشكيل جهاز الشرطة وتطويره، وبعيدا عن هذا الاجترار التاريخي فإنَّ اصرار السلطة على اعتبار "الفداويه" بأنَّهم النواة التأسيسية للمنظومة الأمنية يعد إقرارا ضمنيا بمسار تكوين العقيدة الأمنية التي ارتكزت منذ البداية ولغاية الآن على حماية استئثار آل خليفة بالحكم والثروة.
في 6 مارس 1999م ومنذ 20 عاما تولَّى الملك الحالي مقاليد الحكم لم يحدث أي تغيير جذري للعقيدة الأمنية يضع حماية المواطنين كأولوية، بل على العكس من ذلك أصبح المواطنون مشاريع ضحايا، وتم تطوير تقينات القمع واعتماد استيراتيجية التمويل المالي المفتوح للإنفاق العسكري والاستخباراتي والأمني وتمكين السلفيين المتشددين من مديرية الإرشاد الديني في قوة دفاع البحرين واستيراد بعض الممارسات الطائفية، وهنا لا يبدو غريبا أنَّ قاموس المفردات التداولي للعناصر الأمنية يتضمن مفردات تستخدمها المجموعات التكفيرية مثل: الصفويين والمجوس وأبناء المتعة، وهي مفردات استخدمتها شخصيات رسمية ضمن أجواء حفلة الزار خلال "فترة الطوارئ" في 2011 وبعضهم لازال، وهو ما يعني أنَّ تركة الفداوية السلوكية توارثتها تركيبة المنظومة الأمنية وقامت باستحداث بعض الممارسات المتوحشة في التعذيب والترهيب والكراهية.
وعلى عكس انتقادات بعض المراقبين من كثرة استعمالات الذاكرة التاريخية في تقييم الأوضاع السياسية في البحرين؛ فإنَّني أرى خلاف ذلك، فعند تقييم تركيبة المنظومة الأمنيَّة لا تستطيع أن تتجاهل استمرار سيطرة الصف الأول والثاني من آل خليفة والعوائل الموالية للعائلة الحاكمة على المناصب الأمنيَّة الرفعية منذ بدايات تشكيل هذه المنظومة، أو لازمة مظاهر بث الرعب والترهيب والتعذيب التي لم تنقطع في مرحلة ما؛ منذ بدء العمل بنظام الفداويه لغاية اليوم، هل سيبدو غريبا أن تشهد المناطق البحرينية 5226 مداهمة أمنية خلال 2018 بطريقة يراد من خلالها بث الرعب في نفوس المواطنين، من بعض أبرز إحصائيات المداهمات هو التالي: 335 الدراز، 380 سترة، 284 الديه، أو حتى عند الوقوف على بعض الشعارات التي تطلب العناصر الأمنيَّة من ضحايا التعذيب ترديدها، من قبيل: عاش عاش بو سلمان أو ترديد النشيد الملكي وغيرها من الأساليب التي تتعمد من خلالها الإذلال أن تصارع الضحية في مسألة الولاء للعائلة وليس الوطن، طبعا هذا يفسِّر لماذا علم البحرين تحول إلى سبب من أسباب الاعتقال والإهانة والتعذيب لو صادف وأوقفتك أحد نقاط التفتيش في 2011 ووجدته في صندوق السيارة، في حين لو شاهد العنصر الأمني صورة للملك أو لرئيس الوزراء مثلا على خلفية السيارة للوَّح بيده لك لعدم التوقف والتعرض للتفتيش من فوره.
ما أشرنا له يتوافق مع ماقاله الباحث السوسيولوجي الدكتور فؤاد خوري في كتابه "القبيلة والدولة في البحرين" بأنَّ: تحول نظام السلطة من التنظيم القبلي إلى الحكم القبلي، أصبحت فيه القبيلة شكلا من أشكال التنظيمات الاجتماعية، وفريقا من الفرقاء السياسيين في الدولة يسيطر على الحكم.. يستمر خلاله آل خليفة في الحكم من خلال تنظيمات بيروقراطية بدلا من تنظيمات عشائرية".
صحيح أنَّ إلغاء نظام الفداوية قد تم في 30 يونيو 1923 بعد 19 عاما من حادثة اعتداء فداوية الشيخ علي بن أحمد آل خليفة على موظفي شركة (فونك هاوس) الألمانية؛ وذلك كما يوصفه الباحث الدكتور علي الديري في كتابه "من هو البحريني؟" بأنَّه تم من خلاله: تحوّل القوة الأمنيّة من الأشخاص (الشيوخ) إلى الشخصية الاعتبارية (الدولة)، وهي خطوة سبقها لجوء المعتمد البريطاني فرانسيس بيلفيل بريدوكس في 1907 إلى إرغام حاكم البحرين آنذاك عيسى بن علي بالتنازل عن سلطته القضائية على الأجانب؛ بسبب حادثة الاعتداء على موظفي الشركة الألمانية من قبل الفداويه وما سبقها من تجاوزات كثيرة وعدم وجود نظام عدالة قادر على الانتصاف لضحايا تلك التجاوزات.
بيد أنَّ مستوى الحصانة السياسية والقضائية التي يتمتُّع بها جلاوزة التعذيب اليوم تقول لنا بأنَّ المحاولات التي جرى العمل عليها من أجل معالجة تجاوزات ظاهرة "الفداويه" قد اشتغلت السلطة على التكيّف معها والقفز عليها من خلال تطويع القوانين عبر التفسير التعسفي للتشريعات وتهيئة الإطار التنظيمي للقضاء شكلا وتنفيذا ليشكل منطقة حماية لتجاوزات المنظومة الأمنية المعتمدة على تركة الفداوية السلوكية، فضلا عن فتح أبواب التجنيس السياسي على مصراعيه خلال العقدين الماضيين، وإقصاء المكون الرئيسي في الغالبية السياسية من أن يكون شريكا حقيقيا في إدارة المنظومة الأمنية والتخطيط لسياساتها وعدم دمج أبناء هذه الغالبية ضمن هذه المنظومة بلا أي تمييز، ورفع موازنة الإنفاق المالي للمنظومة الأمنية بلا حدود إلى الحد الذي أصبحت فيه سياسات الضرائب والتقشف وتقويض مفهوم البحرنة وتفشي الفساد المالي والإداري والدعم المالي من الحلفاء الخليجيين هي البديل المحدث لتمويل "الفداوية المحدثة" بعدما كانت تعتمد الفداوية قبل 96 سنة على تمويلها من جبي الضرائب بدون رضا الناس.
*رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان