لماذا لا يريد محمد بن سلمان المزيد من الإصلاح؟

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو (أرشيف)
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو (أرشيف)

بول بيلار - موقع ناشيونال إنترست - 2019-04-19 - 11:35 م

ترجمة مرآة البحرين

من المؤكد أن صورة ولي العهد السعودي وحاكم الأمر الواقع محمد بن سلمان حقّقت سبقًا كبيرًا بقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية في إسطنبول. الكثيرون ممن نظروا إلى محمد بن سلمان باعتباره مُصلِحًا شابًا مثيرًا للإعجاب به أصبحوا ينظرون إليه على أنّه بلطجي قاتل. لكن صورة محمد بن سلمان داخل المملكة العربية السعودية لم تتأثر كثيرًا، وفقًا لتقرير أعده ستيفن جراند استنادًا إلى محادثات داخل المملكة. تم توجيه غالبية الشكوى التي قدّمها السّعوديون حول قضية خاشقجي إلى الغرب وليس إلى حكومتهم. يعزو غراند هذا الرّد إلى النوايا الحسنة التي أظهرها محمد بن سلمان من خلال كبح الشرطة الدينية، والسماح للنساء بقيادة السيارات، وتقديم أنواع من الترفيه كانت مفقودة في السابق في المجتمع السعودي مثل السينما والحفلات الموسيقية والمنتزهات الترفيهية.

هذه التدابير تشكل إصلاحًا في نطاق استراتيجية هجومية. فهي لا تنطوي على تغيير أساسي في الاقتصاد السعودي، ناهيك عن السّياسة السّعودية. إنها أساسًا خدمات يمنحها النّظام لرعاياه.  ومع ذلك، حظيت الإجراءات بالامتنان لأن الحد الذي احتاج أي إصلاح لأن يتم إلغاؤه [الحد] من أجل أن يُلاحَظ [الإصلاح] كان منخفضاً للغاية. المجتمع السعودي، حتى منذ تنازلات النظام للمحافظين الدينيين بعد استيلاء المتطرفين مؤقتًا على المسجد الحرام في مكة المكرمة في العام 1979 ، كان مغلقًا إلى حد كبير لدرجة أن الخدمات الصغيرة حتى تفوز بالأصدقاء.

أعلن محمد بن سلمان عن طموحه لإصلاح أكثر شمولية تحت عنوان رؤية 2030. وتشمل الأهداف المُعلَنَة الحدّ من الاعتماد على عائدات النفط وتوسيع القطاع الخاص بحيث يمثل معظم الناتج المحلي الإجمالي السعودي، وهو أمر لا يفعله الآن. مثل هذه التغييرات، في حال حدوثها، ستكون بمثابة إصلاح أساسي يشمل نموًا في مراكز القوة الاقتصادية.

ستثير تغييرات مماثلة أسئلة، ناقشها وحلّلها علماء الاجتماع منذ وقت طويل، حول الآثار التي تحدثها التنمية الاقتصادية في آفاق التنمية السياسية. يمكن أن يؤدي التوسع الكبير في فئة روّاد الأعمال وطبقة متوسطة لا تعتمد على الدولة إلى ازدياد الاستياء من الحكم الاستبدادي ومطالب [بالحصول على] رأي في كيفية حكم المجتمع. تنبع المطالب من الطبقات الناشئة التي لها مصلحة أكبر في القرارات المتعلقة بكيفية حكم المجتمع بالإضافة إلى وعي أكبر بقدراتها الخاصة.

المثال الكبير المضاد لهذا الخط من التفكير هو الصين، حيث لم تزعج الحيوية الاقتصادية والنمو المذهل، اللّذين بدأها دينج شياو بينج في إصلاحات السوق منذ أربعة عقود، القوة السياسية للحزب الشيوعي الصيني الحاكم بشكل كبير. ولذلك كانت الصين نموذجًا جذابًا للحُكّام الاستبداديين في أماكن أخرى، الذين يأملون بنمو اقتصادي قوي من دون تعريض حكمهم الخاص للخطر.

ولكن في ما يتعلق بإمكانية الجمع بين الاقتصاد الديناميكي والسياسة القمعية إلى ما لا نهاية، فإن الجواب هو -كما قال رئيس الوزراء الصيني السابق تشوان لاي عند سؤاله عن تأثير الثورة الفرنسية- "من المبكر للغاية القول". وكان كثيرون من الصّينيين مشغولين بأن يُصبِحوا أثرياء لتكريس المزيد من طاقاتهم في السياسة. ومثلما وضع المجتمع السعودي حدًا منخفضًا أمام أي ترحيب بتخفيف الأعراف الاجتماعية، فإن الفقر في الصين في حقبة ما قبل دنغ وضع حدًا  أمام الترحيب بالتحسن الاقتصادي.

علاوة على ذلك، يتمتع النظام الصيني ببعض المزايا، التي يفتقر إليها النظام السعودي، مثل الإبقاء على مزيج من الاقتصاد المفتوح والسياسة المغلقة طوال تلك الفترة. تمتع الحزب الشيوعي بقدرة جيدة على الجمع بين الأيديولوجية والتعبئة الشعبية لتصوير كل شيء على أنه ثورة، الحزب فيها هو المرشد ولكن يشارك فيها الجميع. حتى انتقال الرئيس شي جين بينج من الحكم الجماعي إلى حكم شخصي أكثر- وهي خطوة تشبه في بعض النواحي توطيد محمد بن سلمان للسّلطة- استغل هذا التقليد الثوري والأيديولوجي. اليوم، يسمع الفرد في الصين عبارة "فكر جين بينج"، لا تتوقعوا سماع أي شيء في المملكة العربية السعودية عن  "فكر محمد بن سلمان".

نقطة الانطلاق لأي تقدير للآفاق التي سيَبلغها محمد بن سلمان بالإصلاح هي أن الإصلاح السياسي ليس موجودًا على الإطلاق على جدول أعماله. الاعتبار الرئيسي في قراراته حول التّغيير الاقتصادي والمجتمعي سيكون بتجنب أي شيء يُهدد سلطته السّياسية.

وباعتبار ذلك أولويته القصوى، سيكون أحد الاعتبارات المحددة هو ما إذا كان النظام السعودي سيَمتلك القدرة المالية الكافية لمواصلة ترتيبات شراء الدولة الريعية، جزئيًا من خلال المزايا الصغيرة، لولاء المواطنين التّابعين.

لم يكن لدى الصين مثل هذا الخيار على الإطلاق، وأدرك دينج أنّ الإصلاح الاقتصادي الشّامل ضروري لمنع مليار شخص من البؤس الأبدي. حافظت المملكة العربية السعودية، بثروتها النفطية وعدد سُكانها  أصغر بكثير [من عدد سكان الصين]، على استمرار لعبتها المختلفة المستمرة منذ عقود. يمكن لانخفاض أسعار النّفط أن يُهدد اللعبة، لكن مع رؤية محمد بن سلمان للجهود الضئيلة (وخاصة في الولايات المتحدة) للابتعاد عن اقتصاد الوقود الأحفوري، فإن لديه سببًا للاعتقاد بأنه يستطيع إبقاء اللعبة لفترة أطول.

هناك اعتبار آخر يتمثل في كيفية رؤية محمد بن سلمان، أو أي شخص يقدم المشورة إليه، للسؤال الاجتماعي العلمي عن كيفية تأدية فتح الاقتصاد إلى الضغط لفتح النظام السياسي. والمدى الذي يدرك به وجود مثل هذا الرابط،  سيحدد حجم حافزه لعدم فتح الاقتصاد على الإطلاق، على الرغم من أهدافه المعلنة في رؤية 2030.

سوف يبقي محمد بن سلمان على الأهداف كواجهة جميلة  في الغرب، في جزء من محاولته إعادة تلميع صورته كمصلح. لكنه  سوف يبطئ عملية الإصلاح الأساسية في السعودية، ليصل بها الأمر حد الركود،  في حين يرمي عظمة من حين إلى آخر لرعاياه، مثل مكافأتهم بالسماح لهم بالذهاب إلى السينما.

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus