» رسائل
في حديث الحوار
2012-08-11 - 12:21 م
فيلتمان في زيارة للبحرين مجتمعاً مع وزير الخارجية خالد بن أحمد آل خليفة (أرشيف)
في حديث الحوار
محمد حسن
هذا نحو من الحديث يطول ويرصد (آفاق السياسة البحرينية) منذ 14 فبراير حتى يومنا هذا، - إن جاز لنا أن نصفها بالسياسة البحرينية- في خضم السياق السياسي والأمني والعسكري للمنطقة، الذي تُسيطر عليه أكثر من قوة على نحو عشرات السنين. وإذا كان تكريس السيطرة الأمريكية على الخليج مُنذ الحرب الثانية في الخليج ( مرحلة غزو الكويت) وما تبعها من أحداث فإننا إزاء منطقة تشابكت فيها القوى الاقليمية والدولية. ولعلّه من الوهم أن نعتقد، كما اعتقد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، أنّ (99 بالمئة) من أوراق اللعبة بيد الأمريكان، حين آمن بالتطبيع مع الإسرائيلين، وطرد الخبراء الروس من مصر، وصولًا إلى اتفاقية كامب ديفيد، وقبلها زيارة إسرائيل والخطاب في الكنيست الإسرائيلي.
في هذه الأثناء كان الرئيس الأسد يحافظ على علاقاته المتميّزة مع الروس، ويعزّزها ويطوّرها، ويستفيد من الدور الروسي مقابل الدور الأمريكي، والروس أيضًا يستفيدون من هذا الدور. تلك هي العلاقة الجدلية في المقاربات السياسية التي يتعاطاها أرباب السياسة، والتي أفرزت مُناخًا غير مُريح إلى أمريكا، ومُمانع لفرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وصولًا إلى حرب (تحريرالكويت) التي أفرزت واقعًا جديدًا عند تراجع الاتحاد السوفيتي وتفكّكه، وانتهاء الحرب الباردة.
استطاع الرئيس السوري حافظ الأسد أن يُناور سياسيًا حتى تمكّن من إحراز تقدّم، على سبيل تحصين جبهة المُمانعة وحمايتها من الانهيار، دون أن يتنكر لحلفائه الروس ودون أن يتخلى عن علاقاته معهم. لقد أبقى على ورقة التناقض القائمة بين المعسكرين ورقةً رابحةً بين يديه، مع إرساله نحو (500 جندي) للمُشاركة في تحرير الكويت، وإحرازه تقدّمًا على الملف اللبناني، وتفويضه دوليًا وإقليميا لتوجيه الحياة السياسة في لبنان، وفي الوقت ذاته كانت الجبهة المُمانعة تنمو ويشتد عودها، حتى إذا صارت أمرًا واقعًا، واستعاد الروس عافيتهم، ولاحت القوة الإيرانية باعتبارها قوةً إقليمية لا تُتجاوز، وفرضت رؤيتها المُنبثقة من الروح المُمانعة؛ بدا من جديد أنّ أوراق اللعبة ليست بيد الأمريكان.
ومن هنا يُمكننا القول أن التعويل فقط على الأمريكان في حل القضية البحرينية هو أمرٌ غاية في الوهن، ولا يُشكّل الحد الأدنى من الضغط تجاه الحل في البحرين، ومع انتهاج نهجٍ سلمي حضاري ينأى عن العنف، ويتخذ السلام طريقًا إلى مطالبه المُحقّة، في عالمٍ لا يعرف سوى غريزة الغاب وبطش القوة. وعليه فإننا مطالبون اليوم أن نبحث عن ثغرة في الجدار الصلب الُمحيط بهذه الجزيرة الصغيرة المُسالمة، ولعلّه من المُناسب البحث عن أفق سياسي يُفضي بنا إلى أن نكون على خارطة السياسة الدولية بامتياز، وأن نكون ذوي حضورٍ فاعل في المعادلة الدولية.
ذاك يعني أننا في حاجة إلى التحالف المتين والقوي مع الطرف الذي ينسجم مع تطلّعاتنا ومع مبادئنا، باعتبارنا أحرارًا نكره الذل ونمقته ونُمانع الاستكبار الذي تعاني منه الأمّة. إنّ هذا الجانب من التفكير يقتضي أن نمدَّ جسور الحوار مع القوّة الصاعدة في العالم مثل الصين وروسيا، ولقد لاح في الأفق أنّ هاتين الدولتين قادرتان على صنع معادلة جديدة وفرض واقع جديد.
قبل أيام نشرت إحدى الصحف الأمريكية خبرًا يفيد بأن عدد 120 جنديا من فرقة المهندسين في الحرس الوطني الأمريكي قد أُرسلوا إلى البحرين، وأفادت تلك الصحيفة أن أولئك الجنود أُرسلوا الى البحرين لتحصين المنشآت هناك، وتعليقًا على الخبر المُتقدّم، رأى أكثر من خبير أمني أنّ هذا التدبير يكشف عن مدى التخوف الأمريكي من حصول انهيار في البحرين جرّاء ما يحدث في المنطقة، ولاسيما في سورية، والتي وصف ما يدور فيها أعلى شخصية سياسية عالمية -الأمين العام للامم المتحدة- بان كي مون بأنها حرب بالوكالة.
ما يدور في سورية والمنطقة جعل الأمريكان أكثر قلقًا، أُخذت التدابير على المستوى الأمني والعسكري، كما أنّه – فيما يبدو- تم الإيعاز إلى السلطة السياسية في البحرين التابعة لأمريكا، مُمثّلة في الملك ونظامه السياسي، أن تفتح حوارًا مع المُعارضة، وتحدّث أكثر من مصدر سياسي عن هذا الحوار، وآزرهم في ذلك الكونجرس الأمريكي، قبل أيام، الذي دعا بدوره إلى الحوار، وأيضًا هذه المرة مرّر اسم ولي العهد.
ظاهرة الحوار الأمريكي وكل شيء قابل للحوار
تنتهج السياسة الأمريك-إسرائيلية نهج كل شيء قابل للحوار، وقد بدأ هذا أيضًا في البحرين بعد14 فبراير حين ورقة ولي العهد والتي تحمل البنود السبعة.
وبدفع من جيفري فلتمان، آمن البعض بمصداقيّة ولي عهد البحرين على أنه خشبة الخلاص، وآمن الكثير منّا بأنّ هناك جناحين قائمين وهما (الخوالد – ولي العهد)، والحق أنّ هذا التقسيم قد أُعطي أكثر من حجمه، وإذا كان ولاء الخوالد هو الميل أكثر إلى رئيس الوزراء، فإنّهم في الوقت ذاته لا يستطيعون الخروج على سلطة الملك المركزية، المدعوم إقليميًا) مهما بلغت الأمور. وصحيح أنّ ولي العهد حاول أن يُجيّر هذا الميل لصالحه، عبر إقناعه المُعارضة بأنّه يُريد الإصلاح ولكن هناك من يُقيّده ، غير أنه من الواضح تمامًا أن ولي العهد حاول أن يجعل المُعارضة حطبًا لناره مع المناوئين له، أو إن شئت الدقة مع الذين لا يبادلونه الولاء المطلق، لكنّه لايتطلّع إلى إيجاد حل مُناسب للمشكلة في البحرين، وهذا ما بيّنته شواهد الأيام، وأن حوار ولي العهد يأتي كلّما اختنقت السياسة الرسمية البحرينية، واختنقت أمريكا في المنطقة أكثر وزاد قلقها وخوفها.
لقد بدأ الحوار مع إحدى الجمعيات (وعد)، وظهر لنا ما أُريد من الحوار وسقف الحوار، وهو العودة إلى ما قبل الرابع عشر من فبراير، أما ما أُريد من وراء الحوار هو النأي بالنفس مما يحدث في المنطقة، حتى يُقضى على مفاعيل 14 فبراير، ومفاعيل الدماء الطاهرة لثورتها المباركة. ولعلّه ليس سرًّا أن نبين أنّ أكبر انتصار لثورة فبراير هو أنها استطاعت أن تجعل البحرين ذات معالم واضحة على خارطة المنطقة والعالم, وجعلتنا أكثر قوّةً من أحداث التسعينيات، حين كان يُستفرد بنا في بحور مُغلقة مُقفلة من الأحداث الدامية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات والردود التي تنشر تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر عن رأي "مرآة البحرين" بالضرورة. نستقبلها على البريد التالي: editor@bahrainmirror.com
محمد حسن
هذا نحو من الحديث يطول ويرصد (آفاق السياسة البحرينية) منذ 14 فبراير حتى يومنا هذا، - إن جاز لنا أن نصفها بالسياسة البحرينية- في خضم السياق السياسي والأمني والعسكري للمنطقة، الذي تُسيطر عليه أكثر من قوة على نحو عشرات السنين. وإذا كان تكريس السيطرة الأمريكية على الخليج مُنذ الحرب الثانية في الخليج ( مرحلة غزو الكويت) وما تبعها من أحداث فإننا إزاء منطقة تشابكت فيها القوى الاقليمية والدولية. ولعلّه من الوهم أن نعتقد، كما اعتقد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، أنّ (99 بالمئة) من أوراق اللعبة بيد الأمريكان، حين آمن بالتطبيع مع الإسرائيلين، وطرد الخبراء الروس من مصر، وصولًا إلى اتفاقية كامب ديفيد، وقبلها زيارة إسرائيل والخطاب في الكنيست الإسرائيلي.
في هذه الأثناء كان الرئيس الأسد يحافظ على علاقاته المتميّزة مع الروس، ويعزّزها ويطوّرها، ويستفيد من الدور الروسي مقابل الدور الأمريكي، والروس أيضًا يستفيدون من هذا الدور. تلك هي العلاقة الجدلية في المقاربات السياسية التي يتعاطاها أرباب السياسة، والتي أفرزت مُناخًا غير مُريح إلى أمريكا، ومُمانع لفرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وصولًا إلى حرب (تحريرالكويت) التي أفرزت واقعًا جديدًا عند تراجع الاتحاد السوفيتي وتفكّكه، وانتهاء الحرب الباردة.
استطاع الرئيس السوري حافظ الأسد أن يُناور سياسيًا حتى تمكّن من إحراز تقدّم، على سبيل تحصين جبهة المُمانعة وحمايتها من الانهيار، دون أن يتنكر لحلفائه الروس ودون أن يتخلى عن علاقاته معهم. لقد أبقى على ورقة التناقض القائمة بين المعسكرين ورقةً رابحةً بين يديه، مع إرساله نحو (500 جندي) للمُشاركة في تحرير الكويت، وإحرازه تقدّمًا على الملف اللبناني، وتفويضه دوليًا وإقليميا لتوجيه الحياة السياسة في لبنان، وفي الوقت ذاته كانت الجبهة المُمانعة تنمو ويشتد عودها، حتى إذا صارت أمرًا واقعًا، واستعاد الروس عافيتهم، ولاحت القوة الإيرانية باعتبارها قوةً إقليمية لا تُتجاوز، وفرضت رؤيتها المُنبثقة من الروح المُمانعة؛ بدا من جديد أنّ أوراق اللعبة ليست بيد الأمريكان.
ومن هنا يُمكننا القول أن التعويل فقط على الأمريكان في حل القضية البحرينية هو أمرٌ غاية في الوهن، ولا يُشكّل الحد الأدنى من الضغط تجاه الحل في البحرين، ومع انتهاج نهجٍ سلمي حضاري ينأى عن العنف، ويتخذ السلام طريقًا إلى مطالبه المُحقّة، في عالمٍ لا يعرف سوى غريزة الغاب وبطش القوة. وعليه فإننا مطالبون اليوم أن نبحث عن ثغرة في الجدار الصلب الُمحيط بهذه الجزيرة الصغيرة المُسالمة، ولعلّه من المُناسب البحث عن أفق سياسي يُفضي بنا إلى أن نكون على خارطة السياسة الدولية بامتياز، وأن نكون ذوي حضورٍ فاعل في المعادلة الدولية.
ذاك يعني أننا في حاجة إلى التحالف المتين والقوي مع الطرف الذي ينسجم مع تطلّعاتنا ومع مبادئنا، باعتبارنا أحرارًا نكره الذل ونمقته ونُمانع الاستكبار الذي تعاني منه الأمّة. إنّ هذا الجانب من التفكير يقتضي أن نمدَّ جسور الحوار مع القوّة الصاعدة في العالم مثل الصين وروسيا، ولقد لاح في الأفق أنّ هاتين الدولتين قادرتان على صنع معادلة جديدة وفرض واقع جديد.
قبل أيام نشرت إحدى الصحف الأمريكية خبرًا يفيد بأن عدد 120 جنديا من فرقة المهندسين في الحرس الوطني الأمريكي قد أُرسلوا إلى البحرين، وأفادت تلك الصحيفة أن أولئك الجنود أُرسلوا الى البحرين لتحصين المنشآت هناك، وتعليقًا على الخبر المُتقدّم، رأى أكثر من خبير أمني أنّ هذا التدبير يكشف عن مدى التخوف الأمريكي من حصول انهيار في البحرين جرّاء ما يحدث في المنطقة، ولاسيما في سورية، والتي وصف ما يدور فيها أعلى شخصية سياسية عالمية -الأمين العام للامم المتحدة- بان كي مون بأنها حرب بالوكالة.
ما يدور في سورية والمنطقة جعل الأمريكان أكثر قلقًا، أُخذت التدابير على المستوى الأمني والعسكري، كما أنّه – فيما يبدو- تم الإيعاز إلى السلطة السياسية في البحرين التابعة لأمريكا، مُمثّلة في الملك ونظامه السياسي، أن تفتح حوارًا مع المُعارضة، وتحدّث أكثر من مصدر سياسي عن هذا الحوار، وآزرهم في ذلك الكونجرس الأمريكي، قبل أيام، الذي دعا بدوره إلى الحوار، وأيضًا هذه المرة مرّر اسم ولي العهد.
ظاهرة الحوار الأمريكي وكل شيء قابل للحوار
تنتهج السياسة الأمريك-إسرائيلية نهج كل شيء قابل للحوار، وقد بدأ هذا أيضًا في البحرين بعد14 فبراير حين ورقة ولي العهد والتي تحمل البنود السبعة.
وبدفع من جيفري فلتمان، آمن البعض بمصداقيّة ولي عهد البحرين على أنه خشبة الخلاص، وآمن الكثير منّا بأنّ هناك جناحين قائمين وهما (الخوالد – ولي العهد)، والحق أنّ هذا التقسيم قد أُعطي أكثر من حجمه، وإذا كان ولاء الخوالد هو الميل أكثر إلى رئيس الوزراء، فإنّهم في الوقت ذاته لا يستطيعون الخروج على سلطة الملك المركزية، المدعوم إقليميًا) مهما بلغت الأمور. وصحيح أنّ ولي العهد حاول أن يُجيّر هذا الميل لصالحه، عبر إقناعه المُعارضة بأنّه يُريد الإصلاح ولكن هناك من يُقيّده ، غير أنه من الواضح تمامًا أن ولي العهد حاول أن يجعل المُعارضة حطبًا لناره مع المناوئين له، أو إن شئت الدقة مع الذين لا يبادلونه الولاء المطلق، لكنّه لايتطلّع إلى إيجاد حل مُناسب للمشكلة في البحرين، وهذا ما بيّنته شواهد الأيام، وأن حوار ولي العهد يأتي كلّما اختنقت السياسة الرسمية البحرينية، واختنقت أمريكا في المنطقة أكثر وزاد قلقها وخوفها.
لقد بدأ الحوار مع إحدى الجمعيات (وعد)، وظهر لنا ما أُريد من الحوار وسقف الحوار، وهو العودة إلى ما قبل الرابع عشر من فبراير، أما ما أُريد من وراء الحوار هو النأي بالنفس مما يحدث في المنطقة، حتى يُقضى على مفاعيل 14 فبراير، ومفاعيل الدماء الطاهرة لثورتها المباركة. ولعلّه ليس سرًّا أن نبين أنّ أكبر انتصار لثورة فبراير هو أنها استطاعت أن تجعل البحرين ذات معالم واضحة على خارطة المنطقة والعالم, وجعلتنا أكثر قوّةً من أحداث التسعينيات، حين كان يُستفرد بنا في بحور مُغلقة مُقفلة من الأحداث الدامية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات والردود التي تنشر تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر عن رأي "مرآة البحرين" بالضرورة. نستقبلها على البريد التالي: editor@bahrainmirror.com
اقرأ أيضا
- 2016-09-25السيد عباس شبّر: ما الذي اثار جمعيتي الأصالة والمنبر في بيانهما الأخير !!
- 2015-03-11أحمد رضي: الانتهاكات بحق الإعلاميين مستمرة ... البحرين تُحاول إخماد الأصوات المُعارضة منذ 2011
- 2015-02-28آسيا خلف: لم يكن كباقي المقاطع المسرّبة.. لقد ذكّرنا بروح الشهيد بوحميد
- 2015-02-11جليلة السيد ومريم سهوان بين اصوات التعذيب
- 2015-01-06شجرة شيخ علي سلمان