للفلسطينيين كل الحق في رفض "أوسلو" أخرى

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيف)
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيف)

سام بحور - موقع مجلة 972+... - 2019-06-22 - 3:49 م

ترجمة مرآة البحرين

بعد 52 سنة من الاحتلال العسكري الإسرائيلي، هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها: إسرائيل مدمنة على الاقتصاد الفلسطيني. هذا الإدمان نتاج لعقود من الإجراءات المنهجية والقوية من قبل الحكومة الإسرائيلية لجعل الاقتصاد الفلسطيني يعتمد هيكليًا على إسرائيل. وكما هو الحال مع مدمن المخدرات أو المدمن على الكحول، فإن التدخل الخارجي أمر ضروري من أجل المدمن وكل ما تطاله يده؛

بخلاف ذلك، تكون  الأضرار التي ألحقها بنفسه [المدمن] عاجلًا أو آجلًا قاتلة.

بعد كل هذا الوقت في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي، المدعوم من الولايات المتحدة بحماس في كل خطوة على الطريق، يواجه الفلسطينيون قضية قوية ضد المشاركة في ورشة عمل أخرى مع أولئك الذين يعدون بأن يكونوا منقذيهم - مثل تلك التي دعت إليها إدارة ترامب في 25 و 26 يونيو / حزيران في المنامة، البحرين.

أي شخص شهد الأعوام الخمسة وعشرين الأخيرة من فشل عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة يعلم أن ما يجب القيام به، وإن كان متأخرًا للغاية، هو محاسبة إسرائيل. هذا يعني استخدام أدوات مثل المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات والإجراءات الدبلوماسية.

يبذل الفلسطينيون قصارى جهدهم على كل هذه الجبهات. ما ينقصنا اليوم هو أن تفي الدول الأخرى بالتزاماتها القانونية والأخلاقية في أن تحذو حذوهم. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر "الورشة الاقتصادية" المقبلة هذه لحظة سياسية، وفرصة العمر، لأي دولة لم تعترف بعد رسميًا بدولة فلسطين للقيام بذلك فورًا، خاصة إذا كانت ملتزمة حقًا بحل الدولتين لهذا الصراع.

كيف تدمن إسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني؟ تجني إسرائيل 5 مليارات دولار سنويًا من الاقتصاد الأسير الذي يطلق عليه اسم الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ يعد السوق الفلسطيني أحد أكبر أسواق التصدير في الكيان الصهيوني بعد الولايات المتحدة والصين وهونج كونج والمملكة المتحدة. وإسرائيل مدمنة على التعريفة الجمركية لدينا، حيث تحصل على 3٪ من كل دولار جمركي يولده الاقتصاد الفلسطيني الذي يستهلك الكثير من الواردات.

إسرائيل مدمنة على العمالة الرخيصة ولكن المتفانية والماهرة - لصالح قطاع البناء والزراعة والخدمات. في الآونة الأخيرة، وسعت إسرائيل هذا الإدمان العمالي ليشمل المهنيين المختصين لدينا. قام المحتل العسكري حتى بإخراج إعلانات الصحف التي تروج لتصريح سريع للذهاب إلى إسرائيل وربط شبابنا بشكل مباشر بشركات التكنولوجيا الإسرائيلية، متجاهلًا الشركات الفلسطينية.

إسرائيل مدمنة على مياهنا. فهي تتحكم بطبقات المياه الجوفية في الضفة الغربية، ما يضطر قطاعنا الزراعي إلى التراجع من نسبة  12 في المائة من إجمالي الناتج المحلي إلى أقل من 5 في المائة. ووصف البنك الدولي هذه الإجراءات الإسرائيلية بأنها "أضرار هيكلية" تحتاج إلى أجيال لإصلاحها.

إسرائيل مدمنة على محاجرنا الحجرية والرخامية، حيث حكمت المحكمة العليا في إسرائيل بأنه يمكن لسلطات الاحتلال الإسرائيلية السّماح للشركات الإسرائيلية بالدخول إلى الضفة الغربية وسرقة الأرض حرفيًا، قطعة قطعة،  لصالح الشركات الإسرائيلية.

إسرائيل مدمنة على مجالنا الجوي، ما يتيح للمشغلين الخلويين الإسرائيليين الوصول إلى المستوطنات غير القانونية المنتشرة عبر قمم الجبال في الضفة الغربية. تقوم هذه الشركات ببناء بنيتها التحتية والوصول إلى طيفنا الكهرومغناطيسي، حتى تتمكن من توفير خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية في الأراضي الفلسطينية - من دون الحصول على ترخيص ومن ضرائب ومن دون إشراف بيئي.

إسرائيل مدمنة على استخدام قطاع غزة كمختبر حيث يمكن لمصنعي الأسلحة والمنتجات الأمنية الإسرائيليين اختبار بضائعهم بحرية مع الإفلات التام من العقاب.

القائمة طويلة، لكن الإدمان واضح وتم توثيقه بأغلبية ساحقة من قبل كل دولة مشتركة في النزاع، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، من بين آخرين.

بعد أن كنا ضحية هذا الإدمان الإسرائيلي الممتد لعقود، خاصة في القطاع الخاص الفلسطيني، يتم إخبارنا الآن من قبل محامي إفلاس أمريكي، ومحامي عقارات في نيويورك، ومطور عقاري أمريكي مشكوك فيه، بوجوب تطوير  الاقتصاد الفلسطيني قبل تحديد المعايير السياسية.

هل الإدارة الأمريكية عمياء عن حقيقة أننا جربنا ذلك بالفعل، لمدة 25 عامًا؟ كانت تسمى عملية أوسلو للسلام، وقد أدارتها الولايات المتحدة. لقد كانت عملية شهدت على المستوى الجغرافي تجزيئنا بحيث لم يعدد ممكنًا التعرف إلى فلسطين. لقد كانت عملية سمحت بإقامة جدار أعلى وأطول من جدار برلين، يفصل الفلسطينيين عن الفلسطينيين. لقد كانت هذه العملية هي التي سرعت مشروع الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني بشكل صارخ من مائة ألف إلى أكثر من ستمائة مستوطن في الضفة الغربية. لقد كانت عملية أسفرت عن سجن المزيد من الفلسطينيين، وكثير منهم قاصرون. لقد كانت عملية شهدت تدمير المزيد من منازل الفلسطينيين، في جميع أنحاء الأرض المحتلة.

هل أحتاج لأن أشرح كيف أن العملية الأخرى التي تقودها الولايات المتحدة باستخدام نفس نموذج أوسلو القديم -الاقتصاد قبل السياسة- غير مقبولة للفلسطينيين؟

بعد كل الأضرار التي أحدثتها الأعمال السياسية ذاتها، التي اتخذتها بالفعل إدارة ترامب، هل من الضروري حقًا عقد "ورشة عمل" في دولة ثالثة، من دون الفلسطينيين وربما من دون المحتل العسكري؟

هل ستقنع البحرين الإسرائيليين بمنحنا إمكانية الوصول إلى آبار الغاز الطبيعي في بحر غزة، والتي تم إغلاقها منذ العام 1999؟ هل ستعوضنا المملكة العربية السعودية عن جميع الأضرار المالية التي لحقت باقتصادنا من النهب الإسرائيلي لمواردنا على مدى السنوات الـ 52 الماضية؟ هل ستقنع الإمارات العربية المتحدة إسرائيل بتنفيذ ما وقّعت عليه إسرائيل في أوسلو، وهي أربعة ممرات آمنة بين الضفة الغربية وقطاع غزة؟ هل يعتقد كوشنر وشركته في الواقع أن عددًا قليلًا من الفلسطينيين في أميركا سوف يتمكنون من استيعاب ما يتراوح بين 60 و 80 مليار دولار من الاستثمارات التي يقولون إنهم يهدفون إلى جمعها في ورشة العمل هذه؟

الإجابات واضحة.

إسرائيل تقود سيارتها وهي ثملة، وهي على وشك السقوط في الهاوية. الهاوية لها اسم؛ يطلق عليه حل الدولتين. إن الولايات المتحدة، صديق إسرائيل الوحيد الذي يمكنه أن يقول لها التوقف عن القيادة وهي ثملة، ولكن بدلًا من إيقاف السيارة، قفز السفير الأمريكي ديفيد فريدمان إلى مقعد السائق وهو يضغط على دواسة الوقود بكل قوته. هو والولايات المتحدة سيكونان الوحيدين اللذين يقع عليهما اللوم في فشل ورشة العمل الأسبوع المقبل، و"محنة القرن" السيئة السمعة.

 

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus