علي الأسود: هذه هي الآثار المدمّرة لتنافس العائلة الحاكمة على السلطة في البحرين

العائلة الحاكمة
العائلة الحاكمة

علي الأسود - 2019-10-02 - 12:54 م

مرآة البحرين (خاص): بقدر ما تشهد البحرين نزاعا علنيا على اقتسام السلطة بين المعارضة والعائلة الحاكمة، فإن هناك تنافسا، قد يصل لحد النزاع، داخل العائلة نفسها نحو اقتسام الصلاحيات الاقتصادية، السياسية والأمنية في البلاد، الأمر الذي يؤثر سلبا على مجمل الأوضاع المحلية. 

التنافس انطلق منذ اليوم الأول لتسلّم الأمير (الملك) حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم بعد وفاة أبيه (6 مارس/ آذار 1999). صعد الأمير لسدة الحكم لكن حكمه كان يصطدم بتغوّل رئيس الوزراء في كل مفاصل الدولة.

بعد عام ونصف من تسلّمه السلطة، أمر الأمير بتشكيل لجنة لصياغة ميثاق للعمل الوطني، ضمن ما أسماه مشروعا إصلاحيا بالتوافق مع أطراف معارضة. كان هذا المسمّى يشكل استفزازا لرئيس الوزراء، الذي كان يقول محتجا «إن الإصلاح يأتي بعد تخريب، فهل كنّا مخربين؟».

يمكن للبعض أن يجادل كثيرا بشأن نوايا الأمير سابقا أو الملك حاليا، لكن مآلات الإصلاح الدستوري الذي وعد به في ميثاق العمل الوطني ترجّح أن عملية الإصلاح لم تكن تهدف لإعادة العمل بـ «الحياة النيابية» بل إعادة احتكار صلاحيات الإمارة بشكل أساسي.

فبطلب من الأمير، أعاد الخبير الدستوري رمزي الشاعر هندسة السلطة من جديد. أصبح شكل السلطة هرما مقلوبا. للملك (فوق) الصلاحيات الشاملة بينما ينحشر الآخرون في (أسفل) الهرم. 

مجددا، بذات القدر الذي سحب فيه الملك صلاحياتٍ من السلطات التشريعية (الشعب)، سحب فيه الملك صلاحيات عمه النافذ رئيس الوزراء. لقد كشف الدستور الجديد الذي أطلقه العام 2002 منفردا أن الهدف من عامين من المداولات العلنية هو ترسيخ السلطة في يده.

وبالرجوع إلى الدستور، ستجد الكم الكبير من المواد التي تبدأ بـ «يعين الملك ويعفي، ينشئ الملك، ويبرم الملك». وتجد في هذا الكم من المواد كيف أن الملك بات ليس منفردا بتعيين أعضاء الحكومة فقط، بل بترأس السلطة التنفيذية. 

وتحت باب القضاء، يرأس الملك السلطة القضائية ويعين القضاة ويعزلهم في مختلف درجات التقاضي. أما السلطة التشريعية فقد أفرغها من مضمونها بعد أن أعطى لنفسه الحق في تعيين نصفها (مجلس الشورى)، وحق إصدار المراسيم التي لها صفة القوانين.

في إطار المنافسة المحمومة تلك، لم يعد للإصلاح السياسي مكانا حقيقيا في الأجندة الوطنية. صار التنافس داخل العائلة الحاكمة على تعزيز المواقع محور انشغالها على حساب القضايا الكبيرة. ولم ينته ذلك التنافس بعد فرض الدستور الجديد وإنما تصاعد بشكل لافت.

صحيح أن محاولات رئيس الوزراء لم تفلح في عرقلة سعي الملك للاستحواذ كليا على السلطة، إلا أنها أظهرت كيف أن الصراع داخل العائلة الحاكمة بات يسهم في عرقلة عمل الأجهزة الحكومية، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى ما عْرفت في حينها بـ «خطة إصلاح سوق العمل».

عطّل رئيس الوزراء خطط مجلس التنمية الاقتصادية الذي يترأسه ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة. تسبب ذلك في تراشق علني قبل أن يتدخل الملك لحسم الصراع لصالح نجله. ولم تكن تلك الفوضى الوحيدة، بل يمكن الإشارة إلى التنافس على بسط النفوذ على شركة ممتلكات أيضا.

لقد بات الصندوق السيادي والشركات المدرجة تحته مسرحا آخرا للتنافس العائلي، وهذا ما يحدث حاليا في بنك البحرين الوطني حيث يُعتقد أن ولي العهد أحكم نفوذه على البنك الوطني الذي ظل لسنوات تحت سلطة رئيس الوزراء.

وبفضل تعيينه نائبا أولا لرئيس الوزراء وإشرافه المباشر على برنامج التوازن المالي (خطة إصلاح ماليا  مدعومة خليجيا)، أصبح لولي العهد صلاحيات إدارية واسعة من بينها تعيين المدراء الحكوميين، وأخرى اقتصادية كانت من مساحة تحرك خليفة بن سلمان.

وإلى جانب الآثار السلبية المترتبة على غياب سلطة تنفيذية موحدة، يمكن الإشارة إلى الأضرار المالية التي خلّفها التسابق على الاستحواذ على الأراضي والأراضي المغمورة مثلا، حيث تسبب ذلك في استنزاف مليارات الدولارات.

لقد كان الصراع العائلي على السلطة في البحرين عاملا رئيسيا في وأد فكرة الإصلاح، وما لحقها من اضطرابات سياسية وأمنية مستمرة منذ صعود الملك للسلطة، كما لا يمكن إنكار ما خلفه ذلك من إهدار للثروات الوطنية.

إن معالجة تلك الأوضاع المعقدة لا يمكن أن يمر عبر برامج مجتزئة للإصلاح المالي وإن كانت طموحة، بل يمر عبر مشروع كبير يضع حد لاقتسام العائلة للسلطة، ويؤسس لمشاركة شعبية حقيقية في إدارة شؤون البلاد. 

ولا يمكن ذلك من غير إجراءات قاسية يمكن لها أن تنهي نفوذ أطراف من العائلة الحاكمة في السلطة. ولعل ذلك يجب أن يبدأ بالنصيحة التي وجهها القاضي محمود شريف بسيوني للملك بعزل عمه رئيس الوزراء حفاظا على وحدة الشعب.

وبعد 8 سنوات من تلك النصيحة، لم يعد ذلك كافيا إذا لم يتبعه وضع حد لنفوذ أشخاص مؤزّمين آخرين مثل وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة وأذرعه. إن عزل هذا الأطراف يمكن أن يفتح المجال لإصلاح إداري بتشكيل حكومة وطنية تحمل صلاحيات كاملة في مرحلة أولى من الإنقاذ الوطني تتضمن حوارا سياسيا ينتج حلولا دائمة.