هل يمكن أن تساهم بطولة في كرة القدم في إنهاء أزمة مجلس التعاون الخليجي؟

خالد الجابر وجورجيو كافييرو - موقع لوبلوغ - 2019-11-28 - 11:59 م

ترجمة مرآة البحرين

أعلن كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والاتحاد البحريني لكرة القدم مؤخرًا أنهم سيشاركون في في بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم التي تبدأ غداً [منذ يومين]. وبرأي عدد من الخبراء،  فإنّ تراجع هذه الدول الثلاثة عن قرارها السابق بمقاطعة الحدث يضيء آفاق حل أزمة مجلس التعاون الخليجي. وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن بلومبرغ، كانت الجهود المبذولة لحل النزاع في الخليج "تكتسب زخمًا". في الواقع، نجحت هذه الجهود في وقف الحملات الإعلامية بين قطر والدول المحاصرة، في حين قال نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجارالله مؤخرًا إنّ قرارهم بالمشاركة كان "إشارة واضحة حول التّقدم باتجاه  حل أزمة الخليج".

جاء قرار المشاركة في بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم لهذا الشهر عقب تصريح حديث لمسؤول سعودي بارز في واشنطن حول "اتخاذ [الدوحة] خطوات لإصلاح العلاقات مع جيرانها". وهناك دولة لا يمكن تجاهلها هنا، وهي عمان، التي اعتقدت منذ فترة طويلة أنه يجب على الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي،إيجاد حلول دبلوماسية، فيما بينها وفيما يتعلق بعلاقاتها مع جمهورية إيران الإسلامية للمشاكل الإقليمية ومواصلة الحوار دائمًا. في وقت سابق من الشهر الحالي، التقى نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بجلالة السلطان قابوس في عمان في اليوم ذاته الذي كان فيه وزير النفط العماني في الإمارات لمناقشة أهمية الحفاظ على الحوار مع الإيرانيين.  مثل هذه التبادلات الدبلوماسية تأتي في إثر جهود دبلوماسية لا تكل، بذلها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، لجذب قطر والدول المحاصِرة نحو المصالحة.

من المهم أن نتساءل لمَ يبدو أن المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين تتجه نحو موقف أكثر مرونة تجاه قطر، وهو الأمر الذي تسعى القيادتان العمانية والكويتية إليه منذ بدء الحصار في يونيو/حزيران 2017. لاأحد ينكر أن كلًّا من طهران وواشنطن متغيرتان مهمتان في هذه المعادلة. لعبت التّصعيدات في الخليج، منذ أعمال التخريب قبالة الساحل الشرقي لدولة الإمارات العربية المتحدة في شهر مايو/أيار وحتى هجمات أرامكو السعودية في سبتمبر/أيلول ،  بالإضافة إلى ضغط الإدارة الأمريكية على دول مجلس التعاون الخليجي لتوحيد صفوفها ضد طهران، دورًا رئيسيًا في دفع الرياض وأبو ظبي إلى إعادة تقييم مواقفهم في قطر.

وسلّطت هجمات الطائرات من دون طيار، والصواريخ التي ضربت منشآت النفط السعودية في بقيق،  وحقلها النفطي في خريص، الضوء على مدى تعرض المملكة للتّهديدات الحقيقية من الخصوم الإقليميين في المملكة العربية السعودية. وبالتالي ، يبدو أن شدّة الهجوم -والدقة من جانب الفاعل الذي نفّذ ذلك - دفعتا القيادة السعودية إلى فهم أهمية معالجة التّحديات الأمنية الحقيقية بدلًا من [اللجوء إلى] التهديدات المفبركة.

علاوة على ذلك، مع إدراك الرياض وأبو ظبي أن كلمات الرئيس دونالد ترامب لا تدعمها في الغالب أي إجراءات، أصيبت قياداتهما بخيبة الأمل. تعلم هاتان العاصمتان الخليجيتان أنّ البيت الأبيض لن يدعمهما في مواجهة إيران، كما اعتقدتا في السابق في عهد ترامب. وقال أندرياس كريج ، وهو أستاذ مساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كلية كينجز كوليدج في لندن إن "الرئيس، الذي تم تنصيبه حديثًا، وعد حلفاء أمريكا الخليجيين في العام 2017 بدعم المزيد من السياسات ذات القيمة الصفرية في المنطقة، وتمكين الشركاء المحليين لجعل الجانب العربي من الخليج عظيمًا مرة أخرى في مواجهة إيران. لكن ترامب لم يفِ [بوعده] ".

في الوقت نفسه، سعت القيادتان السعودية والإماراتية إلى إرضاء إدارة ترامب بحرب الروايات ضد الدوحة، لكن بالنّظر إلى علاقة قطر الوثيقة مع واشنطن (وإدارة ترامب على وجه الخصوص)، يتنازع المسؤولون في الرياض وأبو ظبي بشأن حقيقة  أن عجزهم عن إشراك البيت الأبيض في حربهم ضد قطر [يشكل] فشلًا ذريعًا.

في الشهر الماضي، عندما قرر ترامب سحب بعض القوات العسكرية الأمريكية من جزء معين من سوريا،  ما ساعد على توغل تركيا في مواجهة وحدات حماية الشعب الكردي (و.ح.ش.)، ازداد قلق السعوديين والإماراتيين بسبب وضع السياسة الخارجية للولايات المتحدة. عزّزت  خطوة ترامب هذه الرأي القائل إنّ الإدارة الحالية تفتقر إلى أي رؤية أو تفكير طويل المدى للشرق الأوسط، ما يزيد من انعدام الثقة بتصور الولايات المتحدة في الخليج. دفعت المخاوف من انسحاب واشنطن من العالم العربي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى إعادة النظر في الأسئلة الأساسية حول كيفية مواجهة التحديات الإقليمية.

تساعد [عملية] إعادة التقييم هذه، من جانب الحلفاء الأمريكيين في الخليج، على شرح انفتاح الدبلوماسيين الإماراتيين على طهران، وابتعادهم عن مثل هذا التدخل المباشر في اليمن، وكذلك قرار القيادة السعودية بإشراك الحوثيين من أجل إنهاء الصراع اليمني. يجب فهم الإشارات [الواردة] من الرياض وأبو ظبي باتجاه المصالحة مع قطر في هذا السياق أيضًا. مع ذلك، في حال لم تُلَبِّ قطر أي من الطلبات الـ 13 التي قدمتها الدول المُحاصِرة في العام 2017، سيتعين على الرياض وأبو ظبي مواجهة مخاطر الظهور ضعيفتين في وجه مرونة الدوحة. بالنظر إلى احتمال قيام القطريين بإغلاق قناة الجزيرة، أو قطع الصلات مع إيران، أو إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، سيكون من الآمن الرهان على أن مثل تصورات الضعف هذه في جانب الدول المحاصرة.

في هذا المنعطف، مع انتهاء أزمة مجلس التعاون الخليجي، من المثير للاهتمام أن ندرس كيف يمكن أن يكون الحدث الرياضي هو الباب الأول الذي يجب فتحه عند التحرك نحو نهاية الخلاف العربي، وما إذا كان يمكن لقمة مجلس التعاون الخليجي المقبلة في ديسمبر/كانون الأول أن تُبَشِّر بفترة مصالحة بين الدوحة والدول المحاصرة. مع ذلك، في حال استعادت الرياض وأبو ظبي والمنامة علاقاتهما مع الدوحة، من المستحيل أن نتخيل عودة العلاقات بين هذه العواصم الخليجية إلى العمل كالمعتاد في أيام ما قبل الحصار.

سيستمر تأثير الحصار المفروض على قطر لفترة طويلة من الزمن، ما يضع إطارًا للخطاب الوطني والروايات بين جيل من القطريين الذين عانوا من الحصار في سن مبكرة. نظرًا لكون التداعيات الاجتماعية ستستمر في المستقبل المنظور، سيكون من الصعب أيضًا توقع أن تستعيد الدوحة على نحو غير حكيم أنماط الروابط التجارية والاقتصادية التي كانت قطر في السابق مع المملكة العربية السعودية والتي جعلت الإمارة الصغيرة عرضة للخطر في منتصف عام 2017. والحقيقة هي أن قطر تحرّكت بعد بدء الحصار، وأقامت أنواعًا جديدة من الشراكات مع مجموعة من الدول -تركيا وإيران- والتي لن تتخلى عنها الدوحة حتى لو انتهت أزمة مجلس التعاون الخليجي في الغد. بالتالي، فإن تصور اصطفاف قطر على نحو وثيق  مع المملكة العربية السعودية ضد إيران في "حلف شمال الأطلسي العربي" أو "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" سيتطلب التغاضي عن الطرق التي لا تعد ولا تحصى، والتي تراجعت بها قدرة الدوحة على الثقة بجيرانها العرب المباشرين.

في النهاية، يدرك المسؤولون في الدوحة أنه سيكون من الخطير جدًا أن توجه قطر سياستها الخارجية إلى المنطقة العربية، بطرق تجعل الدوحة تعتمد على إطار مجلس التعاون الخليجي، كما فعلت في فترات سابقة من التاريخ الحديث. على الرغم من أن حل أزمة الخليج قد يكون بمثابة تطور مستقر في جميع أنحاء الشرق الأوسط الكبير، إلا أن نهاية هذا الصدع لن تعيد دول مجلس التعاون الخليجي إلى فترة ما قبل العام 2017. بدلاً من ذلك، ما يمكن أن يبدأ  على الأرجح، في المستقبل القريب، هو عصر جديد في تاريخ المؤسسة شبه الإقليمية على مدى أربعة عقود تقريبًا.

النص الأصلي