» رأي
الدولة والمجتمع في البحرين وتحرير الدولة من القبيلة
يوسف مكي - 2012-08-27 - 5:12 م
يوسف مكي*
أسوة ببقية إمارات الخليج العربية المستقلة في بداية السبعينات اختارت إمارة البحرين اسم - دولة – بدل إمارة لهذا الكيان الجغرافي والسياسي الناشئ. ومنذ ذلك التاريخ أصبح الاسم الرسمي لهذا الكيان دولة البحرين، ثم تغير الاسم إلى مملكة في العام 2002. لكن مضمون الدولة لم يتغير مع ما يستتبع مفهوم الدولة من متطلبات ونتائج على الصعيدين المجتمعي والسياسي.
هذا فيما يتعلق بالاسم، إلا أن الدولة بما هي هيكلية وأجهزة ومؤسسات متعددة ومتنوعة وحقوق وواجبات هي أسبق في وجودها المادي من التسمية الإطارية التي جاءت في أعقاب الإستقلال في العام 1972 وهي بهذا المعنى من المفترض أن تعبر عن كل مصالح المجتمع/ الشعب لأنها نتاج تجربة تاريخية للشعب/ المجتمع البحريني، كما أنها في نشأتها تعود بتقديرنا إلى بداية العشرينات من القرن الماضي عندما تم تدشين أولى مؤسساتها المادية المتمثلة في الجمارك والطابو والشرطة والحجر الصحي والتعليم والصحة والبلديات والمحاكم وإلغاء السخرة وغيرها من المؤسسات، والتي تكللت بعزل الشيخ عيسى بن علي الذي اعتبر عائقا في طريق بناء الدولة الحديثة وإلغاء نظام الإقطاعيات وتعدد مراكز القرار، حيث كان كل شيخ يحكم اقطاعته بكل ما فيها من الحجر والشجر والبشر بطريقته.
وفي ضوء هذا الافتراض يكون قد مر على تأسيس الدولة في البحرين قرابة قرن من الزمان. لكن هذه الدولة وعلى رغم مرور فترة تاريخية لا بأس بها من البناء، فإنها لا تزال عاجزة عن القيام بمهمات المجتمع، وغير قادرة على تمثيله أو التعبير عن تطلعاته هذا فضلا عن حاجاته، كما أن المجتمع لا يرى فيها تمثيلا صحيحا لإرادته وتطلعاته، بل يرى أن الدولة مختطفة من قبل آل خليفة ومجيرة لصالحهم دون الشعب. وهنا تحدث المفارقة بين ما تدعيه الدولة أو القائمين عليها بخصوص شرعية تمثيلها للمجتمع، وما يراه هذا الاخير بأن الدولة لا تمثله ولا تعبر عنه، فهي غريبة عنه وهوغريب عنها. وهذه مشكلة لها أسبابها وهي بحاجة إلى حل، وما الانتفاضات الشعبية المتعاقبة منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن إلا دليلا دامغا لرغبة المجتمع البحريني بكل مكوناته في تحرير الدولة من الاستعمال التعسفي من قبل القبيلة/ السلطة، لتصبح الدولة لكل المواطنين وليس لطرف أو فئة.
أما أسباب هذه المشكلة – وهي تاريخية – فتتمثل في الخلط بين الدولة والسلطة، وفي كثير من الأحيان المماهاة بينهما، أو التعامل معهما وكأنهما وجهان لعملة واحدة من قبل الممسكين بمقاليد الامور في البحرين، بينما الدولة شيء والسلطة شيء آخر.
فالدولة بمفهومها الحديث هي مجموعة من الهياكل المؤسسية وهي مرآة للمجتمع وما يدور فيه من صراعات بين قوى مجتمعية، وبالتالي هي تعبير مكثف عن الصراعات الطبقية في المجتمع وتوزانات القوى فيه. فالدولة وفقا للمفكر المغربي عبد الاله بلقزيز "تمثل الكيان والمجموع الاجتماعي (الشعب، السلطة، المعارضة...)".( 1) "أما السلطة فتمثل حيزا اجتماعيا من ذلك المجموع" (2) بمعنى آخر هي مجموعة الفعاليات والممارسات السياسية وغير السياسية التي ترتبط بفئة معينة من المجتمع، كأن تكون معبرة عن حزب أو ائتلاف حزبي أو قبيلة أو عائلة أو طبقة... إلخ. لذلك يمكن القول الدولة البحرينية للتعبير عن الكل الاجتماعي، والسلطة الخليفية للتعبير" عن الحكم وعن السيطرة" (3) باختصار "الدولة عنوان أمة أو شعب، والسلطة عنوان طبقة، أو كتلة طبقية" (4) وهي في حالة البحرين سلطة خليفية، أو عنوان لقبيلة.
ولكي تستقيم الأمور في العلاقة بين الدولة والمجتمع لابد من الفصل بين الدولة والسلطة. فالدولة عادة تتميز بالاستقرار والثبات النسبي، في حين أن السلطة تتميز بالحركة والتغير الدائم خاصة في الدول الديمقراطية من خلال التنافس والتداول السلمي للسلطة فيما بين القوى المجتمعية والاحزاب السياسية.
على هذا الاساس فإن كل النضالات والتحركات السياسية التي شهدتها البحرين منذ لحظة تأسيس الدولة حتى حركة 14 فبراير كانت تهدف إلى تحرير الدولة من السلطة من الحكم الذي هو حكم آل خليفة الذين استولوا على الدولة، وليس ضد الدولة كما توحي السلطة بذلك. فالدولة شيء وسلطة آل خليفة شيء آخر.
وكما أن الدولة تمثل الأمة أو الشعب من المفترض أن تكون السلطة نابعة من الشعب. فعندما نقول إن الشعب مصدر السلطات يعني ذلك أن هذه السلطة السياسية نابعة من إرادته عن طريق الاقتراع والتمثيل والانتخابات النزيهة. بينما الأمر في البحرين أن السلطة السياسية هي أبعد ما تكون عن إرادة الشعب وهو ليس مصدرها، إنما هي غنيمة لآل خليفة بحكم منطق الإستيلاء والغلبة والعصبية القبلية. وهذا يتعارض مع أبسط مفاهيم تكوين السلطة في الأنظمة الديمقراطية، حيث السلطة نابعة من إرادة الناس، لا من إرادة شيخ القبيلة، وتأتي سلطة وتذهب أخرى، ولكن تبقى الدولة.
في البحرين السلطة هي السلطة منذ تأسيس الدولة في العشرينات من القرن الماضي، هي السلطة الخليفية التي قامت بعملية تاريخية مزدوجة تتمثل في: أولا: مصادرة حق الشعب في تشكيل السلطة التي تحكمه، وهذه عملية تمت من الأساس بدعم وترتيب من الإستعمار البريطاني واتفاقيات الحماية، واستمرت هذه الترتيبات إلى الآن.
وثانيا: في قيام السلطة بالاستيلاء على الدولة وممهاة الدولة بالسلطة/ القبيلة، لتصبح الدولة هي القبيلة والقبيلة هي الدولة. وهذا يعني غياب الفضاء السياسي العمومي من أجل التنافس والتداول السلمي العقلاني للسلطة. فهو فضاء مغلق ومقتصر على العائلة الحاكمة دون سواها وفقا لمنطق السيف والغلبة.
هذا الوضع في الوقت الذي استفادت منه السلطة في تحصيل مزيد من المغانم والمزيد من القبضة الأمنية والقمعية والاستحواذ على الدولة بشكل شمولي، فإن الدولة بالمقابل خسرت قدرتها التمثيلية للشعب/ المجتمع وباتت مع مرور قرابة قرن من الزمان على تأسيسها مخطوفة بيد آل خليفة، أو أشبه بالبقرة الحلوب للسلطة ومن يعز عليها.
هنا بالتحديد تكمن مشكلة الدولة والسلطة في البحرين. لذلك لا بد من فك الاشتباك بين هذه وتلك. وتحرير الاولى من الثانية وانبثاق الثانية – السلطة - من الشعب كونه مصدر السلطات، لتستقيم العلاقة بين الدولة والسلطة من جهة وبين السلطة والشعب من جهة أخرى. ودون ذلك فإن الشعب البحريني سيظل يدفع أثمانا باهظة من دمه وعرقه وثرواته وحضارته وحاضره ومستقبله.
إذن ما السبيل للخروج من هذا الوضع الشائك الذي تعيشه البحرين منذ عقود؟.
قد تكون الاجابة على سؤال كهذا متعددة. لكن ذلك لا يمنع من إعطاء إجابة نعتقد أنها يمكن أن تخرج العباد والبلاد من عنق الزجاجة. وتتمثل هذه الإجابة في المقترحات التالية:
• الإقرار الفعلي والحقيقي بوجود أزمة سياسية طاحنة ومزمنة سببها العائلة الحاكمة واستيلائها على السلطة والدولة دون وجه حق.
• إطلاق عملية سياسية جريئة وتاريخية تنفتح السلطة فيها على المجتمع/ الشعب والاعتراف أنه المصدر الفعلي والحقيقي للسلطة/ السلطات، وأن السلطة ليست ملكية خاصة وحصرية بآل خليفة أو غيرهم، بل هي ملكية للشعب يخول من يراه مناسبا لذلك عبر آلية الانتخابات، وفي دولة ديمقراطية حديثة يحكمها القانون.
• التوافق على وضع آلية لانتقال سلس للسلطة من عائلة آل خليفة إلى الشعب خلال مرحلة انتقالية لا تتجاوز ستة أشهر مع ضمانات لحفظ كرامة العائلة ورموزها.
• الكف حالا وفورا عن التعرض للمظاهرات والمسيرات بطريقة أمنية. وترك الناس يعبرون عن آرائهم بالطريقة التي يرتؤنها، وفي أي مكان، وهذه علامة من علامات الدول الديمقراطية.
• إطلاق كافة المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم الرموز السياسية/ القيادية حالا.
• سحب القوات السعودية لتصبح البحرين من الآن فصاعدا دولة تنأى بنفسها عن التجاذبات الإقليمية، حيث يفرض عليها وضعها الجيو سياسي ذلك. وتحظى باحترام الجميع. لا شرقية لا غربية.
• وقف المكينة الإعلامية بشتى صورها، والتي تخرب بنية المجتمع وتعيق منطق العيش المشترك بين مكوناته وتحرف مطالب الشعب عن مسارها الصحيح.
• انتخاب لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد، لتدخل البحرين من خلاله مرحلة جديدة نوعيا من تاريخها.
• دون ذلك فإن السلطة/ النظام الخليفي لن يستطيع أن يحكم كما يحلو له، لأن الشعب أيضا لا يمكنه التراجع عما خرج من أجله مهما كانت الكلفة.
• وضع كهذا يدعو إلى التأمل من قبل السلطة وبعيدا عن الحسابات الأنانية والقبلية الضيقة، وبعقلانية، لأن السلطة مهما كانت لا يمكن أن تكون هي الصح والشعب على خطأ اللهم إلا التمسك الغرائزي بالسلطة حتى ولو على دماء الشعب والكلفة الباهظة، وبالتالي لابد من الذهاب في عملية سياسية شاملة وعقلانية من قبل القبيلة/ السلطة وفقا للبنود أعلاه، وقبل فوات الأوان.
• البحرين تستحق أن تنعم بنظام ديمقراطي سياسي تعددي يتم فيه تداول السلطة، وينعم فيها المواطنون بخيرات وامتيازات دولتهم، فهي منهم وهم منها، ولكن ضمن نظام ديمقراطي، وعندها تكون الدولة قد تحررت من السلطة الخليفية أو أي سلطة أخرى، ويصبح الشعب مصدر السلطات، بدلا من استيلاء أحد الأطراف عليها بالقوة كما يرى الناس أنهم ممثلون في السلطة. نعم هذه هي البحرين الجديدة التي يريدها الشعب، والكرة في ملعب العائلة الحاكمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش: 1، 2، 3 و 4 في: السلطة والمعارضة/ المجال السياسي العربي المعاصر (حالة المغرب)، عبدالاله بلقزيز، المركز الثقافي العربي، ط الاولى، 2007، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – المغرب.
* باحث بحريني متخصص في علم الاجتماع.
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق